في الدينونة وعقوبات الخطأة

1٬277

الفصل الرابع والعشرون

في الدينونة وعقوبات الخطأة

يسوع المسيح الله

1- في كل شيءٍ تأمل العاقبة، واذكر كيف تقف يومًا أمام الديان الصارم، الذي لا يخفى عليه شيء، ولا يستعطف بالرُّشى، ولا يقبل الأعذار، بل بموجب العدل يقضي.

أيها الخاطئ الشّقيُّ الأحمق، بِمَ تجيب الله، العالم بجميع شرورك، وأنت تخشى أحيانًا وجه إنسان مغضب.

فلم لا تتدبر الآن أمرك ليوم الدين، حين لا يمكن أحدًا أن يدافع عن غيره، أو ينتصر له، بل كلُّ واحدٍ يكون، من نفسه، عبئًا كافيًا على نفسه؟

ألآن تعبك مثمر، وبكاؤك مرضيّ، وتنهدك مستجاب، وتوجعك وفائيٌ ومُطَهِّر.



2- إنه لمطهر عظيم وخلاصي، مطهر الرجل الصبور، الذي، إن لحق به جور، يتوجع لخبث فاعله، أكثر مما للظُّلم اللاَّحق به، ويصلي بارتياح لأجل معاكسيه.

ويسامح بالإساءات من كل قلبه، ولا يتأخر عن استغفار الآخرين، وهو إلى الرحمة أسرع منه إلى الغضب.

يكثر من قهر نفسه، ويجتهد في إخضاع الجسد للرُّوح إخضاعًا تامًا.

ألتطهر من الخطايا، واستئصال الرذائل في هذه الحياة، خيرٌ من اذّخارها والتَّكفير عنها في الآخرة.

إنَّا لنغر أنفسنا حقًا، بحبنا الجسد حبًا مفرطًا.



3- ما عسى أن تلتهم تلك النار إلاَّ خطاياك؟

بمقدار ما تشفق الآن على نفسك، وتتبع أهواء الجسد، وتزداد شدَّة عقابك في ما بعد، ويزداد مقدار الوقود، الذي تذخره لتلك النار.

ما خطئ به الإنسان، فيه يكون أشدُّ عقابه:

هناك المتوانون يوخزون بمناخس محماة، والنَّهمون يعذبون بشديد العطش والجوع.

هناك أهل الخلاعة ومحبو اللذات، يغرقون في زفت مشتعلٍ وكبريتٍ متين، والحساد يعوون بسبب الوجع، مثل كلابٍ هائجة.



4- ما من رذيلةٍ، إلاَّ ويكون لها عذابٌ خاصّ: هناك يمتلئ المتكبرون خزيًا، والبخلاء يضيق عليهم بالفاقة القصوى.

هناك ساعةٌ واحدةٌ في العذاب، أشدُّ من مئة سنةٍ هنا في أشق أعمال التوبة.

هناك لا راحة ولا تعزية للهالكين؛ أما هنا، فقد يستراح أحيانًا من التعب، ويتمتع بتعزيات الأصدقاء.

اهتم الآن وتوجع لخطاياك، لتطمئن مع الطوباويين في يوم الدين.

” حينئذٍ يقوم الصّدّيقون بجرأةٍ عظيمة، في وجوه الذين ضايقوهم” (حكمة 5: 1) وأذلوهم.

حينئذٍ يقوم للقضاء، من يخضع الآن بتواضع لأحكام البشر.

حينئذٍ يكون للمسكين والمتواضع ثقةٌ عظيمة؛ أما المتكبر، فالهلع يحدق به من كلّ صوب.



5- حينئذٍ يتضح أنه كان حكيمًا في هذه الدنيا، من تعلَّم أن يكون جاهلًا ومحتقرًا لأجل المسيح.

حينئذٍ كل ضيقٍ احتمل بصبرٍ يبدو لذيذًا، “وكلُّ ظلمٍ يسدُّ فمه” (مزمور 106: 42).

حينئذٍ يفرح كلُّ تقيّ، ويكتئب كل خالٍ من العبادة.

حينئذٍ يبتهج الجسد المقموع بالإماتة، أكثر مما لو غذّي في الترف.

حينئذٍ يتلألأ الثوب الحقير، ويكمدُّ اللباس الناعم.

حينئذٍ يمتدح الكوخ الفقير، أكثر من القصر المغشَّى بالذهب.

حينئذٍ يكون ثبات الصبر، أجزل نفعًا من كلّ سلطانٍ في الدنيا.

حينئذٍ تعظم الطاعة البسيطة، أكثر من كل دهاءٍ عالمي.



6- حينئذٍ يفرح الإنسان بالضمير النقي الصالح، أكثر من فرحه بالفلسفة العميقة.

حينئذٍ يرجح ازدراء الغنى، على كنوز الأرض بأسرها.

حينئذٍ تتعزى لذكر صلاةٍ خاشعة، أكثر مما لذكر أكلةٍ طيبة.

حينئذٍ تفرح بلزومك الصمت، أكثر مما بالثرثرة الطويلة.

حينئذٍ تكون الأعمال المقدّسة، أجزل قيمة من كثرة الكلام المنمق.

حينئذٍ تستطاب العيشة القشفة، والتوبة الشاقَّة، أكثر من كل لذةٍ أرضية.

تعلَّم الآن أن تحتمل آلامًا يسيرة، لتستطيع، حينئذٍ، أن تنجو من آلام تفوقها شدَّة.

جرب هنا، قبلًا، ما تستطيع احتماله في ما بعد.

إن كنت الآن لا تقوى على احتمال ألم طفيفٍ جدًا، فكيف يمكنك، حينئذٍ، أن تحتمل العذبات الأبدية؟

وإن كان الآن أخف ألمٍ يفقدك الصبر إلى هذا الحدّ، فما عسى أن تكون لك جهنم حينئذٍ؟

حقًا إنه لا يمكنك الحصول على كلا الفرحين: أي أن تنعم في هذه الدنيا، ثم تملك، بعد ذلك، مع المسيح.



7- هب أنك قد عشت عمرك كله، حتى هذا اليوم، في الكرامات والترف؛ فما عسى أن ينفعك ذلك كله، لو اتفق أن تموت الآن فجأة؟

فكل شيء إذن باطل، ما خلا حب الله والتعبد له وحده.

فمن أحب الله بكل قلبه، لا يخشى الموت ولا العذاب، ولا الدينونة ولا الجحيم، لأن الحب الكامل يضمن البلوغ إلى الله.

أما من لا يزال يتلذذ بالخطيئة، فلا عجب أن يخشى الموت والدينونة.

على أنه من الحسن، إن كان الحب لا يردعك بعد عن الشر، أن يردعك عنه على الأقل خوف جهنم.

أما من نبذ مخافة الرب، فلا يستطيع الثبات على الصلاح طويلًا، بل سرعان ما يسقط في حبائل إبليس.


✞السابق  الفهرس  التالي

مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.