المطهر في الكتاب المقدس
لقد شغلت هذه العقيدة أذهان العديد من المسيحيين لدرجة أنها أصبحت نقطة اختلاف بينهم وللأسف نحن في الشرق نرفض بعض العقائد فقط لمجرد أنها نابعة أو أعلنها الغربيون دون أن نتقصى حقيقة إيماننا. ولذلك علينا أن نضع في الاعتبار إن هذه العقائد التي أُعلنت حديثاً ليست اختراعاً من اختراعات الكنيسة بل في الواقع هذه العقائد هي أساسات إيمانية نعيشها كل يوم في طقوسنا وعلاقاتنا بالله دون أن ندري وبمجرد إعلانها كعقيدة محددة تُقابل بالرفض.
تؤمن الكنيسة الارثوذكسية أيضاً بمدى فائدة الصلاة لأجل نفوس الراقدين. ولكن عندما تعلنها الكنيسة الجامعة في صيغة عقائدية أو في لفظة المطهر ترفضها الكنيسة الارثوذكسية.
كانت كل الانفس بعد الموت تذهب الى مكان الأنتظار يسمى الجحيم ولكن بعد موت يسوع على الصليب ونزوله الى الجحيم معلنا لهم البشارة. كثيرون امنوا به واخرون رفضوا؛ ومن هنا تأسس المطهر وجهنم
ما هو المطهر؟
هو ساعة الحقيقة التي فيها يقف الإنسان مع نفسه ليدرك عظم سمو محبة وقداسة الله وفظاعة وفساد الخطيئة التي إرتكبها. ومن ثم يتألم الإنسان لأنه عاجز على أن يتحد بالمحبة وهذا الألم المُطهر هو ما نسميه «بالمطهر». وفرح الألم يساعد الإنسان أن يقترب من الله فيصبح المطهر هو نار المحبة المطهرة التي تطهرنا لكي نصبح قادرين على الحب وبالتالي يدخل الإنسان في علاقة حب مع الله.
الأدلة والبراهين التي تثبت حقيقة وجود المطهر نعتمدها من الكتاب المقدس والتقليد المقدس.
الأدلة الكتابية على وجود المطهر
قاعدة عامة: إن مصير كل إنسان يتقرر بعد الموت مباشرة وهنا توجد ثلاث حالات:
الأولى: ملكوت السموات للرسل والشهداء والقديسين.
الثانية: نار جهنم المعدّة لإبليس وجنوده والذين تبعوه (خطايا مميته).
الثالثة: من عليهم خطايا غير مميتة وهفوات.
وهنا علينا أن نفرق بين الخطيئة المميتة والعرضية. المميتة هي بمعرفة كاملة وإرادة حرة وبفرح ومسرة وتخطيط سابق. أما غير ذلك من النسيان والشهوة وخطايا الإهمال والهفوات، فهي تسمى خطايا غير مميتة ومن عليهم مثل هذه الخطايا لهم مكان ثالث أو حالة ثالثة، يتطهرون فيها بألم نار المحبة، ألم داخلي، تبكيت يغسل الداخل، ندم حقيقي، بذلك يتطهرون ويستطيعون الدخول في ملكوت الله مع الشهداء والقديسين. ونشير أن في الأبدية لا يوجد زمن لأننا خارج الزمن، ولا يوجد مكان بالمعنى المادي لاننا سنكون خارج المكان والزمان.
1- هناك نص في العهد القديم في سفر المكابين الثاني (12: 43- 46) كان يهوذا قائد الجيش. وقد مات منهم عدد كبير لأجل الخطيئة. فماذا فعل. جمع من كل واحد تقدمة فبلغ المجموع ألفي درهم من الفضة فأرسلها إلى أورشليم ليقدم بها ذبيحة عن الخطيئة. وكان ذلك من أحسن الصنيع وأتقاه لاعتقاده قيامة الموتى لأنه لو لم يكن مترجياً قيامة الذين سقطوا لكانت صلاته من أجل الموتى باطلاً وعبثاً. ولاعتباره أن الذين رقدوا بالتقوى قد ادّخر لهم ثواب جميل. وهو رأي مقدس تقوي ولهذا قدّم الكفارة عن الموتى ليُحلوا من الخطيئة. ولعل هذا ما نسميه بصلاة الترحيم.
2- «سارع إلى إرضاء خـَصمَك مادُمــتَ مَعَــهُ في الطريق ، لئـلا يُسَلمَك إلى القاضي والقاضي إلى الشرطي فتـُلقى في السِجـن. الحق لكَ: لن تخرج منه حتى تـؤدي آخر فِلس» .(متى 5: 25_26).
في هذا النص نرى اين هو المكان الذي يدفع فيه المرء جزاء ما أرتكب من خطايا. اليس يعني وجود مكان لاداء ذلك وان كان كما يقول البعض ان فقط يوجد ملكوت وجهنم فالاول هو للابرار والثاني للذين هم مرتكبي الخطايا.
3- «لذلك اقول لكم: كل خطيئة وتجديفِ يُغفــرُ للنـاس، وأمـا التجـديف على الروح فلـن يـُغفر. ومـن قال كلِمة على أبن الإنسان يُـغفرُ لـه، أما مـَن قال على الروح القـدس ، فلـن يُغفــرَ لـه لا في هذه الدنيا ولا في الآخِرة». (متى12: 31-32).
ومعنى ذلك أنه توجد خطايا تغفر على الأرض بواسطة سر التوبة وهناك خطايا يمكن أن تغفر أو لا تغفر في الدهر الآتي (بعد الموت)
4- «….لأن كلِ آمــرئ سيُمَلـح بالنــار…» (مرقس 9: 49).
ان المكان الوحيد الذي به يتم تمليح كل شخص عمل خطايا ليست مميته هو المطهر وهو مكان الفرصة الثانية. الله وضعه لكي يتم تطهير هؤلاء لكي يتحدوا به لانه قدوس ولايمكن للخطيئه ان تقترب منه ابداً.
5- فقالَ لَه بُطرُسُ: «يا ربّ، ألنا تَقولُ هذا المثَلَ أم لِجميعِ النّاسِ؟» فأجابَهُ الرّبّ يَسوعُ: «مَنْ هوَ الوَكيلُ الأمينُ العاقِلُ الذي يُوكِلُ إلَيهِ سيّدُهُ أنْ يُعطيَ خَدمَهُ وجبَتَهُم مِنَ الطّعامِ في حِينِها؟ هَنيئًا لذلِكَ الخادِمِ الذي يَجدُهُ سيّدُهُ عِندَ عودتِهِ يَقومُ بِعمَلِهِ هذا. الحقّ أقولُ لكُم: إنّهُ يُوكِلُ إلَيهِ جميعَ أموالِهِ. ولكِنْ إذا قالَ هذا الخادِمُ في نَفسِهِ: سيتأخّرُ سَيّدي في رُجوعِهِ، وأخَذَ يَضرِبُ الخَدَمَ، رِجالاً ونِساءً، ويأكُلُ ويَشرَبُ ويسكَرُ، فيَرجِعُ سيّدُهُ في يومٍ لا يَنتظِرُهُ وساعَةٍ لا يَعرِفُها، فيُمَزّقُهُ تَمزيقًا ويَجعَلُ مَصيرَهُ معَ الخائِنينَ.
فالخادِمُ الذي يَعرِفُ ما يُريدُهُ سيّدُهُ ولا يَستَعِدّ ولا يَعمَلُ بِإرادةِ سَيّدِهِ، يَلقى قِصاصًا شَديدًا. وأمّا الذي لا يَعرِفُ ما يُريدُهُ سيّدُهُ ويَعمَلُ ما يَستَحِقُ القِصاصَ. فيَلقَى قِصاصًا خَفيفًا. ومَنْ أُعطيَ كثيرًا يُطلَبُ مِنهُ الكثيرُ، ومَنِ اَئتُمِنَ على كثيرٍ يُطالَبُ بأكثَرَ مِنهُ». (لوقا 12: 41-48).
عبارة «وأمّا الذي لا يَعرِفُ ما يُريدُهُ سيّدُهُ ويَعمَلُ ما يَستَحِقُ القِصاصَ. فيَلقَى قِصاصًا خَفيفًا». المقصود هنا هم الذين عملوا خطايا ليست مميتة فهم يعانون الالم والعذاب المؤقت لغرض تطهيرهم وصلاة المؤمنين تساهم كثيراً في تحنن رحمة الله عليهم؛ لان جسد الرب يسوع السري متكون من ثلاث كنائس الاولى المنتصرة والتي تتمثل بِشركة القديسين في السماء والثانية الكنيسه المجاهدة المتمثله بنا نحن الآن والثالثة الكنيسة المتألمة وهم الانفس المطهرية وهذا الجسد كله واحد أمام عين الرب وكل اعضائه تساعد في بنائه.
6- «إن الخليقة جمعاء تـَئِـن إلى اليوم مِن آلام المـَخاض، وليست وحدها، بل
نَحنُ الذين لنـا باكـورة الروح نـَئـنُ في البطن منتظرين التبنـي» (رومية 8:22-23)
7- «فأني على قدر ما وهِبَ لي مِن نِعمَة الأساس، شأن الباني الحاذق، ولكن يبني عليه. فلينظر كل واحـد كيفَ يَبني عليه. أمـا الأساس، فما مِن أحـد يستطيعُ أن يضعَ غيرَ الأساس الذي وَضعَ، أي يسوع المسيح. فأن بني أحد على هذا الأساس بناء من ذهبِ او فضـة أو حجارة كريمة أو خشبِ أو هشيم أو تـِبن، سيَظهر عَمل كلُ واحـد.
فيوم الله سيـُعلنه ، لأنه في النار سيُكشف ذلك اليوم. وهذه النار ستمتحن قيمة عَمل كل واحد. فمن بقي عمَله الذي بناه على الأساس نال آجره ، ومن أحترق عمله كان مِنَ الخاسرين، أمـا هو فسيخلص، ولكـن كمـن يَخلصُ من خلال النار». (1كورنتس 3: 10-15).
نفس ماطرح اعلاه فان العذاب والالم الذي ستعانيه كل نفس في المطهر وهي مارة في نار التطهير سوف يتبين ماهو عملها الحقيقي وعلى اي اساس عاشت الحياة على الارض.
8- «وكمـا أن الجسَد واحـد وله أعضاء كثيرة وأن اعضاء الجسـد كِلها على كثرتها ليست إلا جسداً واحداً ، فكذلك المسيح… لابـل إن الأعضـاء التي تـُحسب اضعف الأعضاء في الجسد هي ما كان أشدها ضرورة ، والتي نـَحسبها أخسها في الجسد هي مانخصـهُ بمزيد من التكريم والتي هي غيرَ شريفةِ نخـُصُها بمزيد من التشريف . أما الشريفة فلا حاجة بها إلى ذلك…. فإذا تـألم عضو تـألمت مَعَهُ سائر الأعضاء، وإذا عضو سُرت معه سائر الاعضاء. فأنتم جسد المسيح وكل واحدِ منكم عِضـو مـِنه» (1كورنثس 12:12-28).
المقصود بالاعضاء الغير شريفة هم الانفس المطهرية اي التي تحمل خطايا لايمكن ان تتحد بالقدوس وتدخل الملكوت وهذه الاعضاء بحاجة الى صلوات لكي يشملها رب المجد برحمته الالهيه اللامتناهية؛ ولذا يذكر انه اذا تألم عضو من هذه الاعضاء فان بقية الاعضاء سوف تتألم معه وتقوم بعمل الكثير لازالة الألم. فالصلاة من اجل الموتى مهمة جدا.
9- «إننا لانموت جميعا، بل نتبدل جميعاً في لحظةِ وطرفة عينِ، عند النفخ في البوق الأخير. لأنه سيـُنفخ في البوق، فيقوم الأموات غير فاسدين ونحن نتبدل. فلا بُـدً لهذا الكائـن الفاسد أن يلبس ما ليس بفاسد، ولهذا الكائن الفاني أن يلبس الخلــود» (1كورنثس 15: 51-53).
10- «لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة مما في السموات وعلى الأرض وتحت الأرض» أي الذين في السموات هم الشهداء والقديسين والملائكة وعلى الأرض المؤمنون وتحت الأرض هم فئة تعي وتعرف أنه يجب أن يجثوا لاسم يسوع كل ركبة هؤلاء هم من يتطهرون بنار المحبة. (فيلبي 2/10).
11- «إن رأى أحد أخاه يرتكب خطيئة ليست للموت فليسأل فإن الحياة تعطى له كما تعطى للذين يخطئون لا للموت، ومن الخطيئة ما هو للموت ولست من أجل هذه أمر أن يطلب كل أثم خطيئة ومن الخطيئة ما ليست للموت» (1يوحنا 5/16-17).
يوضح علماء الكتاب المقدس إن الخطيئة التي هي للموت هي التجديف على الروح القدس والهرطقة. والخطيئة المميتة بوجه عام تقود إلى فقدان الحياة الأبدية تماماً. ولكن توجد خطيئة عرضية لا تؤدي إلى الموت الروحي التام و ان مات صاحبها دون أن يعترف بها، فهذا بالطبع لا يذهب إلى السماء لأنها موطن ومسكن القدوس الطاهر، ولا يدخل النار الأبدية موضع إبليس وجنوده. ومن هنا كان لابد من وجود المطهر.
12- «الصديق يسقط سبع مرات ويقوم». (أمثال 24/16) أي أن الصديق البار يسقط في الهفوات دون أن يفقد الاتحاد القوي بالله. هذا الاتحاد يجعله يبكت نفسه ويقوم مرة أخرى، وفي نفس الوقت لم يتصل ويتحد اتحاداً كاملاً بالله على الأرض. ومن ثم يجب عليه أن يمر بحالة بعد موته حالة الالم الروحي والنفسي (حرمان من الاتحاد بالله) حتى يتطهر ويصبح أهلاً للملكوت وهذا هو المطهر .
أدلة من التقليد على وجود المطهر
إن التقليد الحي هو المصدر الثاني بعد الكتاب المقدس للكنيسة. في أغلب الطقوس المختلفة نجد تخصيص صلاة لأجل الموتي:
الليتورجيا اللاتينية (1 نوفمبر) في هذا اليوم من كل عام يقام القداس الإلهي خصيصاً لأجل الموتى، ويذكر الكاهن قداسه قائلاً: «أذكر يا رب أخوتنا الذين رقدوا على رجاء القيامة وجميع المتوفين في رحمتك، اجعلهم ينعمون بنور وجهك البهي».
الليتورجيا اليوناني ة(القسطنطنية)، الروم الكاثوليك والارثوذكس، جاء ما يلي في القداس الإلهي «افتقدنا يا الله وأذكر جميع الراقدين على رجاء القيامة والحياة الأبدية».
الليتورجيا القبطية، كاثوليك وارثوذكس، جاء في صلاة الترحيم بعد مجمع القديسين ما يلي: «أولئك يا رب الذين أخذت نفوسهم نيّحهم في فردوس النعيم في كورة الأحياء إلى الأبد».
ان المطهر والانفس التي فيه تم ذكرها في اقوال الكثير من اباء الكنيسه الاوائل وايضا مع الصلوات العديده التي ضمن طقوس الكنيسة مثل الجناز .
قال القديس كيرلس الأورشليمي (315-386م): «إننا نصلي أخيراً عن الذين توفوا من بيننا معتبرين أن نفوسهم تنال جزيل الإسعاف من ذبيحة مذابحنا الرهيبة ومن الصلوات المقترنة بها»… «إننا نصلي لأجل جميع الذين كانوا منّا أحياء لأن في ذلك فائدة عظيمة لتلك النفوس التي تقدم الصلوات لأجلها خاصة الذبيحة الإلهية» (كتاب الموعوظين).
الاستنتاج: إن كل هذه الكنائس تتفق في أهمية الصلاة على الموتي والمنتقلين الذين يقضون حالة النقاء والتطهير استعداداً للدخول في ملكوت الله وفي هذه الحالة يمر هؤلاء بحالة تطهير تسمى «المطهر». وألاّ طُرح علينا تساؤل يفرض نفسه «لماذا نصلي لأجل الموتي؟».
صلاة للانفس المقدسة في المطهر
يا يسوع الممتلئ قلبه رحمة ترأّف على الأنفس المحبوسة في المطهر، تنازلتَ لأجل خلاصها، فتجسّدتَ، واحتملتَ أشدّ الميتات ألمًا، فتنازل إذًا وأمل أذنك إلى صراخها، وانظر دموعها تجري.
فبحقّ آلامك المقدّسة خفّف العذابات التي استحقّتها خطاياها، يا يسوع الرحوم جدًّا دع دمك الثمين يجري إلى المطهر فيبرّد تلك الأنفس الأسيرة المسكينة، أمدد إليها ذراعيك القادرتين وانتشلها من اللجّة وخذها إلى محلّ الراحة والنور والسلام. آمين.