س27 : يشير الكتاب المقدس أن المسيح قد عُمد بعد أن صعد من الماء (بالتغطيس) (مت 3 : 16)، فلماذا لا تعمد الكنيسة الكاثوليكية بالتغطيس ؟
س 27 : يشير الكتاب المقدس أن المسيح قد عُمد بعد أن صعد من الماء ( بالتغطيس ) ( مت 3 : 16 ) ، فلماذا لا تعمد الكنيسة الكاثوليكية بالتغطيس بدلاً من السكب الذي تتبعه في المعمودية ؟
نعود هنا فنكرّر أيضًا، بأنّه علينا بالتّمييز ما بين جوهر السّر وطقوس السّرّ، غير أنّ الاستشهاد السّابق الذّكر لا يعني على أيّة حال، بأن المسيح عُمِد بالتّغطيس، ما قيل هو أنه نزل إلى الماء، ثم صعد من الماء، لماذا نتخيل فقط أن النّزول إلى الماء والصّعود منه هو عماد بالتّغطيس، ألا يمكننا أن نفسره بطريقة أخرى؟ ولكن المهم كما نوّهنا سابقًا، هو صيغة السّر ومادة، وهنا التّعميد باسم الثّالوث هو الصّيغة الإيمانيّة والمُحققّة للسرّ:” أعمدك (يا فلان) باسم الثالوث القدوس، الله الآب والابن والرّوح القدس”، أمّا مادة السّر فهي الماء. غير أن هناك معمودية الدّم، وأخرى معمودية الشّوق أو الاشتياق. وهي حالات تنتفي فيها مادة السّر ّالرّئيسيّة.
نستند هنا ونقتبس نصيًّا من المطران سليم بسترس، حيث كتب في الأسرار:” إنّ العماد بالتغطيس هو تقليد قديم في الكنيسة. ففي القرون الأولى كان العماد يجري قرب الأنهر. والمعتمدون ينزلون إلى النهر ويعمّدون فيه. ولكن هذه الطريقة لم تكن إلزامية، حتى في القرون الأولى. ففي كتاب “الذيذاخية” أي “تعليم الرسل الاثني عشر”، الذي كُتب في أنطاكية في النصف الأوّل من القرن الثاني، نقرأ التوصية التالية:” إمنحوا سرّ العماد وفقاً للتعاليم التالية: بعد الإرشادات السابقة، عمّدوا باسم الآب والابن والروح القدس. وإن لم يكن هناك ماء جارٍ، فليُعمَّد بخلافه، وإن لم يكن هناك ماء بارد، فليُعمَّد بالماء الساخن.
وإن لم يكن ماء كافٍ من هذا وذاك، فاسكب على الرأس قليلاً من الماء ثلاث مرّات باسم الآب والابن والروح القدس”.
إنّ سرّ العماد يمنح اليوم في “جرن” خاص بالمعمودية يوضع على مدخل الكنيسة. أمّا في القرون الأولى فبسبب كثرة معمودية البالغين كانت تُقام إلى جانب كل كنيسة “بِرْكة” صغيرة ينزل إليها المعتمد بدرج ثمّ يصعد منها بدرج آخر من الجهة المقابلة، كما نرى ذلك في كنيسة مار سمعان العمودي بالقرب من حلب. في هذا الموضوع يقول القديس كيرلّس الأورشليمي: “واقتُدْتم بعد ذلك إلى البركة المقدّسة للعماد الإلهي، كما حُمل المسيح من الصليب حتى القبر الذي كان قريباً (يو 19: 42)، وهو أمامكم. وسُئِل كل منكم هل يؤمن باسم الآب والابن والروح القدس، فأدليتم بهذا الاعتراف الخلاصي. ثم غطّستم في الماء ثلاث مرّات وخرجتم منه، ممثّلين بذلك دفن المسيح الذي استغرق ثلاثة أيّام”. (راجع اللاهوت المسيحيّ والإنسان المعاصر، الأسرار)
إنّ المعمودية بالماء هي التعبير الاعتيادي عن الإيمان بالمسيح “وبالسلطان الذي أعطي له”. ولكنّها ليست التعبير الوحيد. فقد تكلّم الآباء منذ القرون الأولى عن نوعين آخرين من المعمودية، هما معمودية الدم ومعمودية الشوق. هذا ما يؤكده نفس الكاتب السابق الذّكر، ويستكمل الآتي:
- معمودية الدّم
لقد دعا السيّد المسيح موته “معمودية” بقوله: “إنّ لي معمودية أعتمد بها، وما أشدّ تضايقي حتى تتمّ” (لو 12: 50). لذلك كل من يؤمن بالمسيح ويموت شهيد إيمانه هذا، وإن لم يكن قد اعتمد قبلاً بمعمودية الماء، يُعدّ استشهاده “معمودية دم”. وهذه المعمودية يعتبرها الآباء أعظم من معمودية الماء، لأنّها إعلان الإيمان بالمسيح، ليس فقط بالكلام والقصد، بل بالعمل، ولأنّها اتحاد بموت المسيح وقيامته ليس فقط بالرمز والصورة بل بتقدمة الحياة وعطاء الذات الكامل.
ثم إنّ الشهيد لا يتألّم ويموت فقط في سبيل المسيح، بل كعضو في جسد المسيح. فهو بآلامه وموته يكمّل حضور آلام المسيح وذبيحته الفدائية. ويحقق في ذاته سرّ الخلاص الذي تعبّر عنه المعمودية بالماء.
- معمودية الشوق
تدعى “معمودية الشوق” حالةُ التوبة والمحبة التي يموت فيها إنسان كان يؤمن بالمسيح ويرغب في تقبّل المعمودية، ومات قبل أن يتاح له تحقيق رغبته.
لقد أجمع الآباء على اعتبار هذه الحالة كافية للخلاص، لأنّها تتضمّن الإيمان بالمسيح والرغبة في الاتحاد به والاشتراك في موته وقيامته. فالقدّيس يوحنا الذهبي الفم يعتبر المحبة أعظم من الاستشهاد. وقوانين هيبوليتوس تطلب عدم تعميد عبد إذا لم يوافق سيّده على ذلك. والقدّيس أمبروسيوس، في تأبين الإمبراطور فالنتنيانوس، يشير إلى رغبته في تقبّل المعمودية ويعدّه بين المختارين. ويرى بعض الآباء مثالاً على معمودية الشوق في توبة اللص الذي قال ليسوع وهو على الصليب: “يا يسوع، اذكرني منى جئت في ملكوتك”، فأجابه السيّد المسيح: “الحق أقول لك: إنّك اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 23: 42- 43).
ما اعظم الكاثوليكية