43- ألم مريم لدى اختفاء يسوع | قصيدة الإنسان – الإله
كتاب قصيدة الإنسان – الإله
ماريا فالتورتا | الإنجيل كما كُشف لي
الجزء الأول
{الحياة الخفية}
43- ألم مريم لدى اختفاء يسوع
22 / 02 / 1944
يقول يسوع:
«محبوبتي الصغيرة، اصبري. فالأمر يتعلّق بشيء آخر. ولنعالج هذا الشيء الآخر لإرضاء مرشدكِ وإتمام العمل. أريد أن يكون العمل منتهياً غداً، أربعاء الرماد. أريدكِ أن تُنهي هذا العمل مُنهَكَة، لأنّني… أريد أن أجعلكِ تتألّمين معي.
لنعد إلى الوراء، إلى الوراء كثيراً. لنعد إلى الهيكل حيث كنتُ في عمر اثنتي عشرة سنة في مناقشة فيه. لنعد حتّى إلى الدروب المؤدّية إلى أورشليم، ومنها إلى الهيكل.
تَرَين ألم مريم حينما اجتَمَعَت جماعات الرجال والنساء ورَأَت أنّني لم أكن مع يوسف. لم تحتدّ وتتّهم عروسها اتّهامات قاسية. كلّ النساء كنّ فعلن ذلك. كنّ فعلنها لأقلّ مِن ذلك أيضاً، ناسيات أنّ الرجل هو ربّ العائلة.
لكنّ الألم الذي ارتسم على وجه مريم قد اخترق قلب يوسف أكثر مِن أيّ اتّهام. فمريم لا تستسلم لمشاهد دراماتيكيّة. نساء أخريات كنّ ستفعلن ذلك مِن أجل أمور أقلّ كثيراً، وذلك للفت الانتباه واستدرار العطف. ولكنّ الألم الذي تحتويه جليّ جدّاً، وكذلك الرعشة التي استولَت عليها، وشحوب وجهها، وعينيها الـمُحملِقَتَين المؤثّرتين أكثر مِن مشهد البكاء والصراخ.
لم تَعُد تشعر بالتعب والجوع، مع أنّ الشّوط كان طويلاً، وكان قد مضى وقت لم تكن قد تناوَلَت خلاله شيئاً! لكنّها تترك كلّ شيء، المنامة التي تهيَّأَت والغذاء الذي سيوزَّع. تعود على أعقابها. إنّه المساء، والليل بدأ يهبط. لا يهمّ، فكلّ خطوة تُدنِيها مِن أورشليم. تُوقِف القوافل والحجاج وتسألهم. وكان يوسف يتبعها ويساعدها. بعد يوم كامل مِن المسير المعاكس، يبدأ البحث القَلِق عَبر المدينة.
أين، أين يمكن أن يكون يسوعها؟ والله يَسمَح بأن لا تعرف أين تبحث عنّي على مدى ساعات طويلة. البحث عن طفل في الهيكل لم يكن له معنى. ماذا يمكن لطفل أن يفعل في الهيكل؟ على الأكثر، لو تاه في المدينة، فستعيده خطواته الصغيرة إلى هنا، إلى الداخل، أمّا صوته المشتكي فكان سينادي أُمّه ويَلفت انتباه الكبار والكَهَنَة، الذين كانوا سيُفكّرون في البحث عن الأهل وفي وضع إعلانات على الأبواب. ولكن لا إعلانات. ولا أحد في المدينة يعرف شيئاً عن هذا الصبيّ. جميل؟ أشقر؟ قويّ؟ ولكن هناك الكثير ممّا يمكن قوله عنه! وهذا قليل جدّاً لإمكانيّة التأكيد: “رأيتُه، كان هنا أو هناك”!
بعد ثلاثة أيّام، وهي تَرمز إلى قلقها المستقبليّ لمدة ثلاثة أيّام، ها هي مريم على وشك أن تَخور قِواها، فتَدخُل الهيكل، وتَقطَع الساحات والردهات. لا شيء. تَركُض الأُمّ المسكينة وتَركُض إلى حيث تَسمَع صوتاً طفوليّاً، ذلك أنّ حتّى الحِملان حين تثغو كانت تبدو لها صوت مَن تبحث عنه. لكنّ يسوع لا يبكي. إنّه يُعَلِّم. ها هي مريم تَسمَع خلف جَمع مِن الرجال الصوت المحبوب يقول: “هذه الحجارة ترتعد…” فَتُحاول شقّ طريق لها عبر الجَّمع، وتنجح أخيراً. ها هو الابن، الذراعان مفتوحتان وهو مُنتَصِب وسط العلماء.
مريم العذراء حَذِرَة ويَقِظَة في العادة، إلّا أن الغَمّ قد أخرَجَها هذه المرة عن تَحفُّظها. تركض باتّجاه ابنها، تُعانِقهُ وهي تَرفَعهُ عن كرسيّه وتَضَعهُ على الأرض. تَصرُخ: “آه! لماذا فَعَلتَ بنا هذا؟ إنّنا منذ ثلاثة أيّام نَغذّ السير في البحث عنكَ. أُمّكَ ماتت مِن الغَمّ وأبوكَ أُنهِكَ مِن التعب. لماذا يا يسوع؟”
لا تسألوا “لماذا” لهذا الذي يعرف. “لماذا” تصرّف بأسلوب معيّن. لا تسألوا الذين لديهم دعوة “لماذا” يَتركون كلّ شيء ويَتبعون صوت الله. لقد كنتُ الحكمة وكنتُ أعرف.
كنتُ “مدعوّاً” لرسالة وكنتُ أُتمّمها. فَفَوق الأب والأُمّ الأرضيَّين هناك الله الأب الإلهيّ. مصالحه تتعدّى مصالحنا، عواطفه تمرّ قبل كلّ ما عداها. ذاك هو ما قُلتُه لوالدتي.
أنهيتُ تعليمي للأحبار بعبرة لمريم، مَلِكة العُلماء. لم تعد تنساها أبداً. الشمس أشرقت مجدداً في قلبها الآن بعدما استعادتني، متواضعاً وطائعاً، إلى جانبها، إلّا أنّ كلماتي قد حُفِظَت بعمق في عقلها.
أيّـام كثيرة مشمسة أو غائمة ستمرّ تحت السماء خلال السنوات الإحدى والعشرين القادمة التي سأقضيها على الأرض. كثير مِن الـمَسرّات وكثير مِن الأحزان والبكاء ستمرّ الواحد تلو الآخر في قلبها خلال الإحدى والعشرين سنة التالية، ولكنّها لم تعد تَسأَل: “لماذا يا بنيّ فعلتَ بنا هذا؟”
تَعلَّموا هذه الأمثولة، أنتم أيضاً أيّها الناس الـمُتَعَجرِفون.
لقد أردتُ أن أُعَلِّم أنا عن الرؤيا وأُنيرها، لأنّكِ لستِ في وَضع يَسمَح بأن تعملي أكثر.»