وصرَخَ حقّ القربان المقدس
غالباً ما ننسى ان يسوع في الافخارستيا يكون اكثر انسانية من ايّاً منا !
فهو يشعر بكل شيء بحساسية تصيبنا بالدوار لو ادركناها . فهو حبّ بكلّيته ينتظر الحبّ .
وعندما نتناول القربان ، نحن نعرف ما نشعر به ، ولكن ماذا نعرف عما يشعر به يسوع في داخلنا ؟
ذات ليلة وقد أطلتُ قليلاً فترة سجودي في الكنيسة ، توجّهت نحو بيت القربان كي أغلقه وأطفئ الشموع المحيطة به .
حملت المفتاح بيدي واستعددت لأغلق باب بيت القربان حتى صباح الغد . غير انني أصِبت
بألمٍ في قلبي . عدد كبير جداً من المسيحيين يحلم بالتمكّن من عبادته ، ولو حتى لساعة ، وحتى في منتصف الليل ، وها انا أغلق عليه الباب !
فجأة لفتني تفصيل : سال الشمع من احدى الشموع على الحافة الخشبية من باب بيت القربان وعليّ ان أنظّفه . فرُحت ازيل اثار الشمع كلها واذا بي اندهش لسماعي صرخة . ولم تكن الصرخة قادمة من معرض القربان المقدس ، بل من الحقّ الموضوع في بيت القربان الذي يحوي عدداً كبيراً من القرابين .
لدى يسوع ما يقوله لي . فهو يسكن حقاً في كل قربانة من القرابين ، يسوع واحد ، ولكنه مضاعف .
وكأن كل قربانة تعبّر عن نفسها ، فتصف لي اللحظة الحاسمة التي تستعد لعيشها في الايام القادمة . وبدا لي ان كل قربانة تعرف الى اي نفس والى اي شخص ستؤول .
ستعيش كل قربانة مغامرة حبّ فريدة من نوعها ، فبعض القرابين ستقع في قلوب تكون لها كالسماء . واما البعض الاخر فسيكون الأمر كأنها نزلت الى الجحيم !
الصرخة التي تتردّد في قلبي هي في الواقع صرخة ألم وقلق !
إن عدداً كبيراً من القرابين في حالة عذاب ، فهي تعرف انها ستُستقبل في بيوت كريهة تسودها الخطايا التي تؤدي الى الموت .
فبقيت مسمّرة في مكاني ، مصدومة …
هذه القرابين تكره ان تتناولها أحد ، يسوع يصرخ طالباً النجدة !
انها صرخة صامتة ، كصرخة الطفل – الجنين الذي يشعر باقتراب قتله فيتمسّك فطرياً بأحشاء أمّه ، لدى اقتراب الآلة التي ستستخرجه منها بعنف .
انها صرخة صامتة نابعة من البريء الذي لا حول لجسمه الصغير إذا كانت التي تحمله لا تحبّه .
انها صرخة الله الصامتة ، الله الذي اراد ان يودع جسده الصغير ، الجامد ، الأخف وزناً من حبة القمح ، بين يدي البشر ، متحمّلاً المخاطر والشرور .
وتعرف كل قربانة ايضاً اليوم والساعة اللذين ستدخل فيهما القلب الذي سيتناولها .
وانا مفتونة بإدراك يسوع : فهو يعرف كل شيء ويرى كل شيء ويتكهّن بكل شيء ، ويسلّم نفسه وكأنه حمَل !
لحسن الحظ معظم القرابين تبتهج مسبقاً لتمكنّها من الاتحاد بمن يتناولها .
في تلك الليلة ، عندما اغلقت بيت القربان ، حاولت ان التقط الرسالة التي اعطاني اياها يسوع ،وهي رسالة لم ينتهِ من تسليمي محتواها بعد ، لأنني لن افهم صرخة ندائه الا وجهاً لوجه في السماء !
اما في الوقت الحاضر ، فيسوع يدعوني الى السجود له بالروح ليس على هياكل الدنيا يأسرها وحسب ، بل في قلوب جميع الذين يتناولونه ، الأخيار منهم والأشرار ،
حتى يتلقّى ، حيثما يتعذّب مجدّداً من قتله ، زيارة حُبّ صغيرة علامة اهتمام متواضعة تواسيه …
ربي اني ورقة بيضاء اكتب عليها كل ما تشاء …وطيرني حيثما تشاء