في الحياة الدّاخليّة

1٬046

الفصل الأول

في الحياة الداخليّة

الحياة الداخلية

1 – “إن ملكوت الله في داخلكم” (لوقا 17: 21)، يقول الرب. “تب إلى الرب بكل قلبك” (يوئيل 2: 12)، واترك هذا العالم الشقيّ، فتجد نفسك الراحة.

تعلَّم أن تحتقر الأمور الخارجية، وتنقطع إلى الداخلية، فترى ملكوت الله يحل فيك.

فإنَّ “ملكوت الله سلامٌ وفرحٌ في الروح القدس” (رومانيين 14: 17)، والكفرة لا يمنحونه.

إن أنت أعددت للمسيح في داخلك مقامًا لائقًا، فإنه يأتي إليك ويريك تعزيته.

“جميع مجده وبهائه من الداخل” (مزمور 44: 14)، وهناك مسرته.

يكثر الافتقاد لذي الحياة الداخلية: فيحادثه بعذوبة، ويعزيه بلطف ويفيض فيه سلامًا عظيمًا، ويعامله بألفةٍ عجيبةٍ جدًا.


2 – هيا! هيا! أيتها النفس الأمينة، أعيدي قلبك لهذا العروس، لكي يرتضي أن يجيء إليك، ويسكن فيك.

فإنه هكذا يقول: “إن أحبَّني أحدٌ، يحفظ كلمتي، وإليه نأتي، وعنده نجعل مقامنا” (يوحنا 14: 23).

فأخل المكان إذن للمسيح، وارفض الدخول لكل من سواه.

إن حصلت على المسيح، فأنت غنيٌ، وهو حسبك.

هو عائلك الأمين، يهتم لك بجميع شؤونك، فلا تبقى بك حاجةٌ إلى الاتكال على البشر.

فالناس يتغيرون سريعًا، وبغتةً يتخلون عنك، أما “المسيح، فيدوم إلى الأبد” (يوحنا 12: 34)، ويستمر ثابتًا بقربك حتى المنتهى.


3 – لا ينبغي لك أن تعتمد كثيرًا على إنسانٍ ضعيف مائت – وإن نافعًا لك وعزيزًا عليك – ولا أن تغتم كثيرًا، إذا قاومك أحيانًا أو عاكسك.

من كان اليوم معك، فقد ينقلب غدًا عليك، والعكس بالعكس، فإن الناس كثيرو التقلب كالريح.

ضع ثقتك كلها في الله، وليكن هو خوفك وحبك: هو يدافع عنك، ويفعل حسنًا ما هو الأحسن لك.

“ليس لك ههنا ميدنةٌ باقية” (عبرانيين 13: 14)، وحيثما كنت، فأنت سائحٌ غريب، ولن تحصل أبدًا على الراحة، ما لم تتحد بالمسيح اتحادًا صميمًا.


4 – ما بالك تجيل النظر في ما حولك، وليس هنا مكان راحتك؟

في السماوات يجب أن تكون سكناك، أما الأرضيات جميعها، فينبغي ألاَّ تنظر إليها إلاَّ كعابر سبيل.

كلُّ الأشياء إلى الزَّوال، وأنت أيضًا ستزول معها.

حذار أن تتعلق بها لئلاَّ تصطاد فتهلك.

لتكن أفكارك موجهةً إلى العلى، وتضرعاتك إلى المسيح بلا انقطاع.

إن كنت لا تحسن التأمل في الأمور العميقة والسماوية، فاسترح في آلام المسيح، وأحبب السُّكْنَى في جراحه المقدّسة.

فإنك إن لجأت بتقوى إلى جراح يسوع وسماته الكريمة، شعرت بقوةٍ عظيمة في المضايق، ولم تعد تبالي كثيرًا بازدراء الناس، وهان عليك أن تحتمل كلام المغتابين.


5 – فالمسيح أيضًا قد ازدراه الناس حين كان في العالم؛ وفي أقصى الشدَّة، وما بين التغييرات، تخلَّى عنه معارفه وأصدقاؤه.

المسيح قد أراد أن يتألم ويُزدَرى، وأنت تجسر على التشكي من شيءٍ ما؟

المسيح كان له أضدادٌ وثلاَّبون، وأنت تريد أن يكون لك الجميع أصدقاء ومحسنين؟

بم يكلل صبرك، إن لم يعرض لك أدنى شدَّة؟

وإن لم ترد احتمال معاكسةٍ ما، فكيف تكون صديق المسيح؟

احتمل مع المسيح ومن أجل المسيح، إن شئت أن تملك مع المسيح.


6 – لو ولجت مرةً واحدةً إلى أقصى دواخِل يسوع، وتذوقت شيئًا يسيرًا من حبه المتأجج، إذن لما باليت البتة بما يريحك أو يزعجك، بل بالحري لفرحت باحتمال التعييرات، لأن حب المسيح يحمل الإنسان على احتقار نفسه.

من كان محبًا ليسوع وللحقيقة، وكان حقًا رجل حياة داخلية، طليقًا من الأميال المنحرفة، فإنه يستطيع أن يتجه بحريةٍ إلى الله، ويسمو بالروح فوق نفسه، ويستريح متنعمًا.


7 – من حكم في جميع الأشياء كما هي في ذاتها، لا كما يقال عنها أو يظن فيها، فذاك هو الحكيم حقًا، وعلمه من الله لا من الناس.

من عرف أن يحيا حياة داخلية، ولم يعر الأمور الخارجية كبير اهتمام، فإنه لا يتطلب الأمكنة، ولا ينتظر الأزمنة، ليمارس رياضاته التقوية.

إن رجل الحياة الداخلية يجمع حواسه وأفكاره بسرعة، لأنه لا ينصب أبدًا بجملته على الأمور الخارجية.

لا يعوقه العمل الخارجي، ولا المهام التي تقتضيها الساعة، بل كما تجري الأمور يجاريها.

من كان في داخله حسن الاستعداد، سليم الطَّوية فإنه لا يكترث للحميد أو القبيح من أعمال الناس.

يعاق الإنسان ويتشتت، بمقدار ما يجلب لنفسه من العوائق.


8 – لو كنت على ما ينبغي من الاستقامة والنقاوة، لعاد عليك كل شيء بالخير والفلاح.

إن كان ثمة أمور كثيرة تسوءك وتقلقك، فما ذاك إلاَّ لكونك لم تمت بعد عن نفسك موتًا تامًا، ولم تنفصل عن جميع الأرضيات.

لا شيء يأسر قلب الإنسان ويدنسه، مثل حب الخلائق الفاسد.

إن أبيت التعزية من الخارج، استطعت التأمل في السماويات، وتكاثرت لك البهجة الداخلية.


✞السابق  الفهرس  التالي

مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.