التصوّف او العشق الإلهي

6٬005

ماهو التصوّف؟ – العشق الإلهي؟

العلاقة مع الله هي علاقة حب متبادل ،هذا الحب الذي قال عنه الكتاب المقدس (مت22: 37) “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك”.

التصوُّف المسيحي هو تطلُّع إلى الكمال، صراخ نحو الأفضل، تحرُّك من نقطة غير صحيحة في أعماق الضمير والنفس، إلى هدف كامل هو الاتحاد بالله.

التصوُّف المسيحي رحلة تهذيبية، رحلة نمو وارتقاء، كلها خبرات وتجلِّيات؛ غاية التصوُّف المسيحي أن يتحد الإنسان بالله اتحاداً لا رجعة فيه. وجعل اللاهوت قابلاً قبولاً سهلاً وبتودُّد، أن يتحد به الإنسان (2بط 1: 4) دون أن يفقد الإنسان جوهره البشري، فيظل إنساناً كما هو ولكن ممتلئاً من الروح القدس. فالتصوُّف المسيحي ليس فناءً وليس فقداناً للذات في الله، بل إثباتها ووجودها واتحادها بالله .

العشق تشوق واشتياق، والاشتياق رجاء، والرجاء رغباتٌ بعيدةُ المنال يسعى الولهان جادا ليحققها.

من اشهر واهم الكتابات في العشق الالهي سفر نشيد الأناشيد فهو قصيدة شعر صوفي روحاني كتبها بالوحي سليمان الحكيم يصف المتيم بالعشق الإلهي، وخلجاتِ نفسِه في علاقتها بحبيب الروح وخالقِها : “اسندوني باقراص الزبيب انعشوني بالتفاح فاني مريضة حبا. شماله تحت راسي ويمينه تعانقني. احلفكن يا بنات اورشليم بالظباء وبايائل الحقول الا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء صوت حبيبي.هوذا ات طافرا على الجبال قافزا على التلال. اجاب حبيبي وقال لي قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي. لان الشتاء قد مضى والمطر مر وزال” (نشيد الاناشيد 2)

وفي العشق الإلهي أنشد قداسة البابا شنودة الثالث قصيدته “همسة حب” : قلبي الخفاق أضحى مضجـعك في حنايا الصدر أخفى موضـعك ليـس لي فكـر ولا رأي ولا شهـوة أخرى سوى أن أتبـعك قد نسيت الأهل والأصحاب بل قد نسيت النـفس أيضا في هواك قد نسـيت الكل في حبـك يا متـعة القـلب فلا تنـسى فتـاك في سـماء أنت حـقا إنـما كل قلب عاش في الحب سـماك عرشك الأقدس قلب قد خـلا من هوى الكل فلا يحوى سـواك العاشق لا يستطيع العيش بعيداً عن وجه المحبوب، ولا يحتاج أن ينقل صورته من الذهن إلى القلب، بل بمجرد رؤيته له، يثب قلبه  وعندما يكون بعيداً عنه ويفكر به، أيضاً يثب قلبه، لا حاجة أن يقوم بأي مجهود.

هكذا الحال مع المسيح، ولكن كل شيء عندئذٍ يتم بصورة إلهية، محبة إلهية و هيام إلهي، لا محبة جسدية. إنها محبة هادئة , ولكنها أشد قوة و عمق، وكما هو الحال في المحبة الطبيعية، عندما لا ترى وجه المحبوب، تتألم بسبب المحبة و تدمع عيناك، هكذا هنا أيضاً، تتألم بدافع المحبة،و دون أن تدرك تنفجر بالبكاء بدموع المحبة و التخشع و الفرح، هذا هو التخشع .

عشق المسيح هو عشق مميز، لا نهاية له ولا شبع فيه . كلما تأصَّل، أراد أن يزداد في العشق، بينما من الممكن أن يُفسِد العشقُ البشري الإنسان ويسبب له الجنون. عندما نحب المسيح يتراجع كل حب آخر. اي حب آخر له حدّ للشبع، أما محبة المسيح فلا شبع فيها. الحب الجسدي يشبع , وقد يأتي بعده التذمر و الغيرة، وربما القتل، ومن الممكن أن يتحول إلى كره، أما محبة المسيح فلا تتغير.

المحبة العالمية تستمر إلى فترة قصيرة وبعد ذلك تنطفىء شيئاً فشيئاً، أما المحبة الإلهية فتكبر باستمرار و تزداد عمقاً. أي عشق آخر قد يدفع الإنسان إلى اليأس، أما العشق الإلهي فيرفعنا إلى فلك الله، و يمنحنا سلاماً و فرحاً و امتلاء.

مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.