س25 : لماذا يمارس الكاثوليك الصّوم والامتناع عن اللحوم في أيام معينة؟ ألم يقل القديس بولس أن الامتناع عن اللحوم هو “مذهب الشّياطين” ؟
س25 : لماذا يمارس الكاثوليك الصّوم والامتناع عن اللحوم في أيام معينة؟ ألم يقل القديس بولس أن الامتناع عن اللحوم هو “مذهب الشّياطين” ؟
جدير بالتّذكرة أن الصّوم كمبدأ كتابيّ، لا نجد له تحديدًا قاطعًا فيما يخصّ الطّريقة التي يتم بها، ومن ثمَّ فالطّريقة تختلف من كنيسة إلى أخرى بحسب ثقافة الشّعوب، كما أن لكلّ طريقة مدلول كتابيّ تستند إليه، غير أننا نؤكّد على أن الصّوم وسيلة للتقرّب من الله وتغييّر الاتّجاه في علاقتي بذاتي وبالقريب. إنّه زمن التّوبة، زمن العودة إلى الأصل والجذور”ميتانويا”، فما يهمنا إذن هو الغرض من الصّوم لا الصّوم في حدّ ذاته. والوسائل دائمًا قابلة للتطوّر. ومَنْ يطّلع على تاريخ الأصوام في حياة الكنيسة سيدرك هذا تمامًا.
يمتنع بعض من الكاثوليّك عن أكل اللحوم في في بعض من الأصوام، مستندين في ذلك على روحانية سفر التّكوين، حيث الحالة الفردوسيّة الأولى، التي كا عليها الإنسان قبل الخطيئة، إذ كان أكله قائمًا على ما هو نباتيّ فقط، كما نجد ذلك في عهد الله مع نوح بعد أن خرج من الفُلك، حيث أمر الرّبّ بألاَّ يُقتل حيوان ما(9/1-7). كما نقرأ أيضًا في سفر أشعياء النّبيّ “الذّئب والحمل يرعيان معًا” إنّه نوع من ترقب زمن المسيَّا حيث السّلام الكامل، ومن مؤشرات السّلام على الصّعيد الإنساني هو عدم إراقة الدّماء، إنّها مصالحة ثلاثيّة الأبعاد: مع الذّات، ومع الطّبيعة، ومع الله (راجع زك7، خر34/28، تك9/1-7) ونذكر على سبيل المثال يوم الجمعة العظيمة، فيه يُمتنع عن أكل اللحوم تكريمًا واجلالاً لذبيحة المسيح في ذلك اليوم، إنّه اصغاء لصوت المعلم واتباعه عمليًّا لحد نكران أنفسنا، ونحمل الصّليب ونتبعه (مت 24:16، مر34:8، لو23:9).
إن الصّوم بطريقة الامتناع عن أكل اللحوم لهي ممارسة يعود تاريخها إلى الأيام الأولى للكنيسة المسيحيّة. ترتليان وكليمنت السّكندريّ على حدّ سواء، حيث ذكر كلّ منهم في كتاباتهم أنها ممارسة مسيحيّة تمامًا، لأننا نلاحظ أن المسيح نفسه أوصى بالصّيام قائلا: “ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحقّ أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم أما أنتم فمتى صمتم فأدهن رأسك وأغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيكعلانية ” (مت 6: 16 – 18)، وفي السّياق نفسه وصف الرّسول بولس إماتاته الخاصّة من أجل المسيح: ” في تعب وكد. في أسهار مراراً كثيرة. في جوع وعطش. في أصوام مراراً كثيرة. في برد وعري ” ( 2كو 11 : 27) كما كان يمارس الصّوم سواء من جانب تلاميذ المسيح (أع 22:14) والمسيح نفسه (مت 1:4-2). وقال ربنا لتلاميذه هذا الجنس – يقصد الشّياطين – لا يخرج إلاّ بالصّلاة والصّوم.” (مت 21:17). بينما استنكار القديس بولس لأولئك الّذين يمتنعون عن أكل اللحوم ينطبق على أولئك الذّين يرفضون أكل اللحم تمامًا، كما لو كانت شريرة في حدّ ذاتها. إدانته لا علاقة لها بامتناع البعض من الكاثوليّك عن أكل اللحوم، ففي أيام أخرى يتناول الكاثوليّك اللحوم بطريقة طبيعيّة كما يفعل الأخرون، غير أن الامتناع عن أكل اللحوم ليس ملزمًا للجميع حيث يُعفى الأطفال الصغار وكبار السّن والمرضى، واضعين بعين الاعتبار الكاثوليك الّذين في بلدانهم يعيشون على اللحوم بوصفها النّظام الغذائيّ الأساسيّ (كبلدان وسط أفريقيا مثلاً).