11- في إخلاء ذاتِنا من كلِ ما هو رديءٌ فيها

1٬284

في إخلاء ذاتِنا من كلِ ما هو رديءٌ فيها

الحقيقةُ الثالثة. إن خيرَ اعمالِنا هي ملوثةٌ عادةً بالخطيئة بسبب معدنِنا الرديء. عندما يُصَبُّ ماءٌ رائق في وعاء وسخ، يتعكرُ ويتلوثُ الماء. عندما تضعُ خمراً في إناء ملوث بخمر فاسدة يتلوثُ وتصيرُ له رائحة كريهة. كذلك عندما يضعُ الله في نفوسنا الملوثة بالخطيئة، نعمَه وعطاياه السماوية، تتلوثُ اعتيادياً ببقايا الخطيئةِ التي فينا، وحتى أسمى اعمالنا تعطي رائحةً لا طيبة. لذا من المهم جداً، لاكتسابِ الكمالِ الذي نحصلُ عليه باتحادِنا مع يسوع، ان نُفرغَ ذاتَنا من كلِ ما هو رديء فيها.

ونصلُ إلى ذلك بمعرفة نفسنا جيداً تحت انوارِ الروح القدس. فنعرف باطنَنا الرديءَ وعدمَ مقدرتِنا على الخير وضعفَنا الشديد، وتقبلَنا المتواتر وعدمَ أهليتنا وفسادنا. إن الخطيئة بالنظر إلى الإنسان هي بمثابة الخميرة إلى العجنة التي توضعُ فيها، فتحمّضُها وتنفخُها وتفسدُها.

إن الخطايا التي ارتكبناها وإن غُفرت لنا، تركت فينا ضعفاً وقلةَ ثباتٍ تكوّنُ بقايا رديئة في نفوسنا وتجعلُ أجسادنا فاسدة حتى يسميها الرسول: «اجساد الخطيئة»، لأنها معجونةٌ بالخطيئة ونفسُنا المتحدة بهذه الاجساد، تصبحُ هي أيضاً بدورها نفساً جسدية (تكو 12:6) ملوثةً بالكبرياء وقساوةِ القلب وعمى الروح وعدم الثبات والشهوات والخ.

لا عَجَب إذن اذا ما نسمعُ مخلصَنا يقول بأن من يريدُ ان يتبعه عليه «ان يُنكرَ ذاتَه ومن يحبُ نفسَه يُهلكها، ومن يُهلكها من أجله يخلصها» (يوحنا 25:12). فنكره ذاتنا لأننا نستحق ذلك، بينما لا شيء يستحقُ المحبة أكثر من الله.

كذلك لكي نخلي ذاتنا، علينا أن نموتَ عنها كل يوم، بالمعنى الذي يقصده الرسول عند قوله، اذا ما نرى كأننا لا نرى، واذا ما نسمع، كأننا لا نسمع البتة، واذا ما استخدمنا اشياء هذا العالم، كأننا لا نستخدمُها قط (1كور 31:15). «اذا حبةُ الحنطة التي تسقط في الارض، لا تموت، تبقى وحدها» (يوحنا 24:12) اذا لا نموت عن ذاتنا، لا نعطي ثماراً لائقة، فتصبح عبادتُنا غيرَ نافعة، اذ تتلوثُ اعمالُنا التقويةُ بمحبة الذات. وهكذا عند الموت سنجد نفسنا فارغة من الفضيلة والاستحقاق وعاربةً من المحبة الحقة، تلك المحبة التي تمنح للنفوس المائِتة عن ذاتها والتي حياتُها هي خفيةٌ مع يسوع المسيح في الله (كولوسي 3:3).

إذن علينا أن نختارَ من جميع الممارسات التقوية لمريم الطوباوية، تلك التي تحمِلُنا أكثر الى الموت عن ذاتنا، لأنها الاحسنُ والاكمل. لا نخدعنَّ أنفسَنا. «ليس كلُ ما يلمع ذهب» يقول المثل. ولا «كلُ ما هو حلو هو عسل». هكذا ليس كل ما هو اسهل للعمل ويمارسه عددٌ أكبر، هو الاكثر قبولاً وقداسة.

كما توجد في الطبيعة طرقٌ بموجبها نمارس بعضَ الامور في وقت قصير وجهدٍ قليل ويُسرٍ كبير، هكذا ايضاً في حقل النعمة توجد سبلٌ تحملنا في زمن وجيز وحلاوة لذيذة إلى القيام بأعمال روحية عظيمة، كإخلاء الذات والامتلاء من الله والتقدم في معارج الكمال. إن هذه الممارسة التي أريدُ كشفها، هي من اسرار النعمة التي يجهلها كثيرٌ من المسيحيين ولا يمارسٌها الا النزرُ القليل من الورعين.


كتاب الإكرام الحقيقي للعذراء مريم
 ✞  السابق     ✞  البداية     ✞  التالي 
مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.