عقيدة المطهر

27٬192

المطهر

المطهر هو مكان للالم والقصاص، حيث العدالة الإلهية تطهر الأنفس لتصبح مستعدة لدخول الملكوت ، إنه مكان وسطي بين السماء حيث الفرح الأبدي، والجحيم حيث الالم الابدي، فهو قريب من الجحيم بآلامه المبرحة، وقريب من السماء بتقديس الأنفس المتألمة، إنه نار آكله، إنما مطهرة .

البروتستانت يعتبرونه بدعة بشرية، الأورثوذكس فكرة لاهوتية، اما الكاثوليك فهو عندنا عقيدة إيمانية (عقيدة يقرها المجمع التردنتيني دنتزنغر 1820). وجوهر هذه العقيدة يتلخص بأمرين: إمكانية تكفير التائب عن خطاياه بعد هذه الحياة وفعالية صلاة الأحياء في خلاص الموتى المؤمنين.

نص العقيدة

«في مجمع ليون الثاني (1274) حيث أعلنت شهادة إيمان ميخائيل باليولوغس، إمبراطور القسطنطينية: إن مات المؤمنون التائبون حقا في المحبة، قبل أن يكفرِّوا بثمار لائقة بالتوبة، عما ارتكبوه أو أهملوه، فستطهَّر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهِّرة. هذا وإن تشفاعات المؤمنين الأحياء ستفيدهم للتخفيف عن هذه العقوبات، وهي ذبيحة القداس والصلوات والصدقات وسائر أعمال التقوى التي اعتاد المؤمنين أن يقوموا بها من اجل سائر المؤمنين، بحسب ما أنشأته الكنيسة». [6]

إثباتات العقيدة

أولاً: الكتاب المقدس

أ‌. العهد القديم

سفر المكابيين الثاني 42:12-46 «واخذوا يصلون ويبتهلون إليه أن يمحوا تلك الخطيئة، وبعد ذلك بدأ يهوذا النبيل يعظ الحاضرين… لهذا قدم الكفارة عن الموت ليغفر الرب لهم خطاياهم».

يوضح النص أن الصلاة هي من اجل غفران خطايا الّذين ماتوا بخطاياهم، ولكن كيف تغفر الخطايا بعد الموت؟ كيف يتطهر الإنسان من خطاياه ويقدم كفارة عنها، إن كان هناك مكانين (حالتين) فقط السماء وجهنم ولا ثالث لهم؟ لذلك النص يدعو كل إنسان للتفكير في هذا العمل الذي قام به يهوذا المكابي.

ب‌. العهد الجديد

في (متى 32:12) يقول الرب: «كل من قال كلمة على الروح لا يغفر له لا في هذا الدهر ولا في الأتي».

 يظهر من النص في كلام يسوع، إنه توجد خطايا تغفر في هذه الدنيا وخطايا تغفر في الحياة الأخرى. وهنا نتسأل كما في السابق كيف تغفر الخطايا بعد الموت؟ كيف يتطهر الإنسان من خطاياه ويقدم كفارة عنها إذا كان هناك حالتين السماء وجهنم ولا ثالث لهم كما يقول البعض؟ فأين المكان التي تغفر فيه الخطايا؟

في (متى25:5-26) / (لو58:12-59) «سارع إلى إرضاء خصمك ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك الخصم إلى الشرطي فتلقى في السجن الحق أقول لك: لن تخرج منه حتى تؤدي أخر فلس».

– طلب التوبة في الحياة أي قبل الموت والوقوف أمام الديان، وإذا مات الإنسان وعليه دين أي غير تائب فانه يلقى في السجن (المطهر) ولن يخرج منه حتى يوفي كل ما عليه أي يتطهر تماما من خطاياه.

السجن هو المطهر وليس جهنم لان من يدخل جهنم لا يخرج، فهي مصيرا أبدي أما هنا فيشير إلى الخروج (لن يخرج) وبالطبع ليس السماء لأنها ليست سجن بل هي الفرح الدائم مع الرب. إذا السجن هنا إشارة إلى وجود مكان ثالث يوفي فيه الإنسان دين كان يجب إيفائه على الأرض ونسميه المطهر. [7]

«سيظهر عمل كل واحد، في يوم الله سيُعلنُه، لأنه في النار سيكشف ذلك اليوم، وهذه النار ستمتحن قيمة عمل كل واحد. فمن بقى عمله الّذي بناه على الأساس نال أجرة ومن احترق عمله كان من الخاسرين أما هو فسيخلص ولكن كمن يخلص من خلال النار». (كور 3:13-15)

– الأساس هنا هو السيد المسيح وكل من يبنى عمله عليه ينال اجره أي انه سيخلص. ولكن من خسر عمله إنما يخلص ولكن من خلال النار، أي لابد أن يجتاز النار وهذا هو الجهد الّذي من خلاله يخلص الإنسان.

«مع إن المقصود في قول بولس ليس نار المطهر بل مجرد تشبيه يريد منه الإشارة إلى صعوبة الخلاص» [8].

ثانياً: أقوال بعض الآباء عن المطهر

– القديس قبريانوس يقول:«بأن التائبين الّذين ماتوا بعد أن غُفرت خطاياهم، يجب عليهم أن يؤدوا في الحياة الأخرى ما تبقى عليهم من التعويض المفروض، بينما الشهادة هي بمثابة تعويض كامل وافٍ. ليس بسيان غسل النفس من الخطايا باحتمال عذاب أليم طويل والتطهير بالنار وغسل النفس من الخطايا بشهادة الدم» [9].

– أوغسطينوس يقول: «بعض الناس لا يعانون العذبات الزمنية إلا في هذه الحياة، وبعضهم بعد الموت فقط، وغيرهم في هذه الحياة وبعد الموت. إلا انهم جميعا يقفون بين يدي هذه المحكمة الصارمة الأخيرة» [10].

– واضح من كلام القديس أوغسطينوس أن المطهر ليس حالة تبدأ بعد الموت، ولكن بما أنها حالة اكتمال تكفير، فالتكفير يبدأ من هنا على الأرض ويكتمل بعد الموت، إذا يبدأ المطهر من هنا على الأرض. وبالتالي يمكن تفنيد كلامه إلى ثلاثة حالات كالآتي:

1) «بعض الناس لا يعانون العذابات الزمنية إلا في هذه الحياة»، وهنا يقصد بهم الشهداء والقديسين الّذين عاشوا تحت نير الاضطهادات والآلام وماتوا من اجل المسيح.

2) «بعضهم بعد الموت فقط»، وهنا قد يقصد الأشخاص الذين ماتوا دون أي تكفير عن خطاياهم في الحياة.

3) «بعضهم في هذه الحياة وبعد الموت»، أي الأشخاص الّذين بدءوا مرحلة التكفير على الأرض وفاجأهم الموت، وبالتالي لابد أن يكتمل تكفيرهم هذا. وذلك يكون بعد الموت. إذا يمكن القول إن المطهر يبدأ على الأرض. يتضح لنا من هذه الاشتشهادات أن المطهر هو حالة تكفير بل اكتمال .

المطهر

للكلام عن المطهر لابد من البدء بالكلام عن الدينونة الخاصة، حيث لا يذهب إلى المطهر أو السماء أو جهنم إلا من اجتاز الدينونة الخاصة، أي بصفة فردية ومن خلالها تقرر مصيره في أي من الثلاث حالات السابقة الذكر.

أولا- الدينونة الخاصة في الكتاب المقدس (ع. ج)

تستند الكنيسة الكاثوليكية في كلامها عن الدينونة الخاصة إلى أماكن كثيرة في العهد الجديد منها كلام السيد المسيح. (لو 16: 22-23، لو 43:23، مر45:9، لو 12:47، متى32:12، في 23:1، رؤ 14:13)

– في لو 16: 22-23 مثل الغني ولعازر
يصور يسوع بهذا المثل حالة الإنسان بعد موته مباشرة، ويوضح أن دينونة الإنسان هي بعد موته.
على أي أساس يذهب هذا إلى حضن إبراهيم؟ والآخر إلى العذاب؟ وعلى أي أساس لعازر يُعزى والغنى يتعذب؟ إنها إذا دينونة خاصة يمتثل أمامها الشخص بعد الموت مباشرة، ويتحدد عليها مصيره في السماء إما في المطهر إما في جهنم.

– في متى 5: 25-26
«كن مراضيًا لخصمك سريعًا ما دمت معه في الطريق، لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي، ويسلمك القاضي إلى الشرطي، فتلقي في السجن. الحق أقول لك: لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير».

فهذا السجن ما هو إلا المطهر حيث يوفي الانسان ما عليه من حقوق نتيجة خطاياه التي لا تسقطه في جهنم لكنها ايضا لا تسمح له بدخول الملكوت . فليس عليه ثياب العرس بعد. والعدل الالهي يتطلب ان يتطهر كل واحد غير مستحق قبل دخول الملكوت السماوي

ما هي الدينونة الخاصة إذا؟ «هي دينونة الله لكل إنسان عند الموت مباشرة والتي سنقف فيها بمفردنا أمام منبر المسيح الديان العادل».

ثانياً- الخطيئة والعقاب

من بين أساسيات المطهر الخطيئة والعقاب، فالخطايا بينها تفاوت وليس على مستوى واحد، وهكذا يكون العقاب فهو مختلف باختلاف الخطيئة، لابد أن يكون القصاص عادلا.

1: التفاوت بين الخطيئة

التفاوت بين الأشياء هو من طبيعة الحياة، ليس هناك أشياء على مستوى واحد، ما هو جميل يوجد اجمل منه، وما هو قبيح يوجد اقبح منه وهكذا. وفي الخطيئة يوجد هذا التفاوت، ففيها الخطيئة الكبيرة والصغيرة؛ وتسميها الكنيسة في لاهوتها الخطيئة المميتة، والخطيئة العرضية، هناك الخطيئة التي تغفر والتي لا تغفر.

كما أن هناك الخطيئة التي تؤدي إلى الموت جهنم الأبدية، والخطيئة التي لا تؤدي إلى جهنم ولكنها أيضا لا يدخل بها الإنسان السماء، وهنا المطهر حيث التطهير من هذه الشوائب للخطيئة. لهذا الكلام أدلة في الكتاب المقدس، العهد الجديد.

«لماذا تنظر إلى القذى الّذي في عين أخاك والخشبة التي في عينك أفلا تأبه لها؟ بل كيف تقول لأخيك: «دعني اُخرج القذى من عينك فها هي ذي الخشبة في عينك»، أيها المرائي أخرج الخشبة من عينك أولاً وعندئذٍ تبُصر فُتخرج القذى من عين أخيك» (متى 3:7-5).
واضح من النص أن هناك تفاوت بين الخطايا (القذى – الخشبة).

يوضح ويؤيد هذا الكلام قول السيد المسيح في (متى 31:12-32) «لذلك أقول لكم: كل خطيئة وتجديف يغفر للناس أما التجديف على الروح، فلن يغفر. ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر، له أما من قال على الروح القدس، فلن يغفر له لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة».

اي ان هناك مكان تغفر فيه الخطايا بعد الحياة في هذه الدنيا. هناك تفاوت في العقاب،وذلك حسب قول المسيح :«يُجازي كل واحدٍ حسب أعماله». (متى 27:16).

2: عقاب الخطيئة

بداية نقول إن غفران الخطيئة شيء، وعقاب الخطيئة شيء آخر، فغفران الخطايا لا يمنع من العقاب والتكفير عنها واشتراكنا في آلام المسيح وحيث نتألم معه نتمجد معه (رو 17:8).

فالعقاب هو بمثابة تطهير للنفس، كما تطهر النار الحديد من الصدأ ليرجع إلى طبيعته الأولى، هذا العقاب يكون على قدر الخطيئة، يقول السيد المسيح «يكال لكم بما تكيلون» (متى1:7).

حيث الخطيئة هناك العقاب الّذي يرجع به الإنسان إلى طبيعته الأولى ويتمم الغفران. هذا العقاب الّذي هو بمثابة تكفير إن لم يكتمل في هذه الدنيا، لابد أن يكتمل في الآخرة أي في المطهر قبل الدخول إلى الحياة الأبدية.

مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.