الآب يخاطب أبناءه – الكرّاس الأوّل

4٬816

الآب يخاطب أبناءه

رسالـــــة الآب
الكرّاس الأوّل في 1 يوليو 1932

عيد دم ربّنا يسوع المسيح الزكّي

ها هوذا أخيراً يوم موعد الآب السماويّ المبارك منذُ الأزل.
اليوم تنتهي أيّام الإستعدادات الطويلة وأشعر بأنّي قريبة، قريبة جدّاً من مجيء أبي وأب كلّ البشر.
دقائق من الصلاة، ثمّ الأفراح الروحيّة! لقد تعطّشت كثيراً لرؤياه وسماعه! كانَ قلبي المشتعل بالحبّ ينفتح بثقة عظيمة، ممّا جعلني أتحقّق إلى ذلك الحين، إنّني لم أكن أثق هكذا في أحد.
إنَّ التفكير بالآب، كانَ يلقيني في بحر من جنون الفرح. بدأتْ تصل إلى سمعي أنغام وتراتيل. جاء عدد من الملائكة لِيعلن لي عن قُدومه السعيد! كانت تراتيلهم عذبة وجميلة، حتّى أنّي عزمت على تدوينها في أقرب وقت ممكن.
إنقطعت الأنغام لحظة ثمّ بدا موكب المختارين، الشاروبيم والسيرافيم مع الله خالِقنا وأبينا. سجدتُ في خشوع، ووجهي نحوَ الأرض، غارقة في أعماق عدمي، وتلوتُ: «تُعظّم نفسي الربّ…» دعاني الآب بعدَ ذلك مباشرة، للجُلوس مَعَهُ كي أُدوّن ما قرّرَ أن يُعلِنهُ للبشر.

اختفى الموكب الذي كانَ يُرافِقُهُ، وبقي الآب وحدَهُ. وقالَ لي قبلَ أن يجلس: «لقد قلتُ لكِ وأكرّر أيضاً: لا أستطيع أن أعطي ابني الحبيب مرّة ثانية لأُبرهن على حُبّي للبشر! والآن كيّ أُحبّهم، ويعرِفوا هذا الحبّ، سأكون في وسطِهم، آخِذاً صورتهم1 وفقرهم. أُنظري، ها إنّي أضع تاجي ومجدي جانباً آخذاً هيئة إنسان عادي» (أُنظر صورة الغِلاف).
وبعدَ أن صارَ شبيهاً بإنسانٍ عادي، واضعاً تاجه ومجده تحتَ قدميه، أخذَ الكرة الأرضيّة ووضعها بالقرب من قلبه وأسندها بيده اليُسرى، ثمّ جلسَ إلى جانبي. لا أستطيع أن أقول سوى القليل عن مجيئه وحبّه والهيئة التي تنازل وظهر بها! ولا أستطيع لِجهلي، التعبير عمّا أعلنه لي.
قالَ: سلاماً وخلاصاً لِهذا البيت وللعالم أجمع! ليلمس حبّي وسُلطاني وروحي القدّوس قلوب البشر، حتّى تتوجّه البشريّة بأكمَلِها نحوَ الخلاص وتأتي إلى أبيها، الذي يَبحث عَنها لِيُحبّها ويُنقذَها!
لِيَفهم ممثلي – بيوس الحادي عشر، أنّ هذهِ الأيّام هي أيّام بركة وخلاص. وَيجب أن لا يترك الفرصة تفلت منهُ ليجعل إنتباه الأبناء إلى أبيهم، الذي أتى لِيُساعدهم في هذه الحياة. ويُعيد إليهم السعادة الأبديّة.
لقد اخترتُ هذا اليوم، لأبدأ عَمَلي بين البشر، لأنّه عيد الدم الزكي لإبني يسوع. لقد أردتُ أن أصبغ بِهذا الدم العمل الذي بدأته كي يحمل ثِماراً كثيرة للبشريّة جمعاء.

الهدف الحقيقي من مجيئي

1. جئتُ لأبدّد الخوف الذي يعتري خلائقي منّي، ولأُظهر لهم أنّ فرحي هو أن أُعرَف وأن أُحَب من أبنائي، أي من كل البشريّة، الحاضِرة والمستقبلية.

2. جئتُ لأحمل الرجاء للأُمم والشعوب. فكم من أناس فقدوا الرجاء منذ زمن طويل! ذلك الرجاء الذي سيجعلهم يعيشون في سلام وأمان مجاهدين لأجلِ خلاصهم.

3. جئتُ  ليعرِفَني البشر كما أنا. ولتزداد ثقة الناس فيَّ وحبّهم لي، أنا أبوهم الذي لا همَّ لي سوى أن أسهر على كلّ البشر وأن أحبّهم كأبنائي.

وكما يَستمتع الفنّان بالتأمّل في لوحةٍ رسمها، فإني أيضاً أُسَرُّ وأفرَحُ لحضوري بين البشر أعظم مخلوقاتي. الوقتُ يمضي، أتمنّى أن يعرف الإنسان في أقرب وقت ممكن أنّي أُحبّه، وأشعر بِسعادة غامرة في البقاء معهُ ومُحاورته، كالآب مع أبنائِهِ. أنا الأزليّ، فَعِندما كنتُ وحدي، فكّرت أن أستخدم كلّ قُدرَتي لأخلق كائنات على صورَتي. فكان لا بدّ أوّلاً من الخليقة الماديّة، حتّى تَجد الكائنات ما تقتات به: حينئذٍ كانَ خلق العالم. ملأته بِما كانَ ضروريّاً للبشر: كالهواء والشمس والمطر وأشياء أُخرى كَثيرة ضروريّة لِحياتِهِم.
خَلَقتُ الإنسان أخيراً! وَسُرِرْتُ جِدّاً بعملِ يديّ. لَكنّ الإنسان أخطأ، وفي تلكَ اللحظة بالذات تجلّى كرمي اللّامحدود. خلقت واختَرت أنبياء في العهد القديم ليعيشوا بين البشر. قلت لَهُم رغباتي، أتراحي وأفراحي، حتّى يُبَلِّغوها إلى الجميع. وكُلّما ازداد الشرّ، كانت مَحَبَّتي تَدفَعُني بِصورة أكبر للإتصال بِنفوس بارّة، لِيُبلّغوا وصاياي إلى من كانوا يُشيعونَ الفَساد والفوضى.

أحياناً اضطررتُ أن أكون قاسياً لإصلاحهم لا لِمُعاقبتهم لأنَّ ذلكَ سيؤذيهم فقط، بل لإنتِشالهم من الرذيلة، وقِيادتهم إلى أبيهم وخالقهم الذي نَسوه وأنكَروه لِجُحودِهم. وَبَعدَ فترة من الزمن، غَمَرَ الشرّ قلوب البشر، إلى درجة إنّي اضطررتُ إلى إرسال الكوارث إلى العالم، لكي يتَطهّر الإنسان عبر الآلام أو من خِلال فقدان أموالِهِ أو حتّى حَياتِهِ: فكان الطوفان وتدْمير صادوم وعامورة والحروب…
أردتُ دائماً أن أبقى بين البشر في هذا العالم. وكنتُ أثناء الطوفان مع نوح البارّ الوحيد آنذاك، وفي الكوارث الأُخرى أيضاً كنتُ أجد دائماً أحد الأبرار لأسكن عندَهُ، وكنت من خلاله، أسكن بين الناس في ذلك الزمان، ودائماً هكذا.
تطهّر العالم مِراراً من الفساد بفضل محبّتي اللامحدودة تجاه البشر. كنت أُداوم على إختيار بعض النفوس التي كنت أُسَرُّ بها، حتّى أستطيع من خلالها أن أفرح مع مخلوقاتي من البشر. وعدتُ العالم بالمسيح. وأي شيء لم أفعل لأعدّ مجيئهُ؟ لقد كنت أُظْهِرُ ذاتي في الأشخاص الذين كانوا يمثّلونه من آلاف السنين قبلَ مجيئهِ.

فمن هو هذا المسيح؟ من أين يأتي؟ ماذا سيفعل؟ من سيُمثّل؟
المسيح هو الله.
* من هو الله.
الله هو الآب والإبن والروح القدس.
* من أين يأتي أو من رتّب مجيئه بين البشر؟
هو أنا، أبوه، الله.
* من سيمثّل على الأرض؟
أباه: الله.
* ماذا سيفعل على الأرض؟
سيعمل على معرفة ومحبّة الآب: الله.

ألم يقل: «ألا تعرِفون أنّهُ ينبغي أن أكُونَ في مَا لأبي؟» (لوقا 49:2)، «إنّي لم آتِ لأصنع مشيئتي، بل مشيئة أبي الذي أرسلني»، «كلّ ما تطلبون من الآب بإسمي سيعطيكم»، «صلّوا إليه هكذا: أبانا الذي في السموات…».
وفي مكان آخر، لأنّه أتى لِيُمجّد الآب ويُعرّفه للناس، قال: «من رآني فقد رأى الآب»، «أنا في الآب والآب فيّ»، «لا أحد يأتي إلى الآب إلّا بي» (يوحنا 6:14)، «من كان معي فهو أيضاً مع أبي»…
أُنظروا، أيّها الناس، إنّه منذ الأزل لي رغبة واحِدة، وهي أن أُعرِّف ذاتي للبشر، وأن أجعلهم يحبّونني، آملاً أن أمكث على الدوام بينهم. أتريدون بُرهاناً قاطعاً على رغبتي هذه التي أعلنها الآن؟
لماذا أمرت موسى ببناء خيمة الإجتماع وتابوت العهد، أليس لأنّي كنت ألتهب شوقاً لأن آتي وأسكن، كأبٍ وأخٍ وصديقٍ حميم، مع مخلوقاتي البشريّة؟ كانت هذه رغبتي العارمة. لقد نُسيتُ رغم ذلك، وأُهنتُ بخطايا لا تُحصى، أعطيت وصاياي لموسى ليتذكّروا، بالرغم من كل شيء، بالله أباهم، وبرغبته الوحيدة، خلاصهم. كان يجب أن يحفظوا الوصايا ويتذكّروا أبيهم الصالح للأبد، غايته خلاصهم الحاضر والأبدي.

سقط كلّ ذلك في النسيان وانتشر الشرّ بين الناس، وملأ الخوف قلوبهم، ظانّين أنّه من الصعب حفظ الوصايا كما سلّمتُ إلى موسى. أقاموا شرائع سهلة الحفظ لأنفسهم حسب شهوات قلوبهم. وكانت مبالغتهم في الخوف منّي، شيئاً فشيئاً، سبباً في نسياني بصورة أكبر والمبالغة في إهانتي.
ورغم ذلك لم يتوقّف حبّي لأبنائي هؤلاء أبداً، وعندما ظهر لي أنّ الآباء والأنبياء لم يستطيعوا أن يجعلوني أُعرَف وأُحَبّ من الناس، قرّرت المجيء بنفسي. لكن كيف سآتي بينهم؟ ليست ثّمة من وسيلة أُخرى سوى أن أذهب أنا بنفسي، في شخص الأقنوم الثاني من لاهوتي.
هل سيعرفني البشر؟ هل سيصغون إليّ؟ لم يَخْفَ أمامي شيء من المستقبل، ولقد أجبتُ على هذين السؤالين بنفسي:
«سيتجاهلون وجودي، رغم كونهم بقربي. في ابني سيتحدثون بالسوء عنّي، رغم كلّ الخير الذي سيفعله لهم. سيفترون عليّ في شخص ابني ويصلبونني حتّى الموت». هل يوقفني هذا؟ كلّا، فحبّي لأبنائي عظيم جداً.
لم أتوقف هناك. إفهموا جيّداً بأنّي قد أحببتكم، أكثر من ابني الحبيب، لا بل أكثر من نفسي. الحقّ أقول لكم، أنّه لو كانت خليقة واحدة من خلائقي تكفي للتكفير عن خطايا البشريّة، من خِلال الحياة والموت، مثلما حدث مع ابني يسوع، لتردّدت. لماذا؟ لأنّي بذلك أتنكّر لخليقة أُخرى أُحبّها، عندما تتألّم عوضاً عنّي في شخص ابني، ولم أرغب قطّ أن يتألّم أبنائي.

هذه إذن بإيجاز قصّة حبّي حتّى مجيئي بين البشر بواسطة ابني. وتعرف الغالبيّة العُظمى من الناس كلّ هذه الأحداث، ولكنّها تجهل جوهرها: لقد كان الحبّ هو الذي يقودها. نعم، هو الحبّ، وهذا ما أُريد أن يؤثِّر عليكم. هذا الحبّ قد نُسيَ الآن. وأُريد أن أُذكّركم به حتّى تتعلّموا كيف تعرفونني، هكذا كما أنا، وحتّى لا تكونوا عبيداً خائفين من أبٍ يحبّكم بهذا المقدار.
في هذه القصّة، ما زلنا في اليوم الأوّل من القرن الأوّل وسأصل لوقتنا الحالي، القرن العشرين.
آه، كم كان حبّي الأبويّ منسيّاً لدى البشر ومع ذلك فإنّي أُحبّكم بحنان لا يوصف. في ابني، الذي صار إنساناً، فأي شيء لم أصنع! الأُلوهيّة ظهرت في الإنسانية، الذي صَغِرَ، تواضَعَ وأُهينَ. مع ابني يسوع عشت حياة تضحية وعمل. كنت أتقبّل صلواته حتّى يتمكّن الإنسان من أن يسلك طريقه دائماً في البرّ ويصل إليَّ في أمان.
بالطبع، أستطيع أن أفهم ضعف أبنائي، لذلك طلبت من ابني أن يعطيهم وسائل للنهوض من عثراتهم.
وستُساعدهم هذه الوسائل على التطهير من خطاياهم، ليظلّوا أبناء أوفياء لحبّي. إنّ دم ابني الذي يُسْفَك كل لحظة لأجلِكم، هو أعظم وسيلة لخلاصكم، رغمَ كلّ سقطاتِكم، شرط أن تطلبوه عن طريق التوبة. أبنائي الأحبّاء، منذُ عشرينَ قرناً وأنا أغمركم بتلكَ الخيرات والنِعم الخاصّة، ولكن النتيجة كانت بائسة للغاية!

كم من مخلوقاتي التي بعد أن أصبحت موضعاً لحبّي عن طريق ابني، ألقت بنفسِها سريعاً في الهاوية الأبديّة، إنّها لم تعرف في الحقيقة جودي وصلاحي اللامتناهي. فكم أُحبّكم! أمّا أنتم، الذين تعرِفون أنّي أتيت بنفسي لأُكلمكم ولأُعلن لكم عن حبّي، فرأفةً بأنفسكم، لا تلقوا بأنفسكم إلى الهلاك. أنا أبوكم!
هل من الممكن بعدما دعوتُ نفسي أباكم وشهدتُ بحبّكم، أن تروا فيَّ قلباً قاسياً إلى درجة أن أترككم تهلكون؟ لا ثمّ لا! لا تصدّقوا ذلك! أنا أفْضَلُ الآباء! أعرف ضعف خلائقي! تعالوا، تعالوا إليّ بثقة وحبّ! وأنا أغفر لكم بعدَ التوبة. حتّى لو كانت خطاياكم كالطين، فإنّ ثقتكم وحبّكم يجعلانني أنساها، لكيّ لا تُدانوا. نعم أنا عادل، لكن الحبّ هو الذي يدفع كلّ الثمن.
اسمعوا، يا أبنائي، لنجري مقارنة وستتأكدون من حبّي. إنّ خطاياكم بالنسبة لي كالحديد، وأعمال محبّتكم كالذهب. لنفترض أنّكم أعطيتموني مائة كيلو غرام من الحديد، هل ستكون بنفس القيمة لو أعطيتموني عشرة بالمائة من الذهب! وهذا يعني أنّه بالقليل من الحبّ يُمكن إفتداء الآثام الكثيرة.

الآب السماوي
إليكم صورة واضحة عن الطريقة التي أحكم بها على جميع أبنائي البشر، دون إستثناء: يجب أن تأتوا إليّ، وإني قريب جدّاً منكم! عليكم محبّتي وإكرامي لئلّا تُدانوا، وإنّ أقصى ما تُدانون بِهِ هو حبّ رحيم للغاية!
لا تشكّوا! لو لم يكن قلبي هكذا، لكنتُ قد قضيت على العالم في كلّ مرّة كانَ يُصنع فيه الشرّ! فلقد كانت رحمتي تتجلّى في كلّ لحظة من خلال النعم والعطايا، وأنتم شهود على ذلك. يُمكنُكم لِذلك الإستنتاج بأنّ هناك أباً أسمى من كلّ الآباء، يُحبّكم ولن يكفّ أبداً عن حبّكم، شرط أن تبتغوه. أنا آتٍ إليكم عبر طريقين:

الصليب والإفخارستيّا

الصليب هو طريقي لكي أكون بين أبنائي، بواسِطَتِهِ جعلت ابني يُخلّصكم. والصليب بالنسبة لكم، هو طريق الوصول إلى ابني، وبإبني إليّ. فبِدونِهِ لا يُمكنكم أن تأتوا إلي، لأنّ الإنسان، بالخطيئة، جلب على نفسِهِ العِقاب الذي أدّى إلى إنفِصالِهِ عن الله.
في الإفخارستيّا أسكن بينكم كآب وسط أُسرته. أردت أن يؤسِّس ابني الإفخارستيّا لِيجعَل من كلّ بيت قرباناً وينبوعاً لِنِعمي وحبّي الكبير للبشر أبنائي. وعبر هذين الطريقَين أرسل دوماً قُدرتي ورحمتي اللامحدودة.
… والآن بعد أن عرفتم أنّ ابني يسوع يُمثّلني بين البشر، وأسكن بِواسِطته بينهم، أُريد أن تَعرِفوا أيضاً أنّي أكون بينكم بِواسِطة روحي القدّوس. إنّ عَمَل الأقنوم الثالث من أُلوهيّتي يجري بِهدوء ولا يحسّ به الإنسان غالباً. ولكنّهُ بالنسبة لي وسيلة مُناسِبة جدّاً لكي أكون في نفوس جميع الذين هم في حالة النعمة، لِيَتَوطّد فيهم عرشي، وأسكن فيهم دائماً كالآب الحقيقيّ الذي يحبّ أبناءه ويحفَظَهم وَيُعينهم. لم يفهم أحد بعد رغبتي اللامحدودة لقلبي الأبوي الإلهي بأن أكونَ معروفاً، محبوباً ومكرّماً من كل البشر، الصالحين والخطاة. أُريد أن أحصل على هذه الهدايا الثلاثة من البشر، لكي أكون دائماً رحيماً وعطوفاً حتّى تجاه أقصى الخطأة.
أي شيء لم أصنع لِشعبي، منذُ آدم حتّى يوسف، والد يسوع بالتبنّي، ومنذُ يوسف إلى اليوم، ليستطيع الإنسان أن يؤدّي لي فرض العبادة الخاصّة كأب خالق ومُخلّص. هذه هي العِبادة التي طالما اشتَقتُ إليها، وهي لم تُقدَّم لي بعد.

تقرؤون في سفر الخروج أنّهُ يجب إكرام الله بِعِبادة خاصّة. وتَحتَوي مزامير داود على هذا التعليم أيضاً. وضَعتُ في بِداية الوصايا التي سلّمتها بِنَفسي إلى موسى: «أُعبد الله الواحد وأحِبَّهُ»، فالحبّ والإكرام شيئان مُتلازِمان. ولأنّي غَمَرتُكم بِحَسَناتي، يجب أن تُكرِّموني بِطريقة خاصّة جدّاً.
بإعطائكم الحياة، تمنّيت أن أخلقكم على َمِثالي! لِهذا فإنّ قلبكم حساس كقلبي، وقلبي كقلبكم! أي شيء لا تفعَلونَهُ، إذا أدّى لَكُم أحد جيرانكم صنيعاً بسيطاً لإسعادِكم؟ الإنسان الأكثر قسوةً لا ينسى أبداً صنيعاً تمّ لأجلِهِ، لا بل إنّهُ يبحث عن الشيء الذي يُسِرُّ كثيراً من قامَ بِهذا الصنيع لِيُكافئهُ بِهِ. لذلك، سأكون أكثر عُرفاناً تِجاهكم، ضامِناً لَكم الحياة الأبديّة، إذا أكرمتُموني كما طَلَبتُ منكم.
أعرف أنّكم تكرّمونني في شخص ابني، وهناك من يعرف كيف يرسل كلّ شيء إليَّ بِواسِطة ابني، لكنّ عدَدَهم قليل! لا تحسِبوا مع ذلك أنّهُ بإكرام ابني لا تُكرّمونني! نعم، أقول لكم، إنّكم تكرّمونني لأنّي أنا في ابني! فكلّ مجد له، هو مجد لي أيضاً.

لكنّي أُريد أن يكرّم الإنسان الآب، أباه وخالِقَهُ، بِعِبادة خاصّة. وبقدر ما تكرّمونني، تكرّمون ابني، لأنّه بِمشيئتي صارَ الكَلِمة المتَجَسّدة، وحلّ بينكم ليُعرِّفكم ذاك الذي أرسَلَهُ.
إذا عرفتموني سوفَ تُحِبّونَني، وتُحِبّون ابني الحبيب أكثر ممّا تفعلون الآن. أُنظروا إلى هؤلاء الذين صاروا أبنائي من خلال سرّ الفداء، ثمّ تركوا والآن ليسوا في المراعي التي أقمتُها بِواسِطة ابني لِكلّ البشر. وآخرين كُثُر، وأنتم تعلمون، ما زالوا يَجهَلون تلك المراعي. وكم من مخلوقاتي الذين أعلم بوجودهم، بينما أنتم تجهَلون، لا يعرِفون حتّى تِلكَ اليد الّتي جبلتهم!
آه، كم أودّ أن أُخبركُم بأنّي أبٌ عظيمٌ لكم وسأكون لكل الخلائق عبر نِعمي. أُريد أن تحلو حياتهم عبرَ شريعتي. نعم، قولوا لهم أنَّ أباً لهم، بعدَ أن خلقهم، يُريد أن يَعطيهم الكُنوز التي يَقتَنيها، قولوا لهم خاصّة إنّي أُفكّر فيهم، أُحِبّهم وأُريد أن أهبَهم السّعادة الأبديّة.

آه! أعدكم: إنَّ البشر سيهتدون سريعاً. وصدّقوني لو كنتم قد بدأتم منذ الكنيسة الأُولى بالعمل على إكرامي من خلال عبادة خاصّة، لبقيَ الآن عدد قليل من الناس يعبدون الأوثان والأصنام، وعدد قليل من الشِيَع الكاذبة والشريرة، الّتي يجري فيها الإنسان معصوب العينين، ليلقي بنفسه في الهاوية وأعماق النار الأبديّة! فانظروا كم تبقّى من عمل!

ساعتي قد أتت! يجب أن أكون معروفاً، محبوباً ومكرّماً من البشر، كَوْني خلقتهم أستطيع أن أكون أباً لهم، وأن أكون مخلّصهم وموضوع سعادتهم الأبديّة.
لقد تحدّثْتُ إليكم حتّى الآن عن الأشياء المعروفة بالنسبة لكم، أردْتُ تذكيركم بها لتقتَنِعوا بصورة أكبر بأنّي أبٌ في غاية الجودة والصلاح ولسْتُ مخيفاً كما تظنّون، وأبٌ لكلّ البشر الأحياء الآن، والذين سأخلقهم حتّى نهاية العالم.
اعلموا أيضاً أنّي أودّ أن أكون معروفاً ومحبوباً وخاصّةً مكرّماً. لِيعرف الجميع بجودي اللامحدود تِجاه الجميع، وخاصّة تِجاه الخطأة والمرضى والمحتضرين، وكلّ الذين يتألّمون. ليعرفوا بأنّ لي غاية واحدة: أن أُحبّهم جميعاً، وأن أهبَهم نِعَمي، وأن أغفر لهم عند التوبة، وأن لا أدينهم حسب عدالتي وإنّما حسب رحمتي، وحتّى يخلصُوا جميعاً ويدخلوا في عِداد المختارين.

وفي ختام هذا الموضوع الموجز، أقطع معكم عهداً أبديّاً، وهو: أنّي إذا دُعيت «أبا» بِثِقة وحبّ، ستنالون كلّ شيء من هذا الآب بحبّ وعطف وحنان. ولِيَهتمّ ابني (مرشِدِك الروحيّ) بِتمجيدي وترتيب كلّ ما أمرتُكِ بِكِتابَتِهِ، حتّى يَجِدَهُ الناس سهلاً ومستحبّاً، الموضوع الذي أُريدهم أن يعرفوه، دون أيّة إضافة.
سأُحدِّثك كلّ يوم عن رغباتي وأفراحي وأشواقي تِجاه البشر، وسأُظهر للبشر بصورة خاصّة صلاحي اللامحدود وحبّي الحنون الشغوف. أودّ أيضاً أن تسمح لكِ رئيساتكِ بقضاء أوقاتكِ الحرّة معي، وأن تتمكّني من تعزيتي ومحبّتي لمدّة نصف ساعة في اليوم حتّى تكون قلوب أبنائي البشر، مستعدّة للعمل على نشر هذه العبادة، التي كشفْتُ لكِ الآن عن شكلها، حتّى تصِلوا إلى ثقة عظيمة تجاه هذا الآب الذي يُريد أن يُحَبّ من أبنائه.
ولكيّ ينتشر هذا العمل بين كلّ الأُمم في أسرع وقت ممكن، دون السماح بأن يقتَرف الذين سيوكّل إليهم نشره أدنى خطأ، أطلب منك (الأم أوجينيا) أن تقضي كلّ أيامك في إتّحاد معي. سوفَ تكونين سعيدة في عدم التحدّث كثيراً مع الآخرين. وحتّى وأنتِ بينهم، في قلبك سوفَ تتحدّثين وتُصغين إليَّ.

هذا ما أُريدُكِ أن تفعليه أيضاً: عِندما أتحدّث معِك أحياناً أكتبي مؤتمناتي في مذكرة صغيرة، من خلاله أُريد أن أتكلّم للجميع: إني أعيش مع البشر في أُلفة أكبر من أُلفة الأمّ مع أبنائها. لم أكفّ لحظة واحدة منذ خلقي للإنسان، عن العيش بِقُربه، وكأبٍ وخالقٍ لهُ أشعر بالحاجة إلى أن أُحبّه. أعيش بالقرب من الإنسان، أتبعه في كلّ مكان، وأُساعده في كلّ شيء، وأُؤمِّن له كلّ شيء. أرى إحتِياجاته وأتعابه ورغباته، وتكون سعادتي الكُبرى في مساعدته وخلاصه.
يظنّ البشر أنّني إله مُخيف، وأنّي ألقي بالبشريّة في جهنّم. كم ستكون المفاجأة في آخر الزمان عندما يرون كثيراً من النفوس، التي كانوا يعتقدون أنّها فُقِدت، تنعم بالسعادة الأبديّة مع المختارين. أودّ أن تقتنع كلّ مخلوقاتي بأنّ هناك أباً يسهر عليهم ويُريد أن يتمتَّعوا، هنا على الأرض، بعربون السعادة الأبديّة.
الأُم لا تنسى رضيعها الذي وضعته في العالم، أليسَ من الأروع أنّي أذكر كلّ مخلوقاتي؟ إذا كانت الأمّ تحبّ هذا الكائن الصغير الذي منحتُها إيّاه، فأنا أُحبّه حبّاً يفوق حبّها له، لأنّي أنا الذي خلقته. وإذا كان حبّ الأُمّ لِطفلِها يضعف أحياناً بسبب عيبٍ، فأنا على النقيض أُحبّه أكثر. قد تصل هي إلى نسيانه تماماً أو نادراً ما تفكّر فيه، خاصّةً حينَ يكبر ولا يحتاج لرعايتها، لكنّني أنا لم ولن أنساه أبداً. سأُحبّهُ دائماً، حتّى لو لم يعد يذكرني، أنا أبوه وخالقه، سأظلّ أتذكره وأُحبّهُ.

لقد سبق وأن قلت لكم، إنّي أُريد أن أعطيكم، هنا على الأرض، السعادة الأبديّة، لكنّكم لم تفهموا بعد هذا الكلام والذي يعني: إذا أحببتموني ودعوتموني بهذا الإسم العذب «أبا»، ستعيشون الآن وهنا، في الحبّ والثقة اللذان سيسعدانكم في الأبديّة، وستنشِدون هذا في السماء مع جماعة المختارين. أليس هذا تذوُّق سعادة السماء التي ستدوم إلى الأبد؟
أودّ أن يتذكّر الإنسان حيثما يكون، أنّهُ لا يستطيع العيش كما هو لَوْ لم أكن معه. رغمَ عدم إيمانه، سأظلّ دائماً بالقرب منه. آه، كم أودّ أن يتحقّق المشروع الذي أُريد أن أُخبركم عنه، وهو: أنّ الإنسان لم يفكّر إلى اليوم، بصنع الله لهذه المسرّة التي سأفصح لكم عنها الآن: أُريد أن أرى ثقة عظيمة بين الإنسان وأبيه السماويّ، وروح أُلفة حقيقيّة ورقّة وإحساس، حتّى لا يُساء إستغلال طيبتي ولطفي العظيم.
إنّي عليم بإحتياجاتكم ورغباتكم وكلّ ما يجول في داخِلكم. وكم سأكون سعيداً عندما أراكم تُقبِلونَ إليّ وتبوحون لي بإحتياجاتكم، كما يفعل الإبن بثقة كاملة مع أبيه. كيف أستطيع أن أرفض لكم شيئاً مَهما كان صغيراً أو كبيراً إذا طلبتموه منّي؟

حتّى وإن لم تروني، ألّا تحسّون بوجودي قريباً منكم في الأحداث التي تقع لكم وحولكم؟ كم ستكون مكافآتكم يوماً، لأنّكم آمنتم بي دون أن تروني!
حتّى الآن وأنا هنا حاضر شخصيّاً بينكم جميعاً، أُخاطبكم، مكرّراً لكم دون انقطاع، بأشكال عديدة، إنّي أُحبّكم وأُريد أن أكون معروفاً ومحبوباً ومكرّماً بعبادة خاصّة. أنتم لم تروني، ما عَدا شخص، تلك التي أُملي عليها هذه الرسالة! هي الوحيدة فقط التي تراني! ومع ذلك، فإنّي، في شخص تلك التي أراها وأُكلّمها (الراهبة)، أرى الجميع، وأُحبّكم كما لو كنتم ترونني.

أودّ إذن أن يعرفني البشر وأن يشعر بقربي كلّ واحد منهم. تذكّروا أيّها البشر، أنّي أُريد أن أكون رجاء البشريّة. ألستُ كذلك؟ لو لم أكن رجاء الإنسان، لضاع. لكن لا بدّ وأن أكون معروفاً هكذا، حتّى يحلّ السلام والأمل والحبّ في قلوب البشر، ولكيّ يصِلوا إلى تكوين علاقة مع أبيهم في السماء وعلى الأرض.
لا تظنّوا أنّني ذلك الشيخ الرهيب الذي يُمثّله الناس في رسوماتهم وكُتُبهم! كلّا ثمّ كلّا. فأنا لستُ أصغر ولا أكبر من ابني أو من روحي القدّوس. لِذلك أودّ أن يُناديني الجميع، من الطفل إلى الشيخ، بالإسم المألوف للآب والصديق، لأنّي دائماً معكم، أجعل ذاتي مثلكم، لأجعلكم مثلي. كم سأكون سعيداً عندما أرى الآباء والأُمّهات يُعلِّمون أطفالهم أن يدعوني دائماً «أبا» كما أنا هو بالحقيقة! كم أودّ أن أرى حبّاً بنويّاً تِجاهي يُسكب في هذه النفوس الشابّة! أنا الذي صنعتُ كلّ شيء لأجلِكم، ألّا تصنعون ذلك لأجلي؟
أشتاق إلى أن أجعل سُكناي في كلّ أُسرة كما هو الحال في مُلكي، حتّى يستطيع الجميع بكلّ ثقة القول «إنّ لنا أباً كليّ الصلاح، فائق الغِنى وكثير الرحمة. يهتمّ بِنا وقريب منّا يحفظنا ويعضدنا، يَهَبُنا كلّ شيء نحتاج إليه، إذا طلبناه منه. كلّ غِناه هو لنا، كلّ ما يلزمنا نحصل عليه. إنّي هنا بالذات كي تطلبوا منّي كلّ ما تحتاجونه: «اطلبوا تَجِدوا». في صلاحي الأبويّ سأهبكم كلّ شيء، على أن يَعتَبِرَني الجميع أباً حقيقيّاً، حيّاً وسط ذويه، كما أنا حقاً كذلك.

أودّ أيضاً من كلّ عائلة أن تعرض للجميع الصورة التي سأصِفها «لإبنتي». أودّ أن تضع كلّ عائلة ذاتَها تحت حِمايَتي الخاصّة جِدّاً، حتّى تستطيع إكرامي بِصورة أسهل. هناك كلّ يوم، ستشركني العائلة بإحتياجاتِها وأعمالِها وأتعابِها وآلامِها ورغباتِها، وفي أفراحِها أيضاً لأنّ الآب يجب أن يعرف كلّ ما يتعلّق بأبنائه. أنا أعلم ذلك بالتأكيد، لأنّي هنالك، لكنّي أُحب البساطة. أعرف أن أُطوّع ذاتي وفقاً لِحالَتِكُم. أصير صغيراً مع الصِغار، راشِداً مع الراشدين، وشيخاً مع الشيوخ حتّى يفهم الجميع ما أُريد أن أقوله لهم لأجل قداستهم ولأجل تمجيدي.

البرهان على قولي هذا، ألم يُعطَ لَكُم في ابني الذي جعل نفسه صغيراً وضعيفاً مِثلَكم؟ ألم يُعطَ لَكم الآن، لِكونِكم تَرونني الآن أُكلِّمكم؟ ولِكي تستطيعوا أن تَفهَموا ما أُريد أن أقولَهُ لَكم، ألم أختار مَخلوقة ضعيفة مِثلَكم لأُكلّمكم؟ والآن ألم أجعل نفسي مِثلَكم؟
أُنظروا، لقد وضعت تاجي عندَ قدمي، والعالم فوق قلبي (أنظر صورة الغِلاف). لقد تركت مَجدي في السماء، وأتيتُ إلى هُنا صائِراً كُلّاً لأجل الكلّ، فقيراً مع الفُقراء، وغنيّاً مع الأغنِياء. أُريد ان أصون الشباب كأب حنون. في العالم شرّ كثير! هذهِ النُفوس البائسة غير الواعِية تستسلم للغواية والرذيلة التي تَقودُها رويداً رويداً إلى الهلاك التامّ. فأنتم الذين تحتاجون خاصّة إلى من يَصونَكم في الحياة، حتّى تستطيعوا أن تتجنّبوا الشرّ، تعالَوا إليّ، أنا هو الآب الذي يُحبّكم أكثر ممّا يُحبّكم أي مخلوق. أنا ملجأكم، تعالوا إليّ، أفضوا لي بِدخيلة نفوسكم، وأفكاركم وأشواقكم. سأُحبّكم بِحنان، وأهبكم النعمة للحاضر، وأُبارك لكم المستقبل. ثقوا بأنّي لن أنساكم، بعد خمسة أو عشرة أو خمسة وعشرين أو ثلاثين عاماً من خلقي إيّاكم. تعالوا! أرى أنّ لكم إحتياجاً عظيماً لآب حنون وكامل الصلاح مثلي تماماً.
ودون أن أطيل الحديث عن أشياء أُخرى قد يكون مُناسباً الإفصاح عنها هنا، لكن يُمكِنني أن أقولها لكم في وقت آخر. أُريد الآن أن أُخاطب بصفة خاصّة جِدّاً نفوس الذين اخترتُهم كهنة ورُهباناً: إلَيكم يا أبناء حبّي الأعزّاء. إنّي بنيت عليكم آمالاً عظيمة.

إلى الحبر الأعظم (البابا بيوس الحادي عشر)

أتوجّه إليك أنت يا ابني الحبيب، لأضع بين يديك هذا العمل الذي يجب أن تكون لهُ الأولويّة، والذي نظراً لِذلك الخوف الذي زرعَهُ الشيطان في قلب الإنسان، سيتمّ فقط في هذا الزمان.
آه، أودّ أن تدرك أهميّة هذا العمل، حجمه واتّساعه، عمقه وسموّه. أودّ أن تتفهّم رغباتي الفائقة تِجاه البشريّة الحاضِرة والمستقبليّة. آه لو تعلم كم أشتاق أن أكون معروفاً ومحبوباً ومُكرّماً من الناس من خِلال عِبادة خاصّة. إنّ هذا الإشتِياق موجود لديّ منذُ الأزل ومنذُ خلق الإنسان الأوّل. قد أفصحت عنه للبشر مِراراً عديدة، وخاصّة في العهد القديم، لكن الإنسان لم يفهمه قط. ويجعلني هذا الإشتِياق الآن، أنسى الماضي، على أن يتحقّق في الحاضر، لدى مَخلوقاتي في العالم أجمع.
إنّي نزلْت إلى أكثر مخلوقاتي جهلاً، لكيّ أستطيع أن أُكلِّمها وأن أُكلّم البشر بواسِطتِها، دون أن تدرك عظمة العمل الذي أودّ أن أصنعه بينهم! لا أستطيع الكلام بِلُغة علم اللاهوت، لأنّي سأفشل بالتأكيد، لأنّها سوف لا تفهمني. أُريد أن يكون الأمر هكذا حتّى أتمكّن من تحقيق عملي من خلال البساطة والبراءة، وتقع على عاتقك أنت دراسته وتنفيذه في أسرع وقت.

حتّى تتمّ معرفتي ومحبّتي وإكرامي بعبادة خاصّة لا أطلب شيئاً فوق العادة، إنّما أُريد فقط:

1. أن يُكرَّس يوم، أو يوم أحد، لإكرامي بصورة خاصّة تحت اسم «أبو البشرية جمعاء». أُريد أن يُقام احتفال لهذا العيد مع فرض خاص. ليس من العسير إيجاد النصوص المناسبة لذلك في الكتاب المقدّس. إذا اخترتم أن تقدّموا لي هذه العبادة الخاصّة يوم الأحد، فإنّي أُفضّل الأحد الأوّل من شهر أغسطس، أمّا إذا اخترتم يوماً آخر، فأُفضّل أن يكون دائماً اليوم السابع من شهر أغسطس.

2. أن يهتمّ كلّ الإكليروس بنشر هذه العبادة وأن يعملوا على أن أكون معروفاً بين البشر كما أنا وكما سأكون دائماً بينهم، أي الآب الأكثر حبّاً وحناناً من جميع الآباء.

3. أودّ أن يدخل بي الإكليروس إلى كلّ العائلات، والمستشفيات والمعامل والورش، وثكنات الجيش، والقاعات التّي يجتمع فيها وزراء الدول لإتّخاذ القرارات، وفي كلّ مكان تتواجد فيه مخلوقاتي، حتّى إذا تواجد شخص واحد هناك! لتكن العلامة المحسوسة لحضوري غير المرئيّ صورة (صورة الغلاف) تشير إلى حضوري الفعليّ هناك. هكذا يؤدّي البشر جميع أعمالهم تحت نظر أبيهم، وسأضع نصب عينيّ، الخلائق التي لم أخلقهم فقط بل تبنّيتهم، وهكذا كلّ أبنائي يكونون تحت نظر أبيهم الحنون. أنا الآن، دون أي شك، موجود في كلّ مكان، لكنّي أودّ أن أُمَثَّل بطريقة محسوسة!

4. أن يؤدّي الإكليروس والمؤمنون، خلال السّنة، بعض الفروض الروحيّة لإكرامي، دون إعاقة أعمالهم الإعتياديّة. ليذهب كهنتي، دون خوف، إلى كلّ مكان وكلّ قطر، حاملين إلى البشر شعلة حبّي الأبويّ. عندئذٍ ستُضاء النفوس وتُخلّص، ليس بين غير المؤمنين فقط، وإنّما في كلّ الشِيَع والطوائف التي لا تنتمي إلى الكنيسة الحقيقيّة. نعم، حتّى هؤلاء أيضاً، أبنائي، يشاهدون هذه الشّعلة تُضيء أمامهم، ويعرفون الحقّ ويُقبلون إليه، ويمارسون كلّ الفضائل المسيحيّة.

5. أُريد أن أُكرَّم بصفة خاصّة في المعاهد الإكليريكيّة، ودور المبتدئين في الحياة الرّهبانيّة، والمدارس والبيوت الخاصّة بالمسنّين، حتّى يعرفني جميع الناس، من الصّغير إلى الكبير، ويحبّوني كأبيهم وخالقهم ومخلّصهم.

6. لِيجتهد الكهنة في البحث في الكتاب المقدّس، عمّا قلته في أزمنة سابقة، بالنسبة للعبادة التي أبتغي تقبّلها من البشر، وظلّت حتّى الآن مجهولةً. لِيعملوا أيضاً على أن تصل رغباتي ومشيئتي إلى جميع المؤمنين والبشر، محدّدين ما سأقوله للناس عامّة وما سأوجّهه خاصّة إلى الكهنة والرهبان والراهبات، تلك النفوس التي اختَرتُها لتعظّمني. سيلزم بالتأكيد، وقت طويل لتحقيق هذه الرغبات التي حملتها إلى البشريّة والتي أعلمتك بها! لكنّي سأكون يوماً ما راضياً بصلوات وتضحيات النفوس السخيّة التي تهب ذاتها لأجل عمل حبّي هذا. أُباركك، يا ابني الحبيب، وسأعطيك مائة ضعف عمّا ستصنع لأجل مجدي.

إلى الأسقف (ألكسندر كابيو)

أُريد أن أقول كلمة إليك أيضاً، يا إبني الكسندر، حتّى تُعرف أُمنِياتي في العالم.
يجب أن تنضم مع المرشد الروحي لهذه «لتلكَ النبتة الصغيرة» (الأم أوجينيا) لإبني يسوع، مشجّعاً لِهذا العمل، أي العبادة الخاصّة التي أنتَظِرُها من البشر. إليكم يا أبنائي، أستودع هذا العمل ومُستقبَلَهُ الهام.
تكلّم، وألّح واعمل على شرح ما سأقوله حتّى أكون معروفاً ومحبوباً ومكرّماً بواسطة جميع مخلوقاتي، وبذلك تفعَلون مشيئتي وما أنتظره منكم، وتُحقِّقون رغباتي التي حفظتُها بصمت منذُ زمن طويل.
كلّ ما ستفعَلون لأجل مجدي، سأصنع ضعفه لأجل خلاصكم وقداستكم. سترون في النِهاية السماء وفقط في السماء، الجزاء العظيم الذي سأعطيكم إيّاه بشكلٍ فريد، وأعطيه لكلّ الذين سيعملون لأجل هذا الهدف. لقد خلقت الإنسان لأجلي، ومن العدل أن أكون كلّ شيء لأجل الإنسان. فلن يذوق الإنسان الأفراح الحقيقيّة بعيداً عن الآب، الآب الخالق، لأنّ قلب الإنسان لم يُصنَع إلاّ لأجلي.

إنَّ حبّي لِمخلوقاتي عظيم لدرجة أنّي لا أملك بهجة حقيقيّة سوى معهم فقط. إنَّ عظمة مَجدي في السماء لا تُحَدّ، لكن مجدي يكون أعظم عِندما أكون بين أبنائي البشر في العالم أجمع. إنَّ سمائكم يا مخلوقاتي هي في الجنّة بصحبة الذين اخترتهم، لأنّه هنالك بإمكانكم أن تتأمّلوني في رؤية خالِدة وتتمتّعون بِمجدٍ أبديّ.
إنّ سمائي على الأرض، معكم جميعاً، أيّها البشر! نعم، فعلى الأرض وفي نفوسكم أبتغي سعادتي وفرحي. أنتم تستطيعون إعطائي هذا الفرح، وهذا واجب يشتاق إليه ويترقّبه أبوكم وخالِقكم.
إنّ فرحي بِوجودي بينَكم لا يقلّ عن ذاك الفرح الذي كنتُ أشعر به عِندما كنت مع ابني يسوع خِلال حياتِهِ على الأرض، أنا الذي أرسَلْتَهُ. حُبِل به بِواسِطة روحي القدّوس، الذي أنا هو: بكلمة، أنا كنتُ دائماً أنا.
إليكم، يا مخلوقاتي التي أُحبّها مثل ابني الذي هو أنا، أقول لكم كما قلتُ له: أنتم أبنائي الأحبّاء الذين بكم سُررتُ، لأجل هذا أنا أُسَرُّ برفقتكم وأشتاق إلى البقاء معكم. إنّ وجودي بينكم كالشمس في العالم. وإن كنتم على استعداد لِقبولي، سأكون أقرب ما يمكن أن يكون إليكم وفي داخلكم، أُنيركم وأُدفئكم بحبّي الأبديّ.
أمّا أنتم الذين في حالة الخطيئة، أو تجهلون الحقيقة الدينيّة، لا أستطيع الدخول فيكم، ولكنّي سأكون قريباً منكم، لأنّي لن أكفّ أبداً عن توجيه النِداء إليكم، ودعوتكم إلى الشوق، وقبول الخيرات التي أحمِلُها إليكم حتّى تُبصِروا النور وتُشفَوا من خطاياكم.

أنظر إليكم بِشفقة أحياناً، بِسبب الحالة التعيسة التي توجدون فيها. وأنظر إليكم أحياناً أُخرى بحب وحنان، لأُهيّئكم للإنجذاب إلى جمال النعمة. أقضي الأيّام والسنين في أغلب الأحيان، بالقرب من بعض النفوس، حتّى أضمن لها السعادة الأبديّة. وتجهل تلك النفوس إنّني هناك في إنتِظارِها، ولكنّي أدعوها في كلّ لحظات النهار. ورغم ذلك، فأنا لا أتعب أبداً وأشعر بِسعادة بِجوارِكم، راجِيّاً أن ترجعوا دائماً إلى أبيكم، وأن تصنعوا لي صنيع حبّ قبلَ مماتكم.
هاكم، على سبيل المثال، إحدى النفوس في حالة موت مفاجئ:
كانت هذه النفس دائماً بالنسبة لي كالإبن الضال2. كنت أغمره بالخيرات، وكان يبذّر كلّ هذه الخيرات المجانّية من أبيه الحنون، وكان علاوة على ذلك يوجّه الإهانة الشديدة إليّ. كنت أنتظره وأتبَعه في كلّ مكان، وأهبه نِعَماً جديدة مثل الصحة والخيرات التي كنت أجعلها تكثر من خِلال أعماله، حتّى أنه كان يمتلك ما يزيد عن حاجته. وكانت عِنايتي توفّر له أيضاً خيرات جديدة في أغلب الأحيان، فكان ذات خير وفير. ولكنّه لم يكن ينظر إلّا إلى وميض رذائله الشاحبة الحزينة. وكانت حياته كله نسيجاً من المذلّة بسبب الخطيئة المميتة المعتادة. لكنّ حبّي لم يكلَّ أبداً، وكنت أتبعه وأُحبّه، وبالرغم من رفضه لي، كنت أسعد بالحياة في صبر بِجِوارِه، آملاً أن يسمع يوماً صوتَ حبّي، وأن يرجع إليّ، أنا أبيه ومخلّصه.
واقترب أخيراً يومه الأخير: جعلته يمرض حتّى يتوب ويعود إليّ أنا أبيه. ومضى الوقت، وها هوذا ابني المسكين، ذو الأربعة والسبعين عاماً، في ساعته الأخيرة. ما زلتُ هناك، كما كنتُ دائماً: أُكلِّمه بعطف أكثر مّما سبق. ألّح وأدعو مختاريّ للصلاة من أجله، حتّى يلتمس الغفران الذي أهبه أنا له… عندئذٍ قبلَ أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، فتح عينيه، واعترف بزلّاته وبإنحرافه عن الطريق الذي كانَ يقوده إليّ. رجع إلى ذاته، ثمّ قال لي بصوتٍ خافتٍ جدّاً، لم يسمعهُ حتّى الذين كانوا من حوله: «إلهي، الآن أرى كم كان حبّك لي عظيماً، وكم أهنتُكَ دائماً بحياتي الشريرة. لم أفكّر فيك قط، يا أبي ومخلّصي. الآن، أنت ترى كلّ شيء، ولهذا الشرّ الذي تراه فيّ والذي أنا أعترف به في خجل، ألتمس منك الصفح والغفران وأحبّك، يا أبي ومخلّصي»!
لقد مات في اللحظة عينها وها هوذا أمامي. سأُحاسبه بحبٍ أبَويّ. دعاني أباً، وها هوذا قد خَلُصَ. وسَيَنعم بالسعادة الأبديّة. أمّا أنا، بعدَ أن سررت خِلال حياته آملاً خلاصه وتوبته، أفرح الآن أكثر مع موكبي السماوي بتحقيق رغبتي لِكَوني قد صرت أباه للأبد.

أمّا بالنسبة للنفوس التي تحيا في البرّ وحالة النعمة، فإنّي أشعر بالسعادة لإستقراري فيهم. أهبَهم ذاتي وأجعلهم يستَعينون بِقُدرَتي. يَجِدون لديّ مُسبقاً، الحبّ وفردوس النعيم. إنّي أبوهم ومخلّصهم.

(بهذا ينتهي الكرّاس الأوّل من الرسالة)

المقدمة الكرّاس الأول الكرّاس الثاني

مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.