تجلّي الرب يسوع على الجبل
تجلي يسوع المسيح على جبل طابور هو واحداً من اهم الأحداث في الأناجيل. تجلّى يسوع المسيح امام المختارين من تلاميذه بعد ان اخبرهم انه ماضٍ الى اورشليم حيث سيتألم ويموت ويقوم في اليوم الثالث وبعد أن أعلن التلاميذ أن يسوع هو المسيح ابن الله الحي .
يحتفل بعيد تجلي ربنا يسوع المسيح في 6 آب/ أغسطس في كلّ عام. و يحيي ذكرى تجلي المسيح بمجده السماوي على جبل طابور أمام التلاميذ بطرس، يعقوب، و يوحنا.
بينما كان مخلّصنا يصلّي غلب النعاس التلاميذ من التعب. و عندما أفاقوا شاهدوا يسوع المسيح متجلّياّ أمامهم، كان وجهه مضيئاً كالشمس، و ثيابه بيضاء كالثلج، و ظهر معه النبيان موسى و إيليا في مجد سماوي و كانا يتكلمان مع يسوع عن آلامه و موته الذي كان مزمعاً أن يتممه في أورشليم.
حادثة التجلي وردت في انجيل متى (17: 1 – 13 ) وانجيل مرقس (9 : 2– 13 ) وانجيل لوقا (9 : 28– 36 ) صعد المسيح إلى جبل عال وتجلى أمام تلاميذه الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنا … وما معنى كلمة “تجلي”. كلنا نعلم أن للمسيح طبيعتان: الطبيعة الإلهية والإنسانية – هو إله حق وإنسان حقا” لا بداية ونهاية له، لا يعرف الألم ولا الموت، بل هو قادر على كل شيء، ولكل شيء عليم ولا حدود له في القدرة والقداسة،وأيضا المسيح هو ” إنسان” أخذ الكلمة المتجسدة ، جسداً من مريم العذراء وولد في بيت لحم، فالمسيح بحكم الطبيعة البشرية خاضع للألم والمرض، والضعف والبكاء وللجوع مثلنا ومات أيضاً على الصليب، مات مثل جميع الناس وكما قال القديس بولس الرسول:” أصبح المسيح الإنسان مثلنا في كل شيء ما عدا الخطيئة!.
عمل المسيح أعمالاً إلهية وإنسانية: حيثُ كان يعمل بقدرته الإلهية عندما أتى بالعجائب أو عندما غفر الخطايا وخاصة عندما قام من بين الأموات بعد صلبه. وكان يعمل كإنسان (أي بقدرته الانسانية) عندما كان يمشي ويأكل و ينام و يبكي، و يكرز وأيضاً عندما مات على الصليب، وعندما كان يخاطب الجموع كانت هذه الجموع ترى إنساناً وكذلك التلاميذ يقول المجمع الفاتيكاني الثاني، الكنيسة في عالم اليوم ” لقد أشتغل بيدين بشريتين،وفكر بعقلٍ بشري، وعمل بإرادةٍ بشرية، وأحب بقلب بشري”. لأن لو كان المسيح إلهاً فقط فكان من المستحيل أن تراه الجماهير وهو يخاطب الناس وأن يموت على الصليب – فالمسيح هو إله منذ الأزل وإلى الأبد، وإنسانا عاش ثلاثة وثلاثين سنة. فما الذي جرى يوم التجلي على جبل طابور؟ ذكرت أن المسيح كان بمظهر الإنسان أمام التلاميذ والجماهير، أما على جبل طابور أمام التلاميذ الثلاثة ، تمجدت الطبيعة الإنسانية للحظات قليلة وبقي المسيح في طبيعته الإلهية فقط ، أي رأى التلاميذ الثلاثة المسيح إلهاً كما هو في السماء أو كما كان قبل أن يأخذ الطبيعة الإنسانية ويولد من مريم العذراء .
ان تجلي المسيح هو اعلان مسبق لملكوت الله
فقد قال الرب يسوع قبل حادثة التجلي بايام قليلة الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الانسان اتيا في ملكوته ( متى 16 : 28 ) او الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد اتى بقوة ( مرقس 9 : 1 ) وقد حقق يسوع وعده هذا لثلاثة من تلاميذه الذين كانوا معه وهم بطرس ويعقوب ويوحنا لذا بعد ستة ايام اخذهم وصعد بهم الى جبل عال ( طابور ) وعلى هذا الجبل العالي تغيرت هيئة المسيح امام تلاميذه واضاء وجهه كالشمس وثيابه صارت بيضاء كالنور ، وكان النور الذي يشع من وجه المسيح شديد اللمعان حتى ان بطرس ظن انه واقع تحت تأثير الشمس فعلا ولذلك قال ليسوع ” يا رب جيد ان نكون ههنا فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال لك واحدة و لموسى واحدة و لايليا واحدة ” ولكن النور الشديد كان هو نور اللاهوت الاشد لمعانا من الشمس ، وهذا يبين ان النور الذي كان يشع من جسد يسوع ويخترق ثيابه ويجعلها مضيئة كان نورا حقيقيا منظورا ولم يكن فقط استنارة لعقول التلاميذ هذا النور ليس مخلوقا كنور الشمس بل هو نور الطبيعة الالهية ، النور الازلي غير المخلوق انه نور العالم الذي كون العالم وقد احتجب هذا النور بواسطة جسد المسيح ولكن حتى في الاوقات التي لم يظهر فيها المسيح متجليا بهذا النور فانه كان موجودا ولكنه اخفى بارادته هذا المجد والبهاء بواسطة الجسد حتى يستطيع الناس ان يقتربوا منه في صورة انسان عادي ، وفي وقت التجلي قصد المسيح ان يرى التلاميذ الثلاثة هذا المجيء الالهي حتى يعرفوا نوع المجد الذي سيأتي به المسيح في مجيئه الثاني .
أراد بذلك المسيح أن يؤكد للتلاميذ بأنه إله حقاً رغم ظواهر الضعف والألم والفشل. أراد المسيح أن يطلب من تلاميذه أن يُنظر إليه بعين الإيمان وليس بعين الجسد ، لأنه قبل أن يكون إنساناً هو إلها ، ً وما هو الدرس لنا ؟ يطلب منا المسيح أن ننظر إليه اليوم بعين الإيمان وليس بعين الجسد ، نظر اليهود إلى المسيح بعين الجسد فقط ورأوا فيه إنساناً فقط ورذلوه وصلبوه وبعكس التلاميذ ، نظروا إلى المسيح بعين الإيمان ورأوا فيه الإله والمخلص ، أما اختلفت النظرة إليه ذلك الإنسان ، إذا رأيت بعين الجسد فهو إنساناً وإذا لبست نظر الإيمان رأيت المسيح . قبل كل شيء التغيير الذي حدث على وجه السيد المسيح وعلى ثيابه لم يأته من الخارج . هذا ليس نورا حسيا، ليس ضياء الشمس . هو نور الألوهة المستقرة فيه ” أنا نور العالم” . لذلك أخفى يسوع النور في ذاته حتى يتمكن من الاتصال بالبشر اتصالا طبيعيا، حتى يأخذ شكل العبد ويتواضع الى الحالة التي هم عليها . لو كان يبهرهم بنور وضّاء باستمرار لما أحسوا انه واحد منهم . كان إخفاء نوره فيه أساسيا لإتمام الرسالة . لم يتغير شيء إذاً في كيان السيد المسيح . انه كشف النور عن نفسه من اجل التلاميذ إنهم هم عاينوا مجده بعيون وقلوب صارت تبصر بالنعمة التي منّ بها عليهم . هم الذين انتقلوا الى رؤية النور غير المخلوق. وانقطع النور عنهم بعد ان انتهت الرؤية وعادوا مع المسيح الى الحياة الطبيعية .
يقول القديس مار افرام السرياني : ان اولئك القوم الذين قال عنهم الرب انهم لن يذوقوا الموت حتى يروا مثال مجيئه ، هؤلاء هم الذين اخذهم معه الى الجبل واراهم الحالة التي سياتي بها في اليوم الاخير وهذا المجد الذي ظهر في التجلي هو مجد القيامة لذلك اوصى المسيح تلاميذه ان لا يعلموا احد بما رأوا حتى يقوم ابن الانسان من الاموات مشيرا بذلك ان ما رأوه هو حالة نورانية الجسد التي تحدث في القيامة والهدف من ظهور المسيح بحالة مجد القيامة قبل حدوث القيامة هو ان نعرف ان المجد الذي سيظهر في القيامة هو موجود اصلا قبل القيامة لانه مجد الالوهية الذي كان يحجبه الجسد ، ثم بعد الصليب فاض هذا المجد وظهر في جسد المسيح القائم من بين الاموات وفي هذا المجد عينه صعد يسوع الى السماء ، وهو الان في مجد وبهاء ونور يفوق الوصف والتصور ، هذا المجد الذي رآه استيفانوس عندما شخص الى السماء وقت استشهاده وهو النور الذي ابرق حول شاول الطرسوسي في طريق دمشق ( نور افضل من لمعان الشمس ) حتى فقد بصره من شدة النور ، والذي رآه يوحنا في الرؤيا ” وجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها ” هذا المجد نفسه مجد المسيح موجودا في الكنيسة التي هي جسده ولكنه مجد خفي لا يحسه الآن الا الذين ينير الروح القدس عيون قلوبهم ليروا المسيح حيا فيهم وفي وسطهم بمجده وهذا هو المجد نفسه الذي سيظهر به في مجيئه الثاني ، وفي مجيئه الثاني سيغير اجساد المؤمنين ليكونوا على صورة جسد مجده كما يقول الرب نفسه : ” وحينئذ يضيء الابرار كالشمس في ملكوت ابيهم ” ( متى 13 : 43 ) .
اذا فتجلي المسيح لا يرينا فقط حالة المجد التي سيأتي بها المسيح في مجيئه الثاني ، ولكنه يرينا ايضا الحالة التي سيكون عليها اولاد الله في الدهر الآتي عند مجيء المسيح ، وهذا ما يصرّح به يوحنا الرسول ” الان نحن اولاد الله و لم يظهر بعد ماذا سنكون و لكن نعلم انه اذا اظهر نكون مثله لاننا سنراه كما هو و كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر” ( رسالة يوحنا الاولى3 : 2 – 3 ) ان ظهور موسى وايليا في مشهد التجلي ليبين لنا ان يسوع المسيح ليس هو موسى ولا ايليا ولا واحد من الانبياء كما كان يظنه البعض بل هو رب موسى والانبياء ، ولذلك ظهر ايليا الحي وموسى من عالم الاموات ليحققا لنا ان يسوع المسيح هو اله الاحياء والاموات . عيد التجلي هو عيد نرفع فيه أبصارنا نحو العُلا ، ننظر فيه إلى المسيح الكلي القدرة والمجد، نطلب إليه أن يرحمنا ويخلصنا. لذلك نحن مدعوون للتغيير والتحول، وتجلينا الحقيقي يكمن في الحياة حسب ارادة الله والسير حسب وصاياه وشرائعه. الشيء الأخير هو ان الرب يسوع تجلى فيما كان يصلي حسبما ورد في إنجيل لوقا . ينعكس هذا فينا فتصير طريق الدعاء والصلاة الفردية او صلاة الجماعة هي ظرف لنزول النعمة علينا . ونحن مدعوون في هذا العيد لنكون، كيسوع المسيح، أبناءً حقيقيين لله تعالى. الإنسان المُتجلي الذي يعيش إرادة الله في حياته، إنما يشعّ نور الله من خلاله، على مثال المسيح الذي أشعّ نوراً وجمالاً وبهاء، عند ساعة تجليه المجيدة.