قيام كثيرين وسقوط كثيرين – القسم الثاني

1٬210

القسم الثاني من كُتيب
قيام كثيرين وسقوط كثيرين

قيام وسقوط كثيرين في حياة الأفراد

عاش على وجه الأرض أناس أثرياء، يحيون لأجل المال والملذات والسلطة.. يعيشون لكل شئ ما عدا المسيح. أمام نعشهم يستبد بنا القلق والانقباض. تسير في جنازتهم ألوف البشر ، إنما بعد سنوات، لا أحد يعرف عنهم شيئاً، ولأن الرب يسوع عاش على الأرض منذ ألفي سنة، واختبرته البشرية في ال 5 قارات خلال كل هذه القرون كما أن مليارات الناس آمنوا بألوهية المسيح فلذا كان من الصعب اختيار هذه الشخصيات التى كان الرب يسوع قيامها أو سقوطها لذا سأخذ من كل مجال شخصية مع و آخرى ضد المسيح ونرى سوياً كيف كان الرب يسوع قيامها أو سقوطها.

يسوع الملك

مجال العملقيامسقوط
إمبراطورقسطنطيننابليون بونابرت
ملوك أوربااليصابات المجريةهنرى الثامن
وزراءتوماس موركارل دوينتس
علماءتيار دي شاردانفولتير
فنانينموزارماريا اورسكا

 


 

المسيح قيام وسقوط للأباطرة

المسيح قيام قسطنطين ↑

وُلد قسطنطين سنة 280 في سيس (كرواتيا وصربيا في أيامنا) وهو ابن الإمبراطور قسطنسيوس كلورس، وابن لأم بارة هي القديسة هيلانة التى كانت تؤمن بالمسيح في عصر ملئ بالوثنية. أعتنق قسطنطين المسيحية في 312 م، ولكن ظروف إهتدائه كانت غير تقليدية تذكرنا بتلك التى حدثت مع القديس بولس على طريق دمشق، كانت عائلته تميل إلى توفيقية شمسية، إلى أن جائت معركة جسر ملفيوس، حيث ظهرت علامة الصليب في السماء، أو لربما ظهر الرب يسوع نفسه إلى قسطنطين ، وأعتبر الإمبراطور نفسه منذ تلك اللحظة مسيحياً، وفي هذا الصدد يكتب أوسابيوس القيصري مؤرخ الكنيسة ما يلي:

“حٌرر جميع الناس من ظلم الطغاة وكانوا في مأمن من الشرور القديمة. وكان كل واحد يعترف بأن الإله الحق الأوحد هو الذي حارب إلى جانب الناس الأتقياء. ونحن خاصة الذين جعلوا رجاءهم في مسيح الله، أشرق علينا جميعاً فرح لا يوصف وسعادة إلهية، في جميع الصروح التى دمرها قبيل ذلك كفر الطغاة والتي أخذت تعود إلى الحياة بعد اجتياح طويل مميت. فكنا نرى المعابد تنهض من أطلالها وترتفع إلى علو لا نهاية له، يفوق بكثير علو المعابد التي دُمرت في الماضي، لكن الأمبراطور قسطنطين كان يثّبت لنا أيضاً ما يأتي من عظمة الله، ويزيدان عليه ويوسّعانه بتشريعات متواصلة لصالح المسيحيين. وفضلاً عن ذلك، كان الأساقفة يتسلمون شخصياً وعلى وجه مألوف رسائل وتكريمات وهدايا ثمينة من الإمبراطور… فكنا ننسى الشرور القديمة، ونفقد ذكر كل كفر، ونتمتع بالخيرات الآتية . فكانوا يصدرون إذاً في كل مكان أوامر الإمبراطور الظافر، وكانت تتسم بالمشاعر الإنسانية، والشرائع التي كانت تشهد على تقواه الرائعة”

قسطنطنفي سنة 313، أنتهى قسطنطين من منح حرية الضمير والحرية الدينية لجميع الديانات، ولكن بعد ذلك بدأ التشريع يضيق على الدين الجديد يوماً بعد يوم، إذ أن الاباطرة كانوا يحرمون شيئاً فشيئاً إقامة الشعائر الوثنية. فكان قسطنطين يحرم بعض الممارسات، كالسحر والعرافة وتقديم الذبائح للأصنام وغلق معابد الوثنيين.

في سنة 380 أعلن ثيودوسيوس أن الدين الكاثوليكي هو دين الدولة وهكذا قامت الكنيسة وسقطت وثنية الإمبراطورية الرومانية مع كل شرها، وكان المسيح قيام قسطنطين وسبب إنتصاره وسبب وإهتدائه وسبب سلام الإمبراطورية بأسرها.

المسيح سقوط نابوليون ↓

لم يكن نابوليون بونابرت من يومه مضطهداً للمسيح وللكنيسة، ولكنه بدأ حياته مسيحياً مؤمناً، ليس هذا فقط بل كان يعظ جنوده أيضاً !! فنذكر له مثلاً قوله :  “صدقوني أنا أعرف الناس، أما يسوع المسيح فقد كان أكثر من إنسان” وفي موقف أخر له، عندما كان نابليون منفياً في جزيرة القديسة هيلانة، فقال يوماً لمرافقه الجنرال برتران:  ” … وهذا ما يدهشني بالأكثر ويبرهن لي بالتأكيد أن المسيح إله. أنا أيضاً استطعت إثارة الجماهير فذهبت إلى الموت من أجلي ولكن حضوري هو الذي أجج في قلوبهم النار المقدسة، كذلك الشرارة الكهربائية في عينيّ، في صوتي، في كلماتي، أن فيّ قوة سحرية تحرك الناس، لا أتمكن من نقلها إلى الآخرين، لا استطيع أن أعطها إلى قوادي، لا أعرف كيف أخلد اسمي ومحبتي في قلوب الناس. لا استطيع أن أصنع معجزة بدون المادة، وهكذا كانت الحال بالنسبة لقيصر والاسكندر، سينسانا الناس. أن أسماء الفاتحين تصلح فقط أن تكون مواضيع إنشاء للواجبات المدرسية، أي هوة سحيقة بين حقارتي ومملكة يسوع الأزلية، هذا المسيح الذي يُحب ويُعبد ويُبشر به في كل أنحاء العالم ! فهل مات المسيح أليس ذلك بالأحرى حياة خالدة ؟ نعم المسيح مات ولكن ليس كميتة إنسان بل كميتة إله “

ولكن ماذا حدث لنابوليون ؟؟ لماذا تغير موقفه من المسيح والكنيسة، كيف كان المسيح سقوطه ؟؟ دعونا نعرف الإجابة في السطور القادمة !!

في حبرية البابا بيوس السابع، عقد الكرسي الرسولي معاهدة 1801 مع نابليون بونابرت وأعطت هذه المعاهدة للكرسي الرسولي أمتيازات كثيرة كما أنها أعادت السلام الديني وقتئذ بإعادة علاقات فرنسا مع روما.

نابليونوفي 1802، في عيد القيامة، أُحتفل في كاتدرائية باريس بإعادة الشعائر الكاثوليكية بعد أن كانت توقفت لزمن بعيد، ولقد توج البابا بعدها بعدة سنوات نابليون بونابرت إمبراطوراً !! في كنيسة السيدة بباريس.

ولم تسر الأمور هكذا، حيث أراد في 1806 نابليون في صراعه مع إنجلترا، أن يلتزم البابا بواجبات المقاطعة: أي منع التجارة مع إنجلترا وحلفائها، فرفض البابا وأشتد التوتر، فقامت الجيوش الفرنسية بإحتلال روما، فحرم البابا المغتصبين، ولكن نابلوين وضع البابا في الإقامة الجبرية، ورفض البابا تثبيت الأساقفة الذين عينهم نابليون أثناء وجود البابا في الإقامة الجبرية، حينها أراد نابلوين الزواج من ماري تريزا النمساوية، وحصل من سلطات باريس الدينية على فسخ زواجه من جوزفين !! لكن الكرادلة الرومانيين في باريس رفضوا حضور حفل الإكليل كناية عن رفضهم لهذا الزواج برمته.

وخلال سنتين من تاريخه، هُزمت كل جيوش نابليون، ونُفي الإمبارطور، وعاد البابا ظافراً إلى روما كما ذكرت إنفاً في فقرة المسيح قيام الكنيسة.


المسيح قيام وسقوط للملوك

المسيح قيام أليصابات المجرية ↑

القديسة أليصابات المجريةسنحتفل قريباً بمرور ثمانيمئة سنة على وفاة قديسة أحبت القريب هي القديسة أليصابات ابنة ملك المجر أندراوس الثاني، كانت ثرية وكان بإمكانها أن تجلس إلى مائدة تكلف ألف دولار ! كانت تملك قصراً تستطيع من فوقه رؤية سير العالم براحة بال ولكنها كانت مختلفة عن عالمنا الاستهلاكي الحالي، إنها كانت للمسيح وكانت تحمل تعاليم المسيح على محمل الجدّ ولكنها لم تصنع ولائم تكلف ألف دولار لتستطيع مساعدة الفقراء أكثر فأكثر. لم تكتف بذلك بل نزلت بملأ حريتها من قصر (Wartburg) إلى وادي الألم العميق والإماتة والإتضاع كي ترتفع بعد ذلك في أجواء محبة الله والقريب، كانت تخلع تاجها الذهبي وتسجد أمام المسيح المصلوب وهكذا توصلت إلى حل المشكلة الاجتماعية في أيامها منتصرة بوداعة وهدوء لمحبة المسيح والعدالة، ورقدت بعمر 24 عاماً وقد بقيت رائحة الطيب تفوح من جثمانها وكثرت العجائب هناك.


المسيح سقوط هنري الثامن ↓

هنري الثامن  ملك إنجلترا منذ 1509 وحتى وفاته، إلى جانب زيجاته الست، لعب هنري الثامن دورًا هامًا في انفصال كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية، فقد أدى الصدام بين هنري الثامن وروما إلى انفصال كنيسة إنجلترا عن الكنيسة وحل الأديرة وتعيينه لنفسه رأسًا لكنيسة إنجلترا.

أدت رغبته في إنجاب وريث ذكر لعرشه، – لاعتقاده أن البنات لا يصلحن للحكم – إلى شيئين خلدا ذكر هنري الثامن: زيجاته الست والإصلاح الإنجليزي، والذي حوّل إنجلترا إلى أمة معظمها من البروتستانت. وقد كانت نظرة العامة إليه أنه ملك شهواني وقاسٍ وأناني وغير مأمون الجانب.

يُعرف عنه أيضاً أنه كان يقتل رجال البلاط الذين لا يتوافقون مع سياساته مثل الويزر ريتشارد إمبسون.

وقد أغلق الأديرة التي كانت الداعم الوحيد للفقراء مما أدى لنفور معظم السكان خارج لندن بعدئذ قام هنري الثامنهنري بتغييرات جذرية في الممارسات الدينية التقليدية، وأمر رجال الدين بمكافحة مفاهيم الصور الخرافية والآثار الدينية والمعجزات والحج وأزال معظم الشموع. وفي عام 1545، أصدر هنري مراسيم باستبعاد قديسين، ودمر المزارات الدينية – بما فيها مزار القديس توماس -. كما أنجب هنرى الثامن ابناً غير شرعياً.

سقط الملك من على صهوة جواده في إحدى المباريات وأصيب بجروح بالغة، وبدا الأمر لأول وهلة أن حياة الملك في خطر. وعندما علمت الملكة – زوجته الثانية – بذلك أصيبت بصدمة، وهو ما تسبب في إجهاضها يوم جنازة – زوجته الأولى – ، وكان المولود المنتظر صبيًا. ومثلت هذه الخسارة الشخصية في نظر معظم المراقبين بداية النهاية.

أصبح وزن هنري زائدًا بشكل كبير؛ حتى بلغ محيط خصره 137 سم، ولم يعد قادرًا على الحركة إلا بمساعدة الآلات. كما أنتشرت على جسده البثور المتقيحة المؤلمة، وربما عاني من النقرس. بدأ هنري معاناته مع السمنة والمشكلات الطبية الأخرى بعد الحادث الذي أصيبت فيه ساقه خلال مبارزة. تسبب الحادث في تجدد جرح قديم عانى منه هنري منذ سنوات، حتى يأس الأطباء من علاجه. تقرح الجرح للفترة المتبقية من حياته، وبالتالي منعه من الحفاظ على نفس المستوى من النشاط البدني كما كان في السابق.

تسبب مرض السمنة في وفاة هنري عن عمر يناهز الخامسة والخمسين، وقد وافق ذلك، وكانت كلماته الأخيرة: “الرهبان! الرهبان! الرهبان!” ربما  إشارة إلى الرهبان الذين تسبب في طردهم بحل الأديرة دفن هنري الثامن في كنيسة القديس جورج.

في حياته تحدى هنرى الثامن الإنجيل ووصية الرب في قدسية الزواج كما تحدى الكنيسة وأنفصل عنها وأعلن نفسه رأس كنيسة إنجلترا ولكن في لحظة موته صرخ كما رأينا متذكراً أخطاء ماضيه!!

الجدير بالذكر أن قداسة البابا الحالي بنيدكتوس السادس عشر قد قطع خطوات واسعة في الوحدة الكنسية مع الكنيسة الإنجليكانية كما وضع قداسته قانوناً جديداً  يسهل رجوع الإكليروس الإنجليكاني إلى كنيستهم الأولى الكاثوليكية.


المسيح قيام وسقوط للوزراء

المسيح قيام توماس مور ↑

رفض توماس مور الاعتراف بهنري الثامن رئيساً أعلى على كنيسة إنجلترا بالرغم من ضغوط أصدقائه وأفراد عائلته. فأُعدم في 1535.

توماس مورفي يوم إعدامه أرتدي السيد توماس مور أفخر ملابسه، وكأنه مدعو إلى حضور حفلة رسمية. ولما رأى ذلك السيد القهرمان، أشار عليه بخلعه، مضيفاً أن الذي ستكون هذه الحلة من نصيبه ليس إلا فلاحاً . فأجاب مور: “ماذا يا سيدي القهرمان، أأٌعد فلاحاً من سيؤدي لي مثل هذه الخدمة العظيمة ؟ لو كانت هذه الحلة من ذهب، لأعتبرته مستحقاً لها، كما أن القديس قبريانوس أعطى جلاده ثلاثين من الذهب” ولكنه بعد إلحاح نزل أخيراً عند رغبة القهرمان وبدل ثيابه.

ذهب به القهرمان إلى خارج البرج، ثم إلى مكان الإعدام. ولما صعد إلى المنصة، وجدها تتزعزع، فخاف أن تنهار وقال مرحاً للقهرمان: “سيدي القهرمان، ساعدني على الصعود. أما في النزول، فلا حاجة لي إلى من يساعدني”

عندئذ، طلب من الجمع المحيط أن يصلي من أجله وأن يشهد على أن سيتحمل الموت على إيمان الكنيسة الكاثوليكية المقدسة وفي سبيلها. ثم جثا، وبعد أن تلا صلواته، ألتفت فرحاً إلى الجلاد وقال له: “استجمع شجاعتك، أيها البطل، ولا تخف أن تقوم بواجبك. لكني قصير الرقبة، فأحذر ألا تصيبها، لأن الأمر أمر شرف بالنسبة إليك”

وهكذا أنتقل القديس توماس مور من هذا العالم إلى الله، في اليوم الذي رغب أن يتم فيه ذلك.


المسيح سقوط كارل دوينتس ↓

كارل دوينتس كارل دوينتس، كان رئيساً لألمانيا خلفاً لأدولف هيتلر بعد إنتحاره لعشرين يوما فقط قبل سقوطها في قبضة الحلفاء، ولد في 1891، كان أمير بحر وسياسي ألماني، عمل في البحرية الألمانية في الحربالعالمية الأولى وقادها في الحرب العالمية الثانية (كان وزير الحرب)  وقد شغل دونتز منصب رئيس ألمانيا النازية، اعتقل و حوكم في محكمة نورنبيرغ و قضى عشر سنوات في السجن.

كانت الحروب الكونية الأولى والثانية على عكس إرادة الرب يسوع، حتى أن ذلك يذكرنا بأمر غريب يفوق الطبيعة ألا وهو ظهور السيدة العذراء في فاتيما بالبرتغال سنة 1917 وأعلنت هناك نبؤة فاتيما والتى كانت تحتوي في طياتها على ثلاثة أسرار عن قيام الشيوعية وقيام الحرب العالمية الثانية والسر الثالث كان يخص ظهور السيدة العذراء في فاتيماإعتداء على أحد الباباوات، عُرف فيما بعد أنه البابا يوحنا بولس الثاني، وفي هذا الظهور حركت السيدة العذراء الشمس من مكانها علامة على قدرة ابنها وتأيداً لرغبتها في أن يكرس العالم نفسه للرب يسوع وقلبها البرئ من الدنس، وهكذا أنتهت الحرب وعم السلام العالم حين كرس العالم نفسه إلى قلب العذراء البرئ من الدنس.


المسيح قيام وسقوط للعلماء

المسيح قيام تيار دي شاردان ↑

رجل دين وفيلسوف مسيحي، ولد 1881، ربته والدته تربية دينية، دخل مدرسة الآباء اليسوعيين، دي شاردانودخل الرهبنة اليسوعية في عام 1900، سافر إلى مصر لتدريس الفيزياء والكيمياء، كان يقوم برحلات استكشافية في أوقات فراغه التي كانت بعيدة عن الفيزياء والكيمياء، وأثناء تجواله أعجبه علم طبقات الأرض.

ويلاحظ أن دراسته كانت في اتجاهين متباينين فبينما كان ينكب على دراسة اللاهوت تبعاً للمفهوم الكنسي المسيحي، كانت رغبته بتلقي المعارف المادية تزداد، اشترك في الحرب العالمية الأولى كمساعد طبي، وبسبب دوره في تقديم العلاج للمصابين على خطوط إطلاق النار حاز على وسام صليب الحرب والميدالية الحربية، ووسام جوقة الشرف، تصادمت ميوله العلمية التجريبية ورؤيته لعلم التطور مع موقف الكنيسة فطلب رؤساء الرهبنة منه عام 1924 التوقف عن التدريس في المعهد الكاثوليكي في باريس لتسرب رأيه حول صعوبة التوفيق بين الخطيئة الاصلية وعلم التطور.

شارك عام 1928 مع بعثة علمية فرنسية في محاولة اكتشاف ما أطلقت عليه البعثة اسم إنسان الصين (صين-انتربوس).

فلسفة دي شاردان:

كان دي شاردان في فلسفته يحاول الدمج بين معتقداته المسيحية ونظرية التطور التي وضع خطوطها العامة عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز دارون، فهو يرى أن الكون يتطور فيتسع ويتفتق يبني ذاته، يخلق و يواصل التطور نحو إكمال ذاته، متقدما من ضغط إلى تزاحم ثم التعقيد ثم إلى الوعي ثم ولادة فكر.

التطور عند شاردان له غاية روحية تنتهي في المسيح الذي هو هدف الكون أو المحبة أو الوحدة الواحدة في الوجود، فهو يؤمن أن “الله وضع الروح في المادة ، فاختبأت فيها، وحبلت بها بنوع ما”

ويُعتبر تيار دي شاردان مثالاً في التوفيق بين حياته الكهنوتية والعلمية، عملاً بقول القديس إريناوس “مجد الله الإنسان الحي”.


المسيح سقوط فلوتير ↓

قال الملحد الفرنسي الشهير فولتير: “إنه بعد مائة سنة من وقته ستكون المسيحية قد امحت وصارت تاريخاً. ولكن ماذا حدث ؟ لقد صار فولتير في ذمة التاريخ، وزاد توزيع الكتاب المقدس في العالم فولتيريحمل البركة إينما وجد. فمثلاً بنيت الكاتدرائية الإنجليزية في زنبار على موقع سوق العبيد القديم. ووضعت مائدة العشاء الرباني فوق البقعة التي كان العبيد يُجلدون فيها. ولم تمض خمسون سنة على وفاة فولتير استعملت جمعية جنيف للكتاب المقدس مطبعته ومنزله لنشر الكتاب المقدس !!!

وليس فولتير فقط، بل أن خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، قامت حرب شنعاء ضد الكنيسة من العلماء والفلاسفة تؤيد الإلحاد، ولكن خرجت الكنيسة منها ظافرة منتصرة، وسأذكر هنا مثالاً واحداً لعد الإطالة، قيل أن إنجيل يوحنا هو إنجيل متأخر ولم يكتب في القرن الأول كما هو المعروف، ولكن كالعادة أظهرت العناية الإلهية مخطوط جون رايلاند، وهو مكتشف في الفيوم باللغة القبطية وتاريخه يرجع إلى عام 120 م، مما ضحد زعم الزاعمين وأنتصر المسيح كما كان دائماً منتصراً.


المسيح قيام وسقوط للفنانين

المسيح قيام موزار ↑

لقد كان الموسيقار موزار مثالاً للشاب المسيحي التقي الذي مهما ألم به الدهر فإيمانه لا ينقص ولا يتزعزع، وسأقتبس له هذه الرسالة التي حررها بعمر الثانية والعشرين إلى صديقه الأب بولنغر بعد وفاة والدته وفيها يقول: “لقد دعاها الله إليه، لقد أرادها بقربه. وعيت ذلك جيداً وأنحنيت أمام مشيئته. موزارهو الذي أعطتنيها وبإمكانه استعادتها … اعترفت قبل وفاتها بثلاثة أيام وتناولت القربان الأقدس وقبلت سر المسحة. لا أطلب منك الآن كصديق سوى هذه الخدمة أن تساعد والدي المسكين كي يتقبل هذا النبأ الفاجع. فليعطه الله القوة والشجاعة. لا أشعر بمرارة، صديقي العزيز، لأنني حصلت مسبقاً على التعزية. بنعمة خاصة من الله استطعت أن احتمل كل ذلك بشجاعة وتسليم. عندما أتت الساعة طلبت من الله نعمتين: الميتة الصالحة لوالدتي ولي القوة و الشجاعة. والله استجاب طلبي ومنحني هاتين النعمتين بوفرة”

فغذا سألنا أين وجد هذا الشاب ابن الثانية والعشرين ربيعاً، هذه الشجاعة المميزة فالجواب نجده في تقواه الخاترة والعميقة. موزار الذي عمرت حياته بالشجون والمرض، موزار الذي لا يكل عن العمل كان يجد الوقت الكافي لحضور القداس حتى في بحر الإسبوع ، ولا يسعنا أن نقرأ بدون تأثر رسالته المشحونة بالتقوى التي كتبها لوالده بعمر الخامسة والعشرين: “كن مطمئن البال يا والدي الحبيب من جهة خلاص نفسي. إنني إنسان ضعيف كباقي الناس ولكنني أتمني، لتعزيتي، أن يكون الجميع بمثل هذا الضعف. لربما تصدق عني أموراً غير صحيحة ، والسبب الرئيسي أنني لا أجاهر بما يختلج في داخلي كما كان واجباً علىّ. ليس صحيحاً انني أتباهى بأكل اللحم في أيام الصيام … أسمع القداس كل ايام الآحاد والأعياد وفي بعض أيام الأسبوع أيضاً وأنت تعرف ذلك جيداً يا والدي الحبيب”.

وفي رسالة آخرى إلى والده المريض: “بما إن الموت هو الخاتمة الحقيقية والنهائية لحياتنا فقد تآخيت منذ سنتين مع هذا الصديق الحقيقي للإنسان حتى أن صورته لم تعد تخيفني بل أصبحت مصدر سلام وعزاء … لا أنام قبل أن أفكر رغم حداثة سني أنني لن أرى الغد، مع ذلك ليس هناك واحد من أترابي يستطيع القول أنني كئيب حزين في المجتمع، وأشكر خالقي على هذه السعادة كل يوم وأتمناها من كل قلبي لكل إنسان”.


المسيح سقوط ماريا أورسكا ↓

في سنة 1930 حملت الصحافة الأوربية، خبراً مفاده أن الممثلة العالمية الشهيرة (ماريا أورسكا) قد وضعت حداً لحياتها بالانتحار. لقد حصلت على كل ما من شأنه أن يجعل الإنسان سعيداً مع ذلك رفضت الحياة !!

ماريا أورسكاإذاً المسرح والشقة الفخمة والسيارة ورداء الفرو والأسفار وسهرات الليالي ليست هدفاً كافياً للحياة ؟ الظاهر أنه لا.

منذ أن أتى المسيح أرضنا نعلم أن الواجب الرئيسي في الحياة هو إتمام إرادة الله بحياة شريفة كما العمل والقيام بالواجب والتضحية. ليست التسليات سوى استراحة. وحده يعمل لأجل مستقبل البشرية من يساعد الناس المعمية أبصارهم ببهرجات الملاهي العالمية  وألا ينظر إليها بأنها المظاهر المُثلى للفكر البشري وإن هذه الطبقة من الناس التي تعيش في هذا الجو من البذخ لا تنهار فقط أمام عقم حياتها بالذات، بل هي دود ينخر شجرة المجتمع. أنها تنهار من تلقاء نفسها لأن سلم الملذات محدود الدرجات و أن ميزان حرارته يصل سريعاً إلى الغليان تتبعه حالاً النار والحرائق. كما أنها تسبب أيضاً إنهيار المجتمع، لأن ميل الأنانية يطفئ كل محبة وكل إهتمام وكل شفقة تجاه بؤس الآخرين.


الخاتمة

سنة 1931، شاهد سكان مدينة ريو دي جانيرو مشهداً لا مثيل. فوق المدينة يرتفع جبل الكور كوفادو الذي يعلو 900 متراً من سطح البحر. وقد شيدوا طوال سنتين على قمة هذا الجبل تمثالاً جباراً للمسيح يسوع. مساء ذلك اليوم جرى تدشين هذا الأثر بعد التغلب على صعوبات فنية لا حصر لها.

كان  يحيط بالتمثال جمهور غفير قُدر بحوالي مائتي ألف نسمة يتقدمهم الأساقفة ورجال الاكليروس ورجال السياسة والدبلوماسيين. عند إبتداء الحفلة ضغط العالم الإيطالي الشهير ماركوني في روما، أعني على مسافة 8000 كيلو متر على زر كهربائي بسيط و غذ بتمثال المسيح يسبح في موج من النور الساطع وسط هتافات الجمع الذي أخذته الدهشة بسبب هذا المنظر. وكأني بالمسيح المشع نوراً يردد، باسطاً ذراعيه، كلماته الخالدة: “وأنا إذا ما أرتفعت عن الأرض جذبت إلىّ كل أحد: (يو 12 : 32) لقد تعالت تموجات الطاقة الكهربائية فوق البقاع الشاسعة والمحيطات والجبال والوهاد منسلة من المحطة الطليانية على موجات قصيرة وحركت المولد الكهربائي البرازيلي فغرقت تمثال المسيح في دفق من النور.

يدهشنا التفكير بهذا الفتح العلمي الكبير وتلقائياً تطرأ على فكرنا المقارنة: ألا يصل إلينا كذلك شعاع وجه المسيح بعد 21 جيلاً ؟ ما حققه ماركوني هو مأثرة علمية كبرى، أعني إرسال النور على بعد 8000 كيلومتراً لإضاءة تمثال المسيح. ولكن ما هذا بالنسبة للقوة الصادرة عن شخص المسيح الذي بعد ألفي سنة وفي بقاع الأرض البعيدة لا يزال حتى اليوم يرسل قوة تنيرنا وتشددنا على جد السير في خطاه. “تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال و أنا أريحكم” (مت 11 : 29).

كلمات المسيح هذه لا تزال ترن منذ عشرين جيلاً ومليارات الناس من الذين حظوا بنعمة السلام والمصالحة والتعزية يشهدون على صحتها.

 

المراجع

† الكتاب المقدس.

† يسوع المسيح. ابن الله. المعلم الإلهي للمتنيح سيادة المطران تيهامر طوت رئيس اساقفة بودابست، ترجمة الأب نعمة اللع العاقوري.

† هذا إيماني للأب جميل نعمة الله السقلاوي اللعازري.

† دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة بقلم الأب جان كُمبي، دار المشرق – بيروت .

† ثقتي في الكتاب المقدس بقلم جوش مكدويل، ترجمة الدكتور القس منيس عبد النور.

مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.