القديسة ماري ألفونسين تُنقذ كاهن من الموت ذبحاً

22٬244

الأب نيروان البنّاءبعد صمت دام ثماني سنوات سرد الأب نيروان البنّاء، كاهن رعية بيت لحم لطائفة اللاتين، حادثة نجاته من القتل على يد ارهابيين، بعدما تم خطفه على الحدود العراقية. وقد كتب تفاصيل الحادثة وأعلنها كما قال: شهادة حياة اهديها للجميع لمناسبة اعلان قداسة الام ماري ألفونسين، مؤسسة رهبنة راهبات الوردية الاورشليمية المقدسة

حادثة من طي الكتمان الى وجه النور

حتى وان مرَّ على هذه الحادثة ثمان سنوات من الان والتي ادليتُ بها قبل سنتين في المحكمة الكنسية في القدس يوم كانت روما تدرس وتتابع بكثف موضوع تقديس الطوباوية ماري الفونسين ، وحتى وان كنتُ قد تطرَّقتُ اليها ببعض الوعظات التي اعطيتها في بعض المناسبات سواء في الاردن او فلسطين من دون ذكر تفاصيلها الكاملة ـ ارتأيت الى كتابتها اليوم كشاهد عيان وبكامل تفاصيلها لسببين : الاول لمناسبة تقديس الام ماري الفونسين كونها باعتقادي الشخصي بطلة الحادث ان صحَّ تعبيري اللُغوي ، وثانيا لان الحادث هذا تم تناقله خلال هذه الايام عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفيس بوك والمواقع الالكترونية الاخرى وبسرد ربما اراه في بعض المحطات غير دقيق عن واقعه الحقيقي ، فهناك امورا صحيحة وهناك امور بحاجة الى توضيح وتدقيق اكثر، لذا وللامانة احببت ان اسرد هذه القصة بتفصيلها لانها تعنيني كثيرا .. وكثيراً جدا، علما بانها كانت وحتى اليوم في طي الكتمان لم يكن يعرف بها الا النفر القليل جدا من الاشخاص ، حتى اهلي واقاربي واصدقائي ..

ربما ما منعني في وقتها من السرد كانت الظروف الامنية الصعبة التي مرَّ بها بلدي وما يزال يمر ، او ربما لعدم رغبتي بادخال الخوف او الرعب بين افراد العائلة والاهل انذاك خصوصا اننا الرهبان في سفر دائم ومستمر، فسردي اليوم للحادث ساعتبره ارادة الله التي شاءت في هذه الايام المباركة بان اخرجها الى وجه النور لكي يتمجد الرب دائماً بقديسيه، فليكن اسم الرب ممجدا ومباركاً.

بدايةً قصة معرفتي لرهبنة الوردية بأختصار بدأت يوم كنت طالبا في الفلسفة ببيت لحم سنة 2002 – 2004 وذلك من خلال حصولي على كتابين عن حياة المؤسسة والتي كانت انذاك ( مكرَّمة ) المكرمة ماري الفونسين ، واتذكر الكتاب الاول هو كتاب زنبقة مقدسية والثاني كليمة العذراء كتاب واسع بفحواه يتحدث عن تاريخ الرهبنة بكامل تفاصيلها ، حصلت عليها عن طريق الاخت ليتيسيا حداد احدى راهبات الوردية ، ومن خلال دراستي لروحانية المؤسسة تبيَّن لي بان الرهبنة تهدف بالدرجة الاساسية الى تثقيف البنات العربيات والاهتمام بهم وتعليمهم…. الخ .

ذخيرة القديسة ماري الفونسين
ذخيرة القديسة ماري الفونسين

فكان السؤال الذي تبادر الى الذهن والموجه الى الاخت ليتيسيا هو: لماذا لا تتوجهون الى العراق كرهبنة، اليس العراق بلد عربي ؟ فنصحتني بمقابلة الرئيسة العامة للرهبة يوم ذاك وهي الاخت جيزيل حرب كي اناقش معها الموضوع وفعلا تم اللقاء وابدت استعدادها للذهاب الى العراق ولكن ربما الظروف التي كنا نمر بها في العراق احال بنا الى الانتظار لرؤية مستقبل العراق.

والمهم في كل القصة يكمن من خلال زيارتي الى دير راهبات الوردية بالقدس ( ماميلا ) سنة 2004 حيث ضريح المؤسسة ماري الفونسين، كانت الاخت الديفونس رحمها الله رئيسة للدير وكانت ايضاً مستشارة في الرهبنة حيث اعطتني خلال هذه الزيارة الكثير من المعلومات والتوضيحات عن روحانية الرهبنة ورسالة الرهبنة في اماكن تواجدها اضافة الى خبرتها الشخصية.

وكم شجعتني بالمضي قُدماً لايصال رسالة وروحانية رهبنة الوردية الى العراق وفي نهاية اللقاء الذي كان ايجابياً ، ولخوفها عليَّ بسبب ما كانت تسمع من احداث اليمة وانفجارات من هنا وهناك وما الى ذلك، تفضَّلت باعطائي ذخيرة المؤسسة ماري الفونسين قبل مغادرتي الدير وقالت لي بالحرف الواحد، ساعطيك هذه الذخيرة لكي تزيد عبادة لمؤسستنا ولكي تحميك من الخطر وانت في العراق، وكان ذلك في تموز سنة 2004 (علما بان هذه الذخيرة هي احدى الذخائر التي حصلنَ عليها الراهبات يوم ُنقل جثمان المؤسسة من حديقة الدير بماميلا الى داخل الكنيسة سنة 1986). وهذه الذخيرة ما تزال ترافقني في كل رحلاتي اينما كانت سواء داخل البلد او خارجه حتى اليوم، حيث لها محل خاص في ثوبي الرهباني.

قصة الحادثة:

كانت الحادثة في يوم 14 تموز 2007 وانا بطريقي من عمان الى العراق، كان سفرنا طريقا برياً ، ولكون الطريق ما بين الاردن والعراق كان يوم ذاك خطيرا جدا في الفترة الممتدة ما بين سنة 2004 – 2008 ( حرب اهلية طالت البلاد وحصدت بموجبه الكثير من الابرياء ) ، اصبح السفر الى العراق ( من الاردن مروراً بسوريا التي كانت امنة يوم ذاك ) ومنها الى العراق، كنت في السيارة خلال الرحلة برفقة عائلة مسلمة سنيةَ ( اب وام وطفلة صغيرة ) اضافة الى شاب مسلم شيعي .

وبعد العبور الى الاراضي العراقية وقفنا خلال السفر باحدى السيطرات العراقية (حاجز التفتيش ) وهناك تم استجوابنا من خلال احد الاشخاص الامنيين ( عسكر ) الذي طلب الجوازات من الجميع مع طرح بعض الاسئلة علينا وكانت الساعة تقريباً 12.15 ظهرا ، وبعد الاستجواب والاسئلة الروتينية طلب منا النزول من السيارة والذهاب معه الى مكاتب على حد قولهِ تبعد مسافة 20 دقيقة عن الشارع الرئيسي مشياً ، لامور امنية مثلما اخبرنا ..

وفعلا أرتأينا الى طلبه واتجهنا معه الى المكاتب التي تظهر من بعيد وكأنها غرف مهجورة ومتروكة .. سرنا مسافة 20 دقيقة ووصلنا الى المحل وفعلا كانت غرفتين مهجورتين ، لنتفاجأ بخروج شخصين ملثمين منها وبلحية طويلة بدأ احدهم باستجوابنا واحدا بعد الاخر ومن خلال لهجته تبين لي من انه عراقي .. وبعد انتهاء فترة الاستجواب ذهب الملثم الثاني الى الشاب المسلم ( الشيعي ) وربط يديه من الخلف امام الجميع وقبل ان يذبحه قراء على راسه شيء من القران لا اتذكر !! ثم قطع راسه ووضعه على تصالب يديه المربوطتين ( فعلا مشهد لا يمكن وصفه .. ) .

بعدها توجه لي وقال لي :”ابونا هل ترغب بقول شيء قبل الموت؟” قلت له: “لا، فقط ارغب بصلاة صغيرة اذا أذنت لي!” فسمح لي بدقيقة واحدة لان لم يكن لديه من الوقت مثلما اخبرني، (اصعب موقف امر به في حياتي كلها، خوف، رعب، اصفرار الرؤية امامي، ورنين قوي في اذاني نتيجة الخوف …. والباقي سأتركه لله) طلب مني ان اصلي وانا راكع على الارض وبيده السكين التي كان يضغط بها على عنقي، اتذكر انني صليت في وقتها (الابانا والسلام والمجد) ولكن للحقيقة لا اعرف كيف صليتها او ماذا قلت في وقتها، او ماذا تمتمت من الكلمات!!! لا اتذكر، الذي اتذكره جيدا هو بانني مسكت ذخيرة ماري الفونسين التي كانت في جيبي العلوي للثوب وقلت يا ماري الفونسين انني لا اعرفك جيداً ولكن اذا كانت هذه هي ارادة السماء بان اموت هنا فانني اقبلها لانها مشيئة الرب، وان ارادت السماء انقاذي فاشفعي لي وانقذيني … هذه الكلمات اتذكرها جيداً.

في هذه الاثناء كانت يده تضغط بالسكين على رقبتي اكثر واكثر بانتظار الفاجعة – هنا دخلت تقريبا في لحظة شبيهة بفقدان الوعي .. وما هي الا ثوان قليلة لاسمع صراخ الذابح ماسكاً بكتفي بقوة ليوقفني ويقول لي :”من انت؟ لماذا يصعب عليًّ ذبحك؟” اجبته: “انا راهب مثلما ترى وجوازي معك فيه كل شيء تريد معرفته عني” … فنظر اليَّ نظرة استحقار ثم اشار بيده باتجاه سيارتنا يطلب منا الانصراف. واعطاني وللعائلة التي معي فترة الخمس دقائق فقط للتوجه والوصول الى السيارة والمغادرة من دون كلام وكأننا لم نرى شيئا مما حدث.

وانتهى المشهد الاليم لا تسألونني عن وضعنا بعدما اقلنا السيارة واكملنا الطريق !! استطيع اختصارها بكلمة صدمة ممزوجة بجنون وصفنة.

لتبقى هذه الاسئلة التي تراودني دون اجابة حتى اليوم: لم يكونوا هؤلاء من الدواعش (لم يكن هناك ارهاب اسمه داعش سنة 2007)، كانوا عراقيين من خلال لهجتهم بلحايا طويلة، وبلباسهم العسكري.

لماذا قصدونا نحن بالذات من بين كل المارة؟ من هم؟ ومن اية جهة كانوا؟ لاي جهة ينتمون؟ ماذا كانت اهدافهم؟ اي اله يعبدون؟ وهل هذا الاله الذي يعبدونه يسمح بهذه الوحشية التي رأيناها؟

هل شفاعة القديسة لي بهذه الحادثة كانت لغرض ان اكون واحدا من اللجنة الطبية المختارة من المحكمة الكنسية المحلية ولجنة الفاتيكان باختصاصي المايكروبايولجي – التشريح، لفتح ضريحها الكائن في كنيسة راهبات الوردية (ماميلا) يوم الجمعة 5 نيسان 2013 لتقديم التقرير الدقيق برفقة د. رعد ، ود. سابيلا ورفعه الى روما (مجلس دعاوي القديسين) ؟ لا اعرف!!!
وكم هناك من الاسئلة التي تجتاح رأسي – بحاجة الى اجابة!!! كم

حتى اليوم وكأنني في حلم جراء ما حصل!
فليتمجد الله في قديسه الى الابد
ايتها القديسة ماري الفونسين … صلي من اجلنا
ايتها القديسة مريم ليسوع المصلوب … صلي من اجلنا

الأب نيروان البنّاء

مواضيع ذات صلة
تعليقات
  1. غير معروف

    الشكر للأم الفونسين على إنقاذها لك يا أبونا، فبفضل تشفعها كتبت لك حياة جديدة.المجد ليسوع المسيح

  2. غير معروف

    الشكر ليسوع المسيح وللأم الفنسين التي أنقذتك يا أبونا من يد الشيطان

  3. SR RITA

    الشكر لله الذي ينجينا من كل اذى بفضلك ايتها القديسة الفونسين

  4. ماجده

    ليتمجد اسمك يا يسوع

  5. غير معروف

    يتمجد إسم الرب

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.