45- خُلاصة الحياة الخفيّة | قصيدة الإنسان – الإله
كتاب قصيدة الإنسان – الإله
ماريا فالتورتا | الإنجيل كما كُشف لي
الجزء الأول
{الحياة الخفية}
45- خُلاصة الحياة الخفيّة
10 / 06 / 1944
تقول مريم:
«قبل أن ترفعي هذه الدفاتر، سأضم بركتي إليها. والآن إذا أردتِ أن تضيفي قليلاً مِن الصبر، يمكنكِ أن تحصلي على المجموعة الكاملة لحياة يسوع الخاصة. مِن البِشارة حتّى لحظة خروجه مِن الناصرة ليُبشّر بالإنجيل. فليسَت لديكِ الأحاديث فقط، بل إنما كذلك أهم الأحداث التي رافَقَت حياة يسوع العائلية.
السنوات الأولى، الطفولة، الـمُراهَقة وشباب ابني، وكلّ شيء مُحَدَّد بحوادث مُختَصَرة، في إطار حياته التي تَصِفها الأناجيل. فهناك هو المعلم. وهنا هو الإنسان، إنَّه الله الذي تواضَعَ لمحبته للإنسان. ومع ذلك اجتَرَحَ خلالها معجزات مع تَلاشي حياة مشتركة. فَعَلَها بي أنا التي أُحِسُّ نفسي محمولة إلى الكمال بالاحتكاك بالابن الذي تكوَّنَ في أحشائي. فَعَلَها في بيت زكريا بتقديسه المعمدان، بتسهيله وضع أليصابات، وبإعادته النطق والإيمان لزكريا.
فَعَلَها بيوسف حين فَتَحَ روحه على نور حقيقة سامية لدرجة لم يكن ليتمكن مِن إدراكها بوسائله وحدها حتّى ولو كان باراً. وبَعدي، كان يوسف هو الذي ابتَهَجَ بهذا الوابل مِن الخيرات. لاحِظي أية طريق يَسلك في الـمَسلَك الروحيّ منذ اللحظة التي أتى فيها إلى بيتي حتّى الهرب إلى مصر.
في البدء كان مجرد رجل بار في زمنه. ثمّ، وعلى مراحل متتالية أصبَحَ رجل المسيحية البار على الإطلاق. لقد حَصَلَ على الإيمان بالمسيح واستسلَمَ بسكون لهذا الإيمان. فَكِّروا في هذه الجملة في بداية الرحلة مِن الناصرة إلى بيت لحم: “ماذا سنفعل؟” فالرجل يرى الأمور كلّها وفق مخاوفه البشرية وهمومه البشرية. ثمّ يتوصَّل إلى الرجاء.
وفي المغارة قبل ميلاد يسوع يقول: “غداً سيكون كلّ شيء أفضل”. ويسوع الذي قَدِمَ مَنَحَهُ الشجاعة مع هذا الرجاء الذي هو أحد أجمل هِبات الله. وعندما تقدَّسَ باحتكاكه به، انتَقَلَ مِن الرَّجاء إلى الإقدام. لقد كان دائماً يستسلم لقيادتي للإجلال الذي كان يُغذّيه حيالي. وها هو الآن يُمسِك بزمام الأمور المادية وتلك التي في مرتبة أعلى.
وهو الذي كان، كَرَبّ العائلة، يَتَّخذ القرار في حال وجود ظروف خاصة. وليس هذا فقط، إنما في ساعة محنة الهرب، بعد أن أُشبِعَت قداسته خلال تلك الأشهر مِن الاتحاد بالطفل الإلهي، فقد كان هو الذي يُعزّيني في محنتي ويقول لي: “حتّى ولو اضطررنا لأن نفقد كلّ شيء، فسنظل نمتلك دائماً كلّ شيء، لأننا نمتلكه هو”.
يسوع يَجتَرِح معجزاته: يَهِب النّعمة للرُّعاة. فالملاك يذهب إلى حيث يوجد الرّاعي الذي هيَّأه لقاؤه العابر بي لهذه النّعمة، ثمّ يحمله إلى واهِب النِّعم لخلاصه الأبدي. فحيثمّا يَمرّ كان يَجتَرِح المعجزات، في المنفى أو حينما عاد إلى موطنه الصغير، الناصرة. إذ حيثمّا يَتواجَد تنتشر القداسة كبقعة زيت على قطعة قماش، ويكون الهواء مُعَطّراً بالزهور. مَن يدنو منه أو يلمسه، ما لم يكن شيطاناً، كان يتركه وكلّه رغبة في أن يصبح قدّيساً.
حَيثمّا تُوجَد هذه اللّهفة تكون أساس الحياة الأزلية، لأن الذي يريد أن يكون صالحاً يمكنه ذلك، والصلاح يُفضِي عادة إلى ملكوت الله.
ها قد أصبَحَت لديكِ تفاصيل تُوضِّح مختلف المراحل، مراحل الدعوة لإنسانيّة ابني المقدّسة منذ فجر حياته وحتّى غَسَقها. يمكنكِ جمعها لتُشكّل لوحة كاملة (إذا ارتأى مُرشِدكِ ذلك). لقد كان بإمكاننا أن نعطيكِ إيّاها كلّها دفعة واحدة، ولكن العناية الإلهية رأت تَصَرُّفنا بهذا الشكل أفضل، لمصلحتكِ يا نفسي العزيزة، فكلّ البيانات التي أُعطِيَت لكِ كانت تمنحكِ الدواء للجراحات التي عليكِ تَلَقّيها. فلقد أعطيناكِ إيّاها مُسبَقاً لكي لا تُؤخَذي على حين غرّة.
يُقال إنّ لا شيء يحمينا أثناء البَرَد، ولكنّ الأمر ليس كذلك. فالعاصفة تُبرِز الإنسانيّة النائمة تحت المياه الروحيّة، ولكنّها تُعيد أيضاً إلى السطح بذور العقيدة فائقة الطبيعة الواقعة في قلوبكم، والتي تنتظر تماماً ساعة العاصفة هذه لتَبرُز مِن جديد وتقول لكم: “نحن أيضاً هنا. فَكِّروا بنا”. وأكثر من ذلك يا روحي العزيزة، (بشأن ترتيب تَتابُع الرؤى) فقد كانت هناك حكمة عَطوفة، وفي الوقت ذاته احتراس مِن العناية الإلهيّة. إذ كيف كنتِ ستستطيعين وأنتِ مُنهَكَة، مثل الساعة، أن تَحصَلي على بعض الرؤى وتَسمَعي بعض البيانات؟ كنتِ ستُجرَحين منها لدرجة تجعلكِ غير قادرة على إنجاز رسالتكِ “لسان حال”.
فلقد مَنَحناكِ هذه الاتّصالات في البداية لنتحاشى سحق قلبكِ، وقد عملنا ذلك بطيبة. وقد تحاشينا إعطاءكِ الرؤى والمحادثات التي لا تنسجم مع آلامكِ، والتي كان مِن الممكن أن تزيدها حدّة. لسنا قُساة يا ماريا. إنّنا نتصرّف دائماً بأسلوب يؤدّي إلى تعزيتكِ وليس إلى إرعابكِ وزيادة آلامكِ. يكفي أن تَثِقي بنا. يكفي أن تقولي مع يوسف: “لو بقي لي يسوع يبقى لي كلّ شيء”. إنّنا نأتي حتّى مع النِّعم السماويّة لنثبّت روحكِ. أنا لا أعدكِ بِنِعم وتعزية بشريّة. بل أعدكِ بالعزاء نفسه الذي ناله يوسف. عزاء فائق الطبيعة. لأنّ الجميع يعرفون ذلك.
هدايا المجوس تتبخَّر بسرعة البرق بوجود الـمُرابِين الذين يَخنقون اللّاجئ المسكين أثناء البحث عن سقف وعن الحدّ الأدنى مِن المفروشات اللازمة للحياة، وعن الغذاء الذي لا بدّ منه. ولم يكن لنا سوى هذا الـمَورِد في انتظار إيجاد عمل.
الطائفة العبريّة جاهزة دائماً لمساعدة الذين يخصّونها، ولكنّ الطائفة التي التقيناها في مصر كانت في مجملها تتألّف مِن لاجِئين مُضطَهَدين، إذاً فَهُم فقراء مثلنا، نحن الذين أتينا لننضمّ إليهم. لقد أردنا الاحتفاظ بجزء مِن هذا الـمَورِد ليسوع، ليسوعنا البالِغ، وقد استطعنا توفيرها مِن مصاريف السَّكَن في مصر، وَفَّرناها لحين العودة إلى الوطن، وقد كانت بالكاد تكفي لإصلاح البيت والـمَشغَل في الناصرة لدى عودتنا. إنّ الأزمنة تختلف، ولكنّ جَشَع البشر هو ذاته على الدوام، يَغتَنِم شِدَّة الآخرين ليستغلّهم بشكل مُخجِل.
لا. إنّ وجود يسوع معنا لم يُوفّر لنا خيرات ماديّة. كثيرون منكم يُطالِبون بهذه الخيرات عندما يكونون بالكاد متّحدين قليلاً بيسوع. إنّهم ينسون أنّه قال: “ابحَثوا عن الخيرات الروحيّة”. وكلّ ما عداها يأتيكم في أوانه. إنّ الله يَحسب حساب الغذاء للناس كما للطيور، ذلك أنّه يَعلَم أنّكم في حاجة إلى الغذاء، لأنّ نفوسكم في حاجة إلى دعم الجسد الذي يحيط بها. ولكن اطلُبوا منه أوّلاً نِعمته. اطلبوا أوّلاً احتياجات الروح. وكلّ ما سِواها يُعطَى لكم زيادة.
لقد حَصَلَ يوسف بشريّاً مِن اتّحاده بيسوع على مضايقات ومَتاعِب واضطهاد وجوع، ولا شيء سِوى ذلك. ولكن، بما أنّه كان مُتَعلِّقاً بيسوع وحده فقد كان كلّ ذلك يتحوّل إلى سلام روحيّ، إلى فرح فائق الطبيعة. أردتُ أن أُوصِلكم إلى النقطة التي وَصَلَ إليها عروسي عندما قال: “حتّى ولو اضطررنا لأن لا يبقى لدينا شيء، فإنّنا سوف نبقى نمتلك كلّ شيء لأنّنا نمتلك يسوع”.
أعرِف أنّ القلب يتحطّم والروح يتكدّر والحياة تضمحلّ. ولكن يا ماريا!… هل انتماؤكِ هو ليسوع؟ هل تريدين أن تكوني لـه؟ لدرجة أن تموتي كما مات يسوع؟ يا صغيرتي، العزيزة على قلبي كثيراً، ابكي ولكن ظلّي شُجاعة وثابِري. الشهادة ليست في شكل العذاب، إنّما في الجَلَد الذي به يتحمّل الشهيد هذا العذاب. يمكن للشهادة أن تكون بالسلاح، إنّما بالإمكان كذلك أن تكون بألم وجدانيّ إذا كان الهدف الذي نصبو إليه واحداً.
إنّكِ تتحمّلين لأنّ ابني يهبكِ نعمة التَّحمُّل. وكلّ ما تفعلينه فلإخوتكِ تفعلينه مِن أجل حُبّ المسيح الذي يريد مجدهم. هنا تَكمُن شهادتكِ. ظَلّي وفيّة لها. وافِقي على ألّا تريدي فعل كلّ شيء مِن ذاتكِ. فيكفي -إذ إنّ الضغط قويّ جدّاً لتستطيعي أيضاً إيجاد القوّة لتقودي نفسكِ وتسيطري على طبيعتكِ بإيقاف الدموع- يكفي أن تقولي ليسوع: “ساعِدني”. فما لا تستطيعين فِعله، يفعله هو فيكِ. استمرّي فيه. دائماً فيه. لا تُفكّري في الخروج منه حتّى ولو كان الألم، ومهما كان عظيماً، يمنعكِ مِن أن تَري نفسكِ أين أنتِ. فستكونين دوماً في يسوع.
أبارككِ. قولي معي: “المجد للآب والابن والروح القدس”. وليكن هذا نداءكِ على الدوام حتّى اللحظة التي تقولين ذلك في السماء. لتكن نعمة الربّ معكِ دائماً.»
+ نهاية الجزء الأول +
Hi,
Thank you for adding these three chapters. Now as part 1 has finished, when are you planning to upload the other parts? I really wanna read it till the end to discover more about Jesus and Virgin Mary. Thank you
سلام المسيح.. تم اضافة فهرس الجزء الثاني.. الآن سنبدأ بنشر فقرات الجزء الثاني وعند الانتهاء من هذا الجزء سننشر الأجزاء الباقية بنعمة الرب.. شكرا على الأهتمام والمتابعة.. الرب يبارككم
كتاب أكثر من رائع ..انتظر الجزء التانى بفارغ الصبر …فعلا اهم كتاب بعد الانجيل المقدس …اشكر تعب محبتكم