20- مريم ويوسف يَمضِيان إلى أورشليم | قصيدة الإنسان – الإله

1٬156
كتاب قصيدة الإنسان – الإله
ماريا فالتورتا | الإنجيل كما كُشف لي

الجزء الأول
{الحياة الخفية}

20- مريم ويوسف يَمضِيان إلى أورشليم

27 / 03 / 1944

إنّني أُشاهِد لحظة الانطلاق للمضيّ إلى القدّيسة أليصابات. لقد أتى يوسف لأخذ مريم، جالباً معه حِمارَين رماديّين، أحدهما له والآخر لمريم.

كان على أحد الحِمارَين سرج عاديّ وقد أُضيف إليه ترتيب غريب، أدركتُ منه أنّه معدّ لحمل الأمتعة. إنّه عبارة عن حامل للأمتعة أضاف إليه يوسف صندوقاً خشبيّاً: حقيبة كما نسمّيها الآن، حَمَلَها إلى مريم لتضع فيها ملابسها فتحميها مِن المطر. أُحسُّ وكأنّ مريم تشكر يوسف بحرارة على هديّته، وهي تُخرِج كلّ ما كانت قد جهّزته في صرّة لترتّبه فيها.

يُغلِقان باب المنزل وينطلقان… إنّه الفجر، فأنا أرى الشفق يُضفي على الشرق اللون الورديّ.

ما تزال الناصرة نائمة. لم يلتق المسافران الصباحيّان سوى بِراعٍ يدفع أمامه عنزاته التي تخبّ، مُلاصِقة الواحدة للأخرى ومتراصّة في أكثر مِن مَوضِع، حتّى لكأنّ الواحدة تتداخل في الأخرى وهي تثغو. الحِملان أيضاً تثغو أكثر مِن الأخريات بأصواتها الحادّة، لقد كانت تبغي البحث عن الضِّرع الوالديّ. إلّا أنّ الأُمّهات تُسرِع صوب المرعى وتدعوها للخَبّ بثُغائها الأقوى.

تَنظُر مريم وتبتسم بعد أن تتوقّف لتفسح المجال للقطيع ليمرّ، تنحني، وهي على سرجها، لتُداعِب الحيوانات اللطيفة بلمس ظهرها. وعندما يَصِل الراعي، حاملاً بين ذراعيه حَمَلاً وُلِد لتوّه، ويتوقّف ليُلقي التحيّة، تبتسم مريم وهي تُداعِب فم الحَمَل الورديّ الذي يثغو بدون جدوى. تقول مريم: «إنّه يبحث عن أُمّه. ها هي أُمّكَ، إنّها لا تترككَ، لا، يا صغير.» بالفعل فقد كانت الأُمّ تحكّ جسدها بالراعي وتَنتَصِب لتلعق فم وليدها.

يمرّ القطيع مُحدِثاً صوتاً كصوت المطر على الأوراق، مثيراً خلفه الغبار بقوائمه الصغيرة التي تُسرِع وتترك نقشاً مِن آثارها على أرض الدرب.

يُتابِع يوسف ومريم طريقهما. يوسف يرتدي معطفه ومريم تتدثّر بشال مخطَّط، فالصبيحة رطبة.

مع ذلك، ها هما وسط القرية يسيران الواحد إلى جانب الآخر. يتحدّثان قليلاً، فيوسف يفكّر في أعماله، ومريم تتبع خواطرها مُستَغرِقة، تبتسم لها ولما يُحيط بها. تَنظُر إلى يوسف أحياناً وقد ظلَّلَ وجهها وشاح مِن الحزن؛ ثمّ تعود الابتسامة حتّى وهي تنظر إلى عروسها المتيقّظ الذي يتكلّم قليلاً ولا يفتح فمه إلاّ لكي يسأل مريم إذا كانت مرتاحة، أو هي بحاجة إلى شيء ما.

يَظهَر الآن على الطريق أناس آخرون، خاصّة في جوار بعض البلدات أو عند التقاطع. ولكنّهما لا يكترثان للأشخاص الذين يلتقيانهم. إنّهما ماضيان على دابّتيهما اللتين تخبّان محدثتين صوت جَلجَلة قويّ، ولم يقفا إلّا مرة واحدة في ظلّ غابة صغيرة ليأكلا بعض الخبز والزيتون ويشربا مِن نبع تتدفّق المياه فيه مِن مغارة. عليهما التوقّف مرّة أخرى للاحتماء مِن المطر المتساقط بغزارة وعُنف مِن غيمة مُكفهرّة جدّاً.

احتَمَيا في ظلّ رابية، تحت نتوء صخرة تحميهما مِن قطرات المطر الكبيرة. ولكنّ يوسف يُصِرّ بِشِدّة على أن تلبس مريم معطفه الصوفيّ غير النَّفوذ، حيث يسيل الماء عليه دون أن يبلّلها. وكان لا بدّ لمريم مِن أن تتنازل أمام إصرار عروسها الذي، لكي يُطَمئِنها على مصيره، يضع على رأسه وكتفيه غطاء رماديّاً كان على السرج، وهو على الأرجح، غطاء الحمار. تُشبه مريم الآن أخاً صغيراً، بالقبّعة التي تحيط بوجهها والمعطف الكستنائي الـمُحكَم عند الرقبة والذي يغلّفها بالكامل.

يتوقّف المطر الغزير ليبدأ رذاذ مُزعِج. ويُتابِع الإثنان مسيرهما على الطريق التي أصبَحَت مُوحِلة. ولكنّه الربيع، وبعد برهة تبدأ الشمس بجعل الدرب أسهل. والمطيّتان تركضان الآن بنشاط أكثر على الطريق.

لم أعد أرى شيئاً لأنّ الرؤيا تتوقّف هنا.


كتاب قصيدة الإنسان – الإله
ماريا فالتورتا
 →  السابق       البداية       التالي  ← 
مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.