44- وفاة القديس يوسف | قصيدة الإنسان – الإله

3٬006
كتاب قصيدة الإنسان – الإله
ماريا فالتورتا | الإنجيل كما كُشف لي

الجزء الأول
{الحياة الخفية}

44- وفاة القدّيس يوسف

05 / 02 / 1944

بينما أنا أُصحّح الكُرَّاسة، وبالتحديد هذه الإملاءات حول الديانات الخاطئة في الزمن الحاضر، تَلِج الرؤيا بإلحاح في أعماقي، فأكتُبها أثناء رؤيتها.

أرى داخل مَشغَل نَجّار. يبدو لي أن جِدارين منه هما حافّتي صخرة، كما لو أن مغارة طبيعية قد استُغِلَّت في بناء غرف المنزل.

إنّهما بالضبط الجانبان الشماليّ والغربيّ اللذان نراهما هكذا، بينما الجانبان الآخران، الجنوبيّ والشرقيّ، مَطليّان بالجصّ مثل جدراننا.

في الجدار الشماليّ تُوجَد حُفرة في الصخر استُخدِمَت كموقد بدائيّ، حيث يوجد قِدر فيه طلاء أو غراء. لستُ أدري جيّداً. أمّا الخشب الذي احتَرَق في هذا المكان على مدى سنوات، فقد سَوَّدَ الجانب الذي أصبَحَ يبدو مطليّاً بالقطران. إلى جانبها ثقب تمّ فوقه بناء نوع مِن الآجرّ المستدير في مُحاوَلة ليقوم مقام المدخنة فيَشفط دخان الخشب. ولكنّ الظاهر أنّه فشل في تحقيق وظيفته، ذلك أنّ الجوانب الأخرى قد اسوَدَّت مِن الدخان، وحتّى هذه اللحظة توجد غيمة مِن الدخان تنتشر في الغرفة.

يسوع يعمل على طاولة نجارة. إنّه يَسحَج ألواحاً خشبيّة، يَسندها خلفه على الجدار. ثمّ يأخذ كرسيّاً محصوراً بين فكّي ملزمة، يُحرّره، يَنظُر إلى العمل إن كان مُحكَماً، يختبره بالكوس المثلّث في كلّ الاتجاهات. ثمّ يَذهَب إلى الموقد يَغمس في القِدر عصاً صغيرة أو فرشاة لستُ أدري. فأنا لا أرى سوى القطعة الظاهرة مِن القِدر، وهي عبارة عن عصا صغيرة.

ثوب يسوع بنّي داكن. جلبابه قصير وأكمامه مرفوعة، بل مَثنيّة إلى أعلى مِن المرفق. ومِن الأمام يضع مِئزراً يفرك به أصابعه عندما تلمس القِدر ليمسحها. إنّه وحيد ويعمل بنشاط، إنّما بهدوء. فلا حركة بغير ترتيب، ولا خروج عن الصبر. إنّه دقيق ودَؤوب في عمله. لا شيء يجعل أعصابه تتوتّر: لا عُقدَة في الخشب لم تُسحَج، ولا البرغي (يبدو لي) يقع مرتين مِن الطاولة، ولا الدخان الذي يضايق عينيه.

يَرفَع رأسه بين الحين والحين ليَنظُر صوب الجنوب حيث يوجد باب مغلق، كما ليُنصِت. وفي لحظة يتقَدَّم ويَفتَح باباً في الجانب الشرقيّ يُفضي إلى الشارع. أرى زاوية زقاق ترابيّة. تَحسبه ينتظر أحداً. ثمّ يعود إلى العمل. هو ليس حزيناً ولكنّه جادّ. يُغلِق المدخل ويعود إلى العمل.

وبينما هو مُنهَمِك في صنع ما يبدو لي أنّه قِطَع دائرة عجلة (إطار)، تَدخُل والدته مِن باب في الجدار الجنوبي. تَدخُل مسرعة، راكضة صوب يسوع. إنّها ترتدي ثوباً لازورديّاً داكناً، ولا شيء يغطّي رأسها. جلبابها بسيط ومحصور عند الخصر بحبل مِن اللون ذاته. تنادي بلهفة ابنها، وتضع يديها على ذراعه بحركة تُوحي بالتوسُّل الممزوج بالألم. يُلاطِفها يسوع بوضع ذراعه على كتفها ويُشجّعها، ثمّ يمضي معها تاركاً العمل، نازعاً الـمِئزَر.

أظنّكم تريدون أيضاً معرفة ما دار بينهما مِن كلام. إنّه قليل جدّاً مِن جانب مريم: «آه! يسوع! تعال، تعال. إنّه على غير ما يرام!» تقول ذلك بينما شفتاها تَرتَعِشان ودموعها تَلمَع في عينيها الحمراوين المتعبَتَين. أمّا يسوع فلا يقول سوى: «ماما!» ولكن هذه الكلمة تتضمّن كلّ شيء.

يَدخُلان إلى غرفة مجاورة تضحك فيها الشمس الداخلة إليها مِن خلال باب مفتوح على الحديقة الصغيرة المليئة بالاخضرار الـمُنير، حيث تطير طيور الحمام وسط الغسيل المنشور ليجفّ. الغرفة فقيرة ولكنّها مرتّبة جيّداً. وعلى سرير فيها مُنخَفِض، وُضِعَت عليه فَرشَات صغيرة (أقول فَرشَات صغيرة ذلك أنّها أشياء سميكة وناعمة، إنّما هو فليس سريراً كأسرّتنا) يتمدّد يوسف مُسنِداً رأسه على عدّة وسادات. إنّه يحتضر. نرى ذلك بوضوح على وجهه ذي الشحوب المزرورق وعينه التي تخبو، وكذلك على صدره اللّاهث وجسده الذي يتلاشى بكلّيته.

تقف مريم إلى يساره، وتُمسِك يده مُتَصَلِّبة الجلد الـمُزرَورقة حتّى الأظافر. وأخَذَت تفركها، تُلاطِفها، وتقبّلها، وتمسح بقطعة قماش العَرَق الذي يُشَكِّل خطوطاً تلمَع على الصدغين المتجعّدين، والدمعة التي تتلألأ في زاوية العين. تُرطّب شفتيه بقطعة مبلّلة بسائل يبدو لي أنّه نبيذ أبيض.

يقف يسوع إلى يمينه، وبرشاقة وانتباه يرفَع جسده الخائر على الوسادات بمساعدة مريم. يُلاطِف المحتضر على جبهته ويحاول إنعاشه.

تبكي مريم بهدوء وبدون صوت، ولكنّها تبكي. تسيل الدموع على خدّيها الشاحبين حتّى ثوبها اللازورديّ الداكن، فتبدو كأحجار سفير متلألئة.

يَنتَعِش يوسف ويتفرّس بيسوع. يعطيه يده كما ليقول له شيئاً، وليَجِد في هذا التَّماس الإلهيّ القوّة للاختبار الأخير. ينحني يسوع على تلك اليد ويقبّلها. يبتسم يوسف. ثمّ يَستدير ليَنظُر ويبحث عن مريم ويبتسم لها أيضاً. تركع مريم بجانب السرير، تُحاوِل أن تبتسم، ولكنّها تُخفِق وتَخفض رأسها. يضع يوسف يده على رأسها بملاطفة عفيفة تبدو وكأنّها بركة.

لا يُسمَع سوى طيران الحَمام وهديله، وحفيف الأوراق، وخرير المياه، وفي الغرفة تَنَفُّس المحتضر.

يَدور يسوع حول السرير، يأخذ كرسيّاً ويُجلِس مريم قائلاً لها فقط: «ماما.» ثمّ يعود إلى مكانه، ويأخذ يوسف بين يديه. كان المشهد حقيقيّاً لدرجة أنّ حزن مريم قد انتَزَعَ دموعي. ثمّ ينحني يسوع على رأس المحتضر ويُتَمتِم له بمزمور. ولكنّني، في الوقت الحاضر، لا أستطيع القول أيّ مزمور هو.

إنه يبدأ هكذا:

«”ارحمني يا رب لأنّني وضعتُ فيكَ رجائي…

مِن أجل القدّيسين الذين على الأرض حَقِّق كلّ رغباتي…

سأُبارك الربّ الذي يمدّني بنصائحه…

الربّ معي جميع أيّام حياتي. إنّه على يميني لكي لا أتزعزع…

كذلك قلبي يبتهج ولساني يتهلّل؛ وجسدي كذلك يستريح في الرجاء.

لأنّكَ لن تُهمِل نفسي في مقام الأموات ولن تسمح بأن يرى صفيّكَ الفساد.

ستدلّني على طريق الحياة وتملأني حبوراً برؤية وجهكَ”.»

يعود يوسف لينتَعِش كلّية. ويبتسم ليسوع بنظرة أكثر حيويّة ويشدّ على أصابعه. ويَردّ يسوع بابتسامة على ابتسامة يوسف، وبملاطَفة على ضغط أصابعه. ومنحنياً فوق أبيه المربي، يُكمِل بهدوء:

«”ما أَحَبّ مساكنكَ يا رب.

تشتاق وتذوب نفسي إلى ديار الربّ.

العصفور يَجِد له مأوى واليمامة عشّاً لفراخها. مَن لي بمذابحك يا ربّ.

طوبى لساكِني بيتكَ… طوبى للذين يجدون فيكَ قوَّتهم.

فإنّ في قلوبهم مراقي إليكَ، يجتازون وادي الدموع إلى المكان الذي اخترتَه.

اسمع أيّها الربّ صلاتي…انظر يا الله والتَفِت إلى وجه مسيحكَ…”»

يَجهَش يوسف ويَنظُر إلى يسوع ويُحرّك شفتيه كما ليباركه، ولكنّه لا يستطيع. مِن الـمُلاحَظ أنّه يُدرِك ولكنّه لا يستطيع الكلام، ولكنّه مع ذلك سعيد مِن خلال نظرته المليئة بالحياة والثقة بيسوعه.

ويُتابِع يسوع:

«”آه! رضيتَ يا ربّ عن أرضكَ، ورددتَ سبي يعقوب…

أَرِنا يا ربّ رحمتكَ وَهَب لنا خلاصكَ.

أريد أن أسمَع ما يتكلّم به الربّ الإله في داخلي. بالتأكيد إنّه يتكلّم بالسلام لشعبه ولأصفيائه والذين يَميلون بقلوبهم إليه.

نعم. خلاصكَ قريب… ومجدكَ يَسكن الأرض… الرحمة والحقّ تَلاقَيا والعدل والسلام تَلاثَما. الحقّ مِن الأرض نَبَتَ والعدل تَطَلَّع مِن السماء.

نعم. الربّ يمنح الخير وأرضنا تعطي ثمارها. العدل يَسلك أمامه ويضع في الطريق خطواته.”»

«لقد رأيتَ هذه الساعة أيّها الأب وقد تَعِبتَ مِن أجلها. لقد آزَرْتَ في قدوم هذه الساعة، والربّ سيكافئكَ. أقول لكَ ذلك.» يُضيف يسوع ذلك وهو يمسح دمعة فرح تنسكب ببطء على خدّ يوسف.

ثمّ يُتابِع:

«”أيّها الربّ اذكر داود وكلّ عنائه.

كيف أَقسَمَ للربّ، لن أَدخُل خَباء بيتي، لن أعلو إلى سرير مضجعي، لن أعطي لعيني وَسَناً ولا أجفاني نوماً ولا لروحي استرخاء إلّا أن أَجِد للربّ مَقامَاً، مَسكَناً لإله يعقوب.

قُم أيّها الربّ إلى راحتكَ، أنتَ وتابوت عهدكَ المقدّس.

(تُدرِك مريم وتذوب في الدموع)

لِيَلبس كَهَنَتكَ البرّ وليُرنِّم أصفياؤكَ.

مِن أجل داود عبدكَ لا تحجب عنّا وجه مسيحكَ.

أقسَمَ الربّ لداود ولن يخلف لأُجلسنّ مِن ثمرة بطنكَ على عرشكَ.

الربّ اختاره لإقامته.

هناك أُنبِت لداود قُدرة، أُهيّئ لمسيحي سراجاً مُشتَعِلاً.”»

«شكراً لكَ يا أَبَتِ باسمي وباسم والدتي. لقد كنتَ لي أباً بارّاً وقد خَصَّكَ الربّ برعاية مسيحه وتابوت عهده المقدّس. لقد كنتَ المنارة المشتعلة لـه ولثمرة أحشاء مقدّسة، كان لكَ قلب محبّة. اذهب بسلام يا أبي، لن تكون أرملتكَ دون عون، لقد رَتَّبَ الربّ كلّ شيء لكي لا تبقى وحيدة. أقول لكَ اذهب بسلام إلى مقرّ راحتكَ.»

مريم تبكي مُنكَبَّة على الأغطية (كأنّها معاطف) الممدودة على جسد يوسف الذي عاد يبرد. ويسوع يُسارِع في أداء الخدمات الأخيرة، إذ إنّ تنفّسه بدأ يضعف، وغشاوة ظَهَرَت على عينيه.

«”طوبى للرجل الذي يخشى الربّ ويضع سروره كلّه في طاعته…

عدله يدوم إلى جيل فجيل. وسط المستقيمين يقف في الظلمات، وهو الرحيم والخَيِّر والعادل…

ذِكر الصدّيق إلى الأبد… عدله أزليّ. قُدرته ترتفع إلى المجد…”»

«ستَنال هذا المجد يا أبي. سآتي قريباً لأصحبكَ وذوي الوقار الذين سبقوكَ إلى المجد الذي ينتظركَ. فليبتهج روحكَ بكلامي.»

«”مَن يسترح بحضور الربّ تعالى يَعش تحت حماية إله السماء”.»

«هذا هو مقرّكَ يا أبي.»

«”لقد حَرَّرَني مِن شِراك الصيادين ومِن كلّام السوء.

بريشه يظلّلكَ وتحت أجنحته تَعتَصم.

يكون لكَ حقّه ملجأً، فلا تخشى مِن هَول الليل…

لا يصيبكَ سوء… لأنّه يوصي ملائكته بكَ ليحفظوكَ في جميع طرقكَ.

على أيديهم يحملونكَ لئلا تصطدم بحجر رجلكَ.

تطأ الصلّ والأفعى، وتدوس الشبل والتنّين.

لأنّ رجاءكَ في الربّ يخبركَ بأنّه سيحرّركَ ويحميكَ.”»

«ولأنّكَ رفعتَ إليه صوتكَ سيستجيب لكَ ويكون معكَ في المحنة الأخيرة. سيمجّدكَ بعد هذه الحياة بأن يُريكَ منذ هذه الحياة مجده. وسيُدخلكَ في الحياة الأخرى بالمجد الذي منذ الآن يعزّيكَ. وأُكرّر لكَ بأنه هو الذي سيأتي سريعاً ليحتضنكَ في عِناق إلهيّ ويأخذكَ معه على رأس كلّ الأبرار إلى حيث هي مُعَدَّة إقامة صِدِّيقي الله الأب المبارك بالنسبة لي.

اسبقني لتقول للأبرار إنّ المجد قد حلّ في الأرض، وإنّ ملكوت السماوات سيُفتَح لهم قريباً. اذهب يا أبي ولترافقكَ بركتي.»

يَرفَع يسوع صوته ليَصِل إلى روح يوسف الذي غاص في ضباب الموت. النهاية وشيكة. لم يعد العجوز يتنفّس إلا بصعوبة. تُلاطِفه مريم. يَجلس يسوع على حافّة السرير ويحيط بذراعيه المحتضر الذي يَخور وينطفئ بهدوء، ويَجذبه إليه.

المشهد مليء بسلام وَقور. يُمَدِّد يسوع العجوز ويُعانِق مريم التي تدنو في تلك اللحظة الأخيرة مِن يسوع، والقلق يُمزّقها.


يقول يسوع:

«كلّ النساء اللواتي يُصبن بألم مبرح أُعَلِّمهن أن يَقتَدِين بمريم باتّحادها بيسوع في تَرَمُّلها.

يُخطئ كلّ مَن يُفكّر بأنّ مريم لم تتألّم بأحزان قلبها. والدتي قد تألَّمَت، اعلَموا ذلك، بقداسة، لأنّ كلّ ما فيها كان مقدّساً، إنّما بعمق.

وكذلك يُخطِئ مَن يعتقد أنّ حبّ مريم لعروسها كان بالأحرى فاتراً، لأنّ وحدة الروح هي التي كانت تربطهما. فإنّ مريم كانت تحب يوسف بشدّة. لقد كَرَّسَت له ثلاثين عاماً مِن حياة الوفاء. فكان يوسف بالنسبة إليها: أباً وعروساً وأخاً وصديقاً ونصيراً.

الآن تَشعُر بأنّها وحيدة، كالغصن الغضّ المقطوع مِن جذع الكرمة الذي به ترتبط حياته. فكان بيتها كالذي ضَرَبَته الصاعقة. إنّه الآن يَتشتَّت. قبل ذلك كان الاتّحاد، حيث كلّ فرد مِن العائلة يَستَنِد على الآخرين. أمّا الآن فها هو الجدار الرئيسيّ يَهوي، أولى الضربات التي لَحِقَت بهذه العائلة، نبأ الانفصال القريب جدّاً عن المحبوب يسوع. فإرادة الأزليّ التي أرادتها عروسة وأُمَّاً تَفرض عليها الآن الترمّل والابتعاد عن ابنها. ومريم، وسط دموعها، تَنطق إحدى مقولاتها الرائعة: “نعم”. “نعم يا رب، ليكن لي بحسب قولكَ”.

وفي تلك الساعة التَصَقَت بي لتنال القوّة. كانت دائماً تلتصق بالله في الساعات الأكثر خطورة في حياتها: في الهيكل عندما دُعِيَت للزواج، في الناصرة عندما دُعِيَت للأُمومة، وفي الناصرة أيضاً وسط دموع تَرَمُّلها، وكذلك في الناصرة وسط عذاب الانفصال عن ابنها، وعلى الجلجلة في ألم مَشهَد موتي المبرّح.

تَعلَّموا هذه الأمثولة، أنتم يا مَن تبكون، أنتم يا مَن تموتون، أنتم يا مَن تعيشون لتموتوا. اجتَهِدوا في أن تَستَحِقّوا الكلمات التي قُلتُها ليوسف، فتكون لكم السلام ساعة احتضاركم. احفظوا هذه العِبرة، أنتم يا مَن تموتون لتَستَحِقّوا يسوع قريباً منكم يواسيكم. حتّى ولو لم تَستَحِقّوا ذلك فتجاسَروا على مناداتي إلى جواركم. سوف آتي، ويداي ممتلئتان نِعَماً وتعزيات، وقلبي يفيض مغفرة وحُبّاً وعلى شفتيّ كلمات الصّفح والتشجيع.

يَفقد الموت كلّ قسوته عندما يكون بين يديَّ. ثِقوا بذلك. لا يمكنني إلغاء الموت، ولكنّني أجعله لطيفاً بالنسبة لمن يموت وهو مُستَسلِم لي.

لقد قال المسيح ذلك، لكم جميعاً، وهو على الصليب: “ربّي، بين يديكَ أَستَودِع روحي”. لقد قالها أثناء احتضاره وهو يُفَكِّر بنزاعاتكم وبأخطائكم وبهلعكم وبمخاوفكم وبرغباتكم في الغفران. لقد قالها وقلبه ممزَّق قبل أن تَختَرِقه الحربة تمزُّقاً روحيّاً أكثر منه جسديّاً، لكي تكون نزاعات الذين يموتون وهم يُفكّرون به مُلَطَّفة بالربّ، وأن ينتقل الروح مِن الموت إلى الحياة، مِن الألم إلى السعادة الأبديّة.

هي ذي عِبرة اليوم، كوني صالحة، لا تخافي، فسلامي لن يتوقّف عن التدفّق إليكِ مِن خلال أحاديثي والتأمُّل. تعالي. ضعي نفسكِ مكان يوسف الذي اتَّخَذَ صدر يسوع كوسادة ومريم كممرّضة. استريحي بيننا مِثل طفل في مهده.»


كتاب قصيدة الإنسان – الإله
ماريا فالتورتا
 →  السابق       البداية       التالي  ← 
مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.