عقيدة الثالوث الاقدس
عقيدة الثالوث الأقدس هي إيمان بإله واحد له ذات واحدة. وهذه الذات تتمتع بالنطق والحياة. وبدون النطق يكون إلهًا أعجميًا مجردًا من العقل والنطق، ومن ثِمَّ لا يمكن أن يكون خالقًا للوجود ولا يصح أن يكون إلهًا. وبدون الروح وهو تيار الحياة فيه يكون إلهًا ميتًا ومن ثَمَّ لا يكون إلهًا!
إذًا الله إله واحد ثالوث. واحد في ذاته، ثالوث في خصائص كيانه؛ الوجود والنطق والحياة. الوجود بالذات والنطق بالكلمة والحياة بالروح. والذات هي ذات الله والكلمة هو كلمة الله والروح القدس ينبثق من ذاته القدسية لذلك يسمى روح القدس. وهي جواهر أساسية بدونها لا يتقوم كيان الذات الإلهية.
إنّ مبدأ الثالوث الأقدس هو أحد المبادئ الأساسية للإيمان المسيحي. الله جوهر واحد غير مُقسّم وأقدس في ثلاثة أقانيم/أشخاص متميّزين: الله الآب، كلمته/حكمته (الله الإبن)، وروحه القدوس (الله الروح القدس). الله قائم بذاته، عاقل/ناطق بحكمته/كلمته، وحي بروحه. من أوجه اختلاف الطبيعة البشرية المخلوقة عن الطبيعة الإلهية الغير مخلوقة الفريدة من نوعها، أن الطبيعة البشرية واحدة لكنها ليست فريدة من نوعها نظرا لأنها تتكاثر في كل مرة يولد إنسان جديد. الثالوث الأقدس أزلي أبدي موجود قبل خلق الكون بأزمان طويلة. ليس له بداية وليس له نهاية. لم يحدث على الأطلاق في أي زمن أن الله الآب وُجد بدون كلمته/حكمته (إبنه) أو بدون روحه القدوس. كلمات، الآب، الابن، الروح القدس، والولادة، تُستخدم بطريقة رمزية مجازية للتعبير عن حقائق لاهوتية أزلية أبدية بواسطة اللغات البشرية القاصرة حتى يستوعبها عقل الأنسان المحدود. يشبه هذا أب بشري يستخدم لغة بسيطة عندما يحاول شرح موضوع صعب لأبنه.
ماذا يتضمن تعليم التوحيد و التثليث معًا؟
إن تعليم التوحيد والتلثيث معًا يتضمن ما يلي:
1- وحدانية الله
2- لاهوت الآب والابن و الروح القدس
3- أن الآب والابن والروح القدس، أقانيم ممتازون الواحد عن الآخر
4- أنهم واحد في الجوهر متساوون في القدرة والمجد
5- أن بين أقانيم الثالوث الأقدس تمييزًا في الوظائف والعمل، لأن الكتاب المقدس يعلم أن الآب يرسل الابن، وأن الآب والابن يرسلان الروح القدس، ولم يذكر قط أن الابن يرسل الآب، ولا أن الروح القدس يرسل الآب، أو الابن مع أن الآب والابن الروح القدس واحد في الجوهر، ومتساوون في القدرة والمجد.
6- أن بعض أعمال اللاهوت تُنسب على الخصوص إلى الآب، وغيرها إلى الابن وأخرى إلى الروح القدس، مثال ذلك ما قيل أن الآب يختار ويدعو، وأن الابن يفدي، وأن الروح القدس يقدس ويجدد.
8- تنسب بعض الصفات إلى أقنوم من الثالوث دون الآخرين، كالأبوة إلى الآب والبنوة إلى الابن، والانبثاق إلى الروح القدس
فإن قيل أن هذا التعليم فوق إدراكنا، قلنا ذلك لا يفسده، كما أنه لا يفسد ما شاكلة من الحقائق العلمية والدينية. وإن قيل أن جوهرًا واحد ذا ثلاثة أقانيم محال، قلنا تلك دعوى بلا برهان، وأن عقولنا القاصرة لم تخلق مقياسًا للممكن، وغير الممكن، مما فوق إدراكها.
ومما ينبغي أن يعلم هو أننا لا نعتقد أن الله ثلاثة أقانيم بنفس معنى القول أنه جوهر واحد، لأن لفظ أقنوم ليست بمعنى لفظ جوهر. غير أننا نُسلم بأننا لا نقدر أن نوضح بالتفصيل كل المقصود في لفظ أقنوم ولا حقيقة النسبة التي بين الأقنوم والجوهر. وعجزنا هذا غير مقصور على تعليم التثليث، لأن جل ما نعرفه عن جميع الأمور المادية والروحية ليس هو إدراك الجوهر بل معرفة صفاته وخواصه، ومن باب أولى يصح هذا القول من جهة الله الذي لا نعرف كنه جوهره، ولا أسراره الجوهرية مطلقًا. بل جل ما نعرفه هو صفات ذلك الجوهر الذي نسميه بالروح المجرد. وقد اعترض البعض على أن التثليث يستلزم انقسام جوهر الله إلى ثلاثة أقسام هو قول باطل، لأنه ناشئ عن تصور جوهر الله على أنه مادي، وله صفات مادية، وأما الروح فلا يقبل الانقسام مطلقًا. ولما كان العقل البشري عاجزًا عن إدراك جوهر الله، كان حكمنا باستحالة كونه في ثلاثة أقانيم باطلًا، لأننا نكون قد حكمنا بما هو فوق إدراكنا، وخارج عن دائرة معرفتنا.
أدرك القديس أوغسطينوس أنّ الله ترك آثارا وعلامات ثلاثية في كل مكان حولنا. الأمثلة على ذلك تكثر. تتألف الشمس من مادتها/جسمها، وهجها/ضوئها، وحرارتها. تتكون الشجرة من جذرها، فروعها/ساقها، وثمارها. عند النقطة الثلاثية للماء (في علم الطبيعة)، يوجد الماء بشكل سائل، وغاز (بخار)، وثلج في آن واحد. يتكون الكون المرئي من الفضاء، والمادة/ الطاقة، والزمن. يتطلّب الفعل الإنساني للفهم العقل، مواضيع الفهم، والإدراك/الفهم. يتطلّب الحبّ مُحبّا، محبوبا، وعاطفة الحبّ التي تضم الثلاثة في واحد. كما أن الله مثلث الأقانيم: عقل، وكلمة/حكمة، وروح في واحد. الإنسان الذي خُلِق علي صورة الله (تكوين 1: 26-27) يتكون من عقل، وفكر (كلمة)، وروح متحدين في إنسان واحد. الفكر (الكلمة) مُنجبة/مولودة من عقل الإنسان، وروحه منبثقة منه. على نفس النمط، الإبن مُنجب/مولود من الله الأبّ، والروح القدس منبثق من الآب. نرى في كلّ هذه الأمثلة وحدة ومساواة وتمييز. رغم أنّ في هذه الأمثلة المساعدة تشابه، وإشارة وإيحاء إلى الثالوث الأقدس، هي ليست كاملة التشابه.
وهكذا، فإن الكون الذي قد خلقه الله يشهد ويؤكد طبيعة خالقه المثلثة، التي هي التعبير الكامل عن كيانه. بينما تنتشر في الطبيعة المخلوقة أمثلة عن وحدة الثالوث الأقدس، لا يمكن العثور على أي كائن طبيعي مخلوق ذي وحدة غير متميزة مثل الإله الوحيد الشخصية.
إنّ تعليم الكتاب المقدّس عن الثالوث الأقدس مؤسس في العهد القديم (التوراة):
تكلّم السيد المسيح، المخلص المنتظر الموعود، خلال إشعياء النبي قبل تجسده وولادته من مريم العذراء بحوالي سبعمائة سنة قائلا:
“تَقَدَّمُوا إِلَيَّ (ألإبن). إسْمَعُوا هَذَا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ (ألآب) أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ (ألروح القدس)” (إشعياء 48: 16؛ 42: 1)؛ “رُوحُ (ألروح القدس) السَّيِّدِ الرَّبِّ (ألآب) عَلَيَّ (ألإبن) لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ. أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ” (إشعياء 61: 1؛ 63: 7-10).
في كلتا الآيتين، “السيد الرب” هو الله الأب، وروح السيد الرب هو الروح القدس. ظهر الرب لإبراهيم في هيئة ثلاثة رجال تكلّموا معه كواحد؛ وعبد إبراهيم الواحد (تكوين 18: 1-5، 9-19). لقد عاش إبراهيم حوالي 2000 سنة قبل المسيح. تمجّد الملائكة الله في ملكوت السموات بترتيل ترنيمة الثلاث تقديسات: “قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ” (إشعياء 6: 3؛ رُؤْيَا 4: 8).
العهد الجديد (الإنجيل، إلخ) يوضّح ويؤكّد مبدأ الثالوث الأقدس. يؤكّد ألوهية ووحدة الآبّ، وكلمته (الإبن)، وروحه القدوس، فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ، وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. “فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْك (مريم العذراء) وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ (ألآب) تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ” (لوقا 1: 35). “وَنَزَلَ عَلَيْهِ (يسوع) الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ (الآب) مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ!»” (لوقا 3: 22؛ متى 3: 16-17؛ 17: 2-5؛ أَعْمَالِ الرُّسُلِ 20: 28). تؤكّد الصيغة المختصة بالمعمودية ألوهية، وتمييز، ومساواة، ووحدة الأبّ، والإبن، والروح القدس: “فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ” (متى 28: 19؛ 16: 15-17). الآب، والإبن، والروح القدس كانوا متجلين ومتميّزين في معمودية السيد المسيح (متى 3: 16-17). مباركة القديس بولس الرسول تجمع بالتساوي وبتمييز السيد المسيح (ألإبن)، والله (الآب)، والروح القدس (2 كورنثوس 13: 14). الروح القدس لله الآب يًعلن الإبن: “بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ (ألآب)، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهَذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ” (1 يوحنا 4: 2-3). إنّ الروح القدس هو شخص إلهي في الثالوث الأقدس مُنبثق من الآب ومُرسل من الآب والإبن، كما قال المسيح: “وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي” (يوحنا 15: 26؛ كولوسي 1: 13-16؛ العبرانيين 1: 1-4).