س5 : إذا كانت الكنيسة الكاثوليكية هي كنيسة المسيح كما تؤمنون، فبماذا تفسرون الباباوات الدنيويون، ومحاكم التفتيش الدموية وصكوك الغفران ؟

2٬158

س5 : إذا كانت الكنيسة الكاثوليكية هي كنيسة المسيح كما تؤمنون، فبماذا تفسرون الباباوات الدنيويون، ومحاكم التفتيش الدموية وصكوك الغفران ؟ 

إذا تتبعنا تاريخ الكنيسة الكاثوليكيّة، وبنظرة موضوعيّة، لأدركنا ما اعتراها من قصور، وهذا لا يُقللّ من قدرها شيئًا، فدعونا نحللّ بعضها وبطريقة موضوعيّة، تقوم في الأساس على النّضوج في إطار نمو الكنيسة وتطوّرها، فمثلاً: الباباوات المُلقبون بالدّنيويين في القرون الوسطى – ثلاثة فقط في عددهم – بالتّأكّيد كانوا مذنبين فيما عاشوه من غطرسة وإسراف، ومحسوبيّة، وغيرها من الحماقات والخطايا التي لم تكن تتماشى مع هيبة دعوتهم، إلاَّ أنّهم غير مذنبين، إذ لم  يغيروا أيّ جزء من وديعة الإيمان، فعيوبهم، أيًّا كانت، هي شخصيّة بحتة، لا تزعزع أُسس الإيمان، باعتباره وديعة يتمّ تسليمها من الرّوح القدس للكنيسة، والرّوح عينه، الحال والحاضر في الكنيسة، هو الضّامن الوحيد لنزاهتها وأرثوذكسيتها، إنّه قول الكتاب، أبواب الجحيم لن تقوى عليها.

العصور الوسطىأما من جهة  ما يُعرف تاريخيًّا بمحاكم التّفتيش المُوصوفة بالدّمويّة، فقد بدأت من قبل الحكومات المدنيّة في فرنسا وأسبانيا، بغرض التّحري عن المسلمين واليهود الذين كانوا يسببون الفوضى الاجتماعيّة من خلال التّنكر في شخصية مواطنين مؤمنين كاثوليك، إلاَّ بلغ هذا التّخفيّ في شخصيات الكهنة والأساقفة، لذلك تمت الموافقة من قبل الكنيسة الكاثوليكيّة بحجة تتبع هؤلاء المُغرضين ووقفهم للحفاظ على كيان الكنيسة الكاثوليكيّة. وجدير بالذّكر أن غير الكاثوليك، الَّذين أعترفوا بأنّهم غير كاثوليك، أيّ منتحلين للكثلكة، أطلقتهم  محاكم التّفتيش أحرارًا، وذلك بضغط من الكنيسة نفسها، وكانوا هؤلاء الغالبية العظمى من الذين شملتهم تحقيقات محاكم التفتيش، بما في ذلك القديسة تريزا الأفيليّة. ثمَّ  تجدّد دور الباباوات حيث أدانوا وبشدة كافّة الإجراءات التفتيشيّة، وذلك عندما رأوا أن العدالة أفسحت المجال لانتهاكات قاسيّة، إلى أن وصلت الكنيسة وعلى رأسها باباوتها بوضع نهاية لهذه الإنتهاكات، بأن وضعوا حدًا وأقفوا نهائيًّا محاكم التّفتيش.

فيما يخصّ اختراع ما يُسمّى بنظريات “مستحدثة”، والذي يشير إلى إعلان الكنيسة عقائد جديدة، هي تهمة سخيفة لا أساس لها من الصّحة، لأن تلك العقائد المُسماة “جديدة” كانت في الواقع عقائد قديمة تعود إلى بداية المسيحيّة، فكان لازامًا على الكنيسة أن تؤكّد عليها وعلى أهمّيتها للإيمان بها، كما أكّدت على أنها في الحقيقة جزء لا يتجزّأ من الوحيّ الإلهيّ الأصيل. إنّ مهمة الكنيسة هي المحافظة على وديعة الإيمان وذلك من خلال تحديده وصياغته، وتتبع الكنيسة الكاثوليكيّة نفس الإجراء عندما حدّدت في القرن الرّابع الميلاديّ قانونيّة كتب العهد الجديد. وبالتّالي يتّضح لنا أن الكنيسة الكاثوليكيّة لم تعش في الضّلال خلال العصور الوسطى، كما يزعم البعض جهلاً. فكيف يكون هذا الادعاء، والكنيسة مليئة بقديسيها بفضل الرّوح القدس الضّامن سلامتها ونزاهة تعليمها، والمنعش لكيانها الأصيل! حيث نجد في هذه الفترة المئات من القديسين مثل: القديس فرنسيس الأسيزيّ، والقديس برنارد، والقديس بونافنتورا، والقديسة كيلارا، والقديس أنطونيوس البدوانيّ ، والقديس يوحنّا للصليب، والقديس توما الإكوينيّ، والقديسة إليزابيث، والقديس فنسنت فيرير، والذي أجرى المعجزات ما يقدر بنحو 40000… إلخ

بالنسبة لصكوك الغفران، نقتبس لكم من كتيب للأستاذ نجاح زكي ما يخص الاجابة على هذا السؤال:

صكوك الغفران والأعمال الصالحة وجمع الأموال في أيام الإصلاح :

1- لقد انتشر مفهوم الغفران بطريقة واسعة من القرن 14  إلى القرن 16 وأخذ طابعاً جديداً ألا وهو  “امكانية الحصول على الغفرانات بواسطة الأموال” والقيام بأعمال تخدم الكنيسة  : فكان الكاهن يعطي للتائب كفارة يقول له : تبرع  لبناء الكنائس في المقام الأول حيث أنه بيت الرب وبناء كل ما يخدم الفقراء والمرضى والمحتاجين مثل بناء الملاجئ ودار الرعاية والمستشفيات والمدارس وكانت كل هذه المؤسسات مجانية لجميع أبناء  الشعب . وكان من الطبيعي أن يقوم التائب بعمل تبرع ما في هذا الاتجاه ومن هنا نعرف كيف بدأ عصر صكوك الغفران وكيف بدأ بعض التضليل من قبل بعض المنحرفين والطماعين تجاه التائبين واستغلال موقفهم الخجول أمام  الناس والخوف من نار جهنم لأنهم ارتكبوا الكبائر  ومن هنا ظهرت أمور مخجلة من البعض والبعض القليل وليس على المسئولين الكنسيين أي ذنب أو دور في هذا وأصبحت تجارة رابحة لهؤلاء المنحرفين .

2- وهنا لنا وفقة مع أنفسنا ولا نخاف من إظهار الحقيقة المرة  ألا وهي خطأ رجال الكنيسة في تلك الفترة من أباء وأساقفة ومطارنة ورؤساء أديرة وهيئات أخرى التي لم تعلم الشعب ما هو الفرق بين “الغفران” وبين “القصاص” ولذلك كان الجميع يعتقد أنه بمجرد دفع المبلغ المطلوب تغفر له خطاياه فوراً ومن هنا ظهر ” الشحاتون ” Quaestores : وهؤلاء كانوا يستجدون من الناس نظير المغفرة وكان هذا الأمر مقابل “صك” أو ما يسمى بالوصل أو الشيك  وكان مدة الغفران بقدر ما يدفعه التائب وهنا ظهر  أمر في غاية الخطورة ألا وهو أن الندامة غير ضرورية والمثول أمام الله أصبح أمراً ثانوياً وغير  ضروري ايضاً .

3- فقد الغفران قيمته الحقيقية وأصبحت الأموال سبباً في التجاوزات المستمرة والتعسف مما جعل الأمر  تجارة رابحة وابتعد الناس عن المشاركة الفعالة في حياة التوبة وحياة القداسة وصار الجهل هو سيد الموقف .

4- أخذ هذا الأمر أبعاداً في منتهى الخطورة عندما ظهرت “وثائق بابوية مزورة”  لجمع أكبر قدر من الأموال تدعو الناس إلى التبرع نظير” غفرانات جديدة ومكانة رفيعة المستوى عند الله”  .

5- وصل الأمر لذروته عندما طالب الأمراء والنبلاء بحصتهم في هذه الأموال التي تجمع في حدود امارتهم.

أبعاد هذه التصرفات في الوسط الاجتماعي و الكنسي

1- أخذت هذه الأمور أبعاداً اجتماعية خطيرة جداً إذ قد صارت الغفرانات مدفوعة الأجر اجبارية   وصارت كالمرض السرطاني الغير قابل للشفاء وأصبح الإنسان الغير متجاوب مع هذا الأمر “مسيحي شرير” وخاطئ صلب الرأي وليس لديه تواضع كاف حتى يكفر عن ذنوبه !! هكذا حاد الجميع عن الطريق الصحيح وأصبحت الخطيئة أمراً سهلاً يمكن للإنسان فعلها وبالتالي يمكن دفع ثمنها كما يقول المثل المصري : إللي تعرف ديته ، أقتله !!

2- كانت البابوية مدركة تماماً مدى العثرات الناتجة عن هذه الأمور وحاولت في مناسبات عديدة وضع حد لهذه المشكلة عندما ظهرت في حالتها الأولى وخاصة عندما استفحلت في 1515 عندما  ظهر ” مارتن اوثر ” الراهب الأوغسطيني ” إبن البيت !!!  وحدثت مواجهة بين الاصلاحيين والمنتفعين بالأموال! ولكن الإجراءات التي اتخذت لم تكن كافية لمواجهة هذا الإنهيار الذي أخذ أبعاداً شخصية وأنتهازية و “تدميرية” لأن مارتن لوثر أسند سبب هذه الكارثة إلى مزاولة الأسرار ووجود الكهنوت وعندما تم حرمانه من  البابا  ألغى كل ما له سلطة بالكنيسة !!!! وهنا كان لا بد من الانفصال عن الكنيسة وبالتالي  ظهور  الطائفة “البروتستانتية” كطائفة تسمى نفسها إصلاحية ولكنها في واقع الأمر مدمرة لجسد المسيح  السري ! وأكبر دليل على ذلك أنه كان يمكنه الإستقلال عن السلطة الكنسية بدون التخلي عن الأسرار المقدسة التي تفوه بها الرب يسوع كما فعلت الكنيسة ” الأنجليكانية في إنجلترا ” !!!! على عكس ما قام به القديس فرنسيس الاسيزي الذى أخذ دعوة إصلاح الكنيسة من يسوع شخصياً عندما ظهر له وقال له : ” فرنسيس أصلح كنيستى ” ، فلبى فرنسيس الدعوة واصلح الكنيسة من الداخل دون تدمير .

3- لم يكن مارتن لوثر هو الوحيد الذي كان معترضاً على هذه الأمور ولكن أيضاً الكثير من الشعراء والكتاب المستنيرين مثل الشاعر الإيطالي  Michelangelo Buonarotti . وللعلم ، فإن الغفرانات لم تكن هي  السبب الرئيسي في هذه الإنقسامات ولكن كانت هناك عوامل إخرى كثيرة شجعت على هذه الكارثة.

إلغاء صكوك الغفران ( مجمع ترنتو 1530-1545 )Concilio di Trento

أصدر مجمع ترنتو قرارات صارمة لإنهاء هذه التجاوزات وألغى ” المتسولين ” وجامعي الأموال من أجل الغفران وتم اسناد نشر هذه القرارات للأساقفة ولعضوين من أعضاء المجمع ويكونان مكلفين من المجمع شخصياً في استلام العشور من الناس التي تريد الدفع وليس له أي علاقة بالغفرانات بل هو مجرد دفع تطوعي عملاً بالآية : هاتوا العشور وجربوني يقول الرب ”  وعدم تكليف أي خاطئ بدفع أي مبالغ مهما كانت ضئيلة .

وبداية من القرن السادس عشر وحتى يومنا هذا أصبح طريق الغفران سهلاً جداً ووفقاً لنصوص الكتاب المقدس وتعاليمه وكذلك تعاليم الكنيسة المقدسة . وأصبح معنى الغفران هو :” محو الأفعال السلبية للخطيئة بشرط الإعتراف الكامل والندامة التامة والقصد بعدم الرجوع للخطيئة وتغيير الحياة الخاصة والتقوية في الإيمان مستبعداً تماماً كل الشرور الداخلية مع نظافة القلب والضمير.


ترجمة بتصرف اسرة القديس توما الاكويني، أضغط  للذهاب إلى قسم كتاب الكنيسة الكاثوليكية لديها الجواب
مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.