رموز السمك في المسيحية
مقدمة:
يوجد كثير من الرموز في الحياه المسيحيه منها السمكة وارتباطها بالمسيحية . السمك من المخلوقات التي خلقها الله وسلط عليها الإنسان، كما سلطه علي الحيوانات وكل ما يدب علي الأرض (تك 1: 26).
ويكثر السمك في فلسطين، ولا سيما في بحر الجليل (بحيرة طبريا)، وقد ذكر الكتاب المقدس ان سليمان الحكيم كانت له معرفة بأسماك فلسطين ( 1 مل 4 :33 )، كما ذكر أن العبرانيين اشتاقوا الي سمك النيل وهم في طريقهم إلي أرض كنعان إذ قالوا: “قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانا”.
ومن المعروف ان صيد السمك كان الحرفة الأساسية لمعظم سكان فلسطين، اما الصيادون فكانوا يأتون بالسمك ليبيعوه في أورشليم، وكان هناك باب يدخلون منه يسمي باب السمك (2 أخ 33 :14)، ومن الملاحظ ان بيت صيدا تعني بيت الصيد لأن أهلها اشتعلوا بصيد السمك.
السمك في حياة المسيح:
كان للسمك مكانة خاصة عند السيد المسيح، فقد ذكر عنه أنه أكل سمكا بعد قيامته (لو 24 : 42 ،43) وقد كان علي الأقل أربعة من تلاميذ السيد المسيح يشتغلون بصيد السمك، فالمسيح اختار بعضا من تلاميذ من أرباب هذه الحرفة، ليجعلهم صيادي الناس بدلا من صيادي سمك “هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس”.
كما بارك في الخمس خبزات والسمكتين “فأمر الجموع ان يتكئوا علي العشب، ثم أخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وبارك وكسر وأعطي الأرغفة للتلاميذ والتلاميذ للجمع” (مت 14: 19)
وبارك مرة ثانية في السبع خبزات وقيل من صغار السمك (مت 15: 36).
وكانت اول معجزاته مع تلاميذه هي صيد السمك الكثير “فأجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا ولكن علي كلمتك ألقي الشبكة، ولما فعلوا ذلك امسكوا سمكا كثيرا فصارت شباكهم تتخرق” ( لو 5: 5، 6)
وآخر معجزاته لهم هي صيد سمكة (يو 21: 8�11).
وعندما طلبوا منه أن يدفع الجزية، سددت ضريبته سمكة “أذهب إلي البحر والقي صنارة والسمكة التي تطلع أولا خذها ومتي فتحت فاها تجد إستارا فخذه وأعطهم عني وعنك ( مت 17: 27).
السمكه كرمز للايمان:
في العصور الاولى للمسيحيه كانوا الحكام الوثنيين يتضطهدون المسيحيين فكان المسيحين يتعرفون على بعضهم برسم اشارة الصليب على الارض لكي يتعارفوا ولكن تم اكتشاف هذه الرسمه فكان السمك علامة التعارف الجديده بينهم، فالتقليد يذكر لنا: عن المسيحي في عصور الاضطهاد كان عندما يتقابل مع نظيرة المسيحي، يرسم له رأس ونصف جسم سمكة ، فيبادله الآخر برسم نصفها الثاني مع ذيلها، فيتعارف الاثنان على أنهما مسيحيان .
رموز السمكة في العهد الجديد:
وللسمك معني رمزي في المسيحية ، فمنذ الأجيال الأولي والمسيحيون يتخذون من السمك رمزا لهم في كثير من فنونهم وصناعاتهم، فقد كان الفنانون القدماء ينقشونه علي حوامل الأيقونات القديمة، والقديس “إكليمنضس السكندري” أوصي بنقش السمك علي الأختام الكنسية خصوصا ختم القربان المقدس، ويوجد ضمن معروضات المتحف القبطي الان “مذبح” من الحجر الجيري قديم العهد، إذ يرجع إلي القرن الرابع الميلادي عليه شكل حمامة في الوسط وسمكة عن يمينها وأخري عن يسارها ، ومحلاة بشكل نباتي يرمز للكرمة المقدسة كما توجد صورة تمثل قطعة من الحجر الجيري عليها نقش يمثل صليبا بين أثنين من سمك الدولفن وعلي الجانبين زخارف نباتية ، فالصليب علامة الخلاص في المسيحية والدولفن رمز لخلاص الإنسان من الغرق.
نستطيع ان نقول :
إن المسيحية كما قدست الحمل كرمز للمسيح حمل الله الذي رفع خطايا العالم (يو 1: 36) والحمامة كرمز للروح القدس الذي حل علي المسيح في نهر الأردن (مت 3 : 16) هكذا أيضا قدست السمك الذي كثيرا ما يرمز إلي السيد المسيح والي المؤمنين والي الإيمان.
المعاني الروحية التي تربط بين السمك والسيد المسيح كثيرة نذكر منها الآتي: (اخثوس) � (ιχθύς) � ichthus))
أ. كلمة سمك في اليونانيه مشتقه من الحروف اليونانيه الاوليه ل “يسوع المسيح ابن الله المخلص”
(Iēso�s Christ�s Autos The�s Sōter) � (Ιησοῦ Χριστοῦ υἱὸς Θεοῦ σωτηρ) .
ب . إ ن السمك وهو ميت لا يفسد، والمسيح الذي مات لم ير فساداً، وكما أن ملوحة السمك هي التي حفظته من الفساد، هكذا أيضاً لاهوت المسيح حفظ ناسوتة المتحد به من التعفن والتحلل، أي حفظه من الفساد.
ج . السمك حيوان لكنه لا يلد كما تلد الحيوانات الأخرى، إنما يبيض كما تبيض الطيور، لهذا يجمع السمك بين طبيعتي الطيور السمائيه والحيوانات الارضية، وفي هذا إشارة للمسيح الذي كان له طبيعته واحدة من طبيعيتين إحداهما سمائية والأخرى أرضية.
د . وإذا تأملنا في طريقة ولادته، نجد أن السمك يلد دون اجتماع الذكر بالأنثى، فالأنثى تضع البيض ثم يأتي الذكر ويلقحه فيتم إخصابه، وهذا إنما يشير إلى رب المجد يسوع الذي ولد من عذراء لم تعرف رجل.
ه . إذا خرج السمك من البحر إلى اليابسة، يكون قد خرج من الحياة إلى الموت، ولماذا يموت؟ أليس لكي يكون طعاماً للإنسان! وهكذا أيضاً السيد المسيح أبن الله، خرج من حضن الآب إلى أرضنا الجافة المقفرة، لكي يموت عوضا عنا، ويعطينا جسده لنأكله، لا لنحيا حياة أرضية، وإنما لنحيا حياة أبدية (يو 16: 51) .
و . يعتبر السمك الطعام الوحيد ، الذي لا تمنع أي ديانة أكلة ميتاً ودمه فيه ، دون أن يحسب هذا نجاسة، ودون أن يتعارض مع نواهي الكتاب المقدس الذي يأمر أن يمتنع عن الدم والمخنوق (أع 15 : 29)، والمسيح وهو في جسم البشرية سمح أن نأكله لحمًا ونشربه دماً (مت 26 : 26 � 28)
ز . للسمك أسلوبان في صيده، فقد تمسكه صناره، وقد تقتنصه شبكة، وإنما يشير إلى عمل المسيح الكرازى في جذب النفوس، فكثيراً ما يجذهم عن طريق العمل الفردي (الصنارة)، أو عن طريق العمل الجماعي (الشبكة).
ح . ولا ننسي أنه عن طريق سمكه (حوت) نجا يونان النبي، ومرارة سمكة طوبيا أخرجت الشياطين من سارة، وفي هذا إشارة إلى الذين خلصوا بكرازة المسيح ونجوا من قبضة إبليس، إشارة أيضاً إلى الذين أخرج منهم الشياطين.
المعاني الروحية التي تربط بين السمك والمؤمنين نذكر منها الآتي:
أ. شبه الشعب المسيحي بالأسماك نسبة الى الوضع التى كانت فيه الارض في ايام نوح (التكوين7 : 2 – 3) ” َمحا اللهُ ُ كلَّ َقائمٍ كَانَ علَى وجه الارِض: الناس والْبهائم والدبابات وطُيور السماءِ َفانمحت من الار ِض وتبقَّى نوح والَّذين معه في الْفُْلك َفَقْط”.
فعندما كانت كل الارض في ضيقه ومحي كل الاحياء كانت الاسماك في وسط المياه ولم تتأثر. وهكذا شعب الله (المسيحيين) تدخل الارض في ضيقات ويكونون وسط الضيقه ولا يتأثرون.
ب. استخدم السيد المسيح رمز السمكه في (مت13 : 47) لشعبه إذ قال: “يشبه ملكوت السموات شبكة مطروحة في البحر وجامعة من كل نوع، والمقصود بكل نوع هنا أنواع البشر المختلفة، وفي (لو 5: 10) أكد له المسيح نفس المعنى وذلك بقوله لبطرس: “من الآن تكون تصطاد الناس”. وفي هذا المعني يقول القديس كيرلس الأورشليمى: “عن السيد المسيح يصطادنا كما بسناره لا ليقتلنا وإنما ليقمنا أحياء بعد أن نموت”.