9- حقائق أساسية عن تكريم مريم
حقائق أساسية عن تكريم مريم
بعدَ الكلام عن ضرورة التكريم للعذراء الطوباوية علينا أن نرى ماهيتَه
1- يسوع المسيح هو الغايةُ الأخيرة من تكريم مريم.
الحقيقةُ الأولى. يجب أن يكونَ يسوعُ مخلصُنا، الالهَ الحق والانسانَ الحق، هو غاية كلِ تقوانا وإكرامِنا، وإلا فهي كاذبةٌ وخدّاعة، لأن يسوعَ المسيح هو الألف والياء (رؤيا 1: 8). هو بدءُ وختامُ كل الأشياء، وما عملُنا إلا، كما يقولُ الرسول، لكي نجعلَ كلَّ واحدٍ كاملاً في يسوع المسيح، لأن فيه وحده فقط يوجد ملءُ اللاهوت، وجميعُ النعم الأخرى والفضائل والكمالات. به وحده قد تباركنا بكل بركةٍ روحيّة. هو معلمُنا الأوحد الذي يجب أن يعلّمنا، وهو السيدُ الوحيد الذي له وحده يجب أن نخضعَ بما أنّه رأسُنا، وعلينا أن نكونَ متحدين به، والمثالُ الأوحد الذي يجب أن نصوّرَ حسبه، والطبيبُ الأوحد الذي يشفي أمراضنا، والراعي الذي يجبُ أن يغذينا، والطريقُ الوحيدُ الذي يرشدُنا، وحقيقتُنا الوحيدة التي يجب أن نؤمن بها، وحياتُنا التي تُحيينا. فهو كلُ شيءٍ لنا، ويجبُ أن يكفينا. ولم يُعطَ تحت السماءِ اسم آخر قط، إلا إسم يسوع، به نقدر ان نخلص، اسم يضع الله فوقه أساساً لنا، وكل بنايةٍ غير مرتكزة على هذه الحجرة الراسخة، هي موضوعة على رمل متحرك، تسقط أكيداً، عاجلاً أم آجلاً. وكل مؤمن ليس متحداً به كاتحادِ الغصنِ بجذعِ الكرمة، ييبسُ ويسقط، ولا يصلحُ إلَّا أن يُلقى في النار. وخارجاً عنه لا يوجدُ إلا كذب وإثم وبطلان وموت. ولكن إن كنا في المسيح، والمسيح فينا، فلا نخافُ الهلاكَ. ولا أيضاً ملائكةُ السماء، ولا بشرُ الأرض ولا شياطينُ الجحيم، ولا اية خليقةٍ يمكنُها أن تضرَنا، لأنها لا تقوى على فصلنا عن محبة الله التي هي في المسيح يسوع. فبواسطتِه، ومعه وفيه نقوى على كل شيءٍ، ونقدمُ كلَ عبادةٍ ومجد للاب باتحاد الروحِ القدس ونصبحُ كاملين، ونعطي رائحة طيبة لقريبنا للحياة الأبدية (2كور 2: 15–16).
وإذا ما نحن نثبتُ أساساً قوياً لتكريم مريم، فما ذلك إلا لكي نوطّدَ بنوع اكمل العبادةَ ليسوع المسيح، ولنعطيَ واسطةً سهلة وأكيدةً لنجدَ يسوع المسيح، واما إذا ما يبعدنا إكرامُناً لمريم عن يسوع، فنلقيه بعيداً كخدعةٍ شيطانية، بينما هو بالعكس، لذا ليس هذا الإكرامُ ضرورياً لنا لأنه يجعلُنا أن نجدَ يسوع بنوع أكمل ونحبَه بحنوٍ أكثر ونخدمَه بأمانةٍ أعظم. واسمح لي يا يسوع الحلو لحظةً لأتشكَّى بحب أمامَ جلالِك الالهي فأقول بأن اغلبَ المسيحيين وحتى ما بين الأكثر فاهمين، لا يعونَ الرباطَ الضروري بينك وبين أُمك القديسة.
إنك يا ربُ دوماً مع مريم، ومريم هي دوماً معك، ولا تقدر أن تكونَ بدونك، وإلَّا لكانت تبطل أن تكون هي عليه، وقد حولّتها نعمتُك حتى إنها ليست بعد هي حية، ولكن أنت حيٌ فيها وتمتلكُها بجملتها، أسمى مما في كل الملائكة والطوباويين.
آه لو عرفَ الناسُ، المجدَ والمحبةَ التي تنالُها من هذه الخليقة العجيبة، لكانت تختلفُ شعائرهُم كلياً عنكما. إن اتحادكما هو كذا وثيقٌ، حتى إنه لأسهل فصل جميع الملائكة والقديسين عنك، أحرى من عزلِ مريم المباركة، لا بل لأسهل فصلُ النور عن الشمس، والحرارةِ عن النار، من فصلها عنك، فهي تحبك بشوقٍ اعظم، وتمجدك بنوع أكمل من سائرِ الخلائق معاً.
إنه لأمرٌ مدهشٌ ومؤسفٌ، يا يسوع الحبيب رؤيةُ جهل وظلام بعض الناس لأمك مريم، ولا أقول هذا عن الوثنيين الذين لا يعرفونك، ولا يهمُهم ان يعرفوها، ولا ايضاً عن الهراطقة والمنشقّين، الذين لا يُبالون بإكرامها، اذ قد انفصلوا عنك وعن كنيستك، ولكني أتكلم عن المسيحيين الكاثوليك وحتى عن العلماء الذين بينهم، ويريدون ان يعلّموا الحقائقَ للآخرين، ولا يعرفونَك لا أنت ولا أُمَك المباركة، إلا بنوعٍ نظري ويابس وعقيم فهؤلاء لا يتكلمون عن أُمك الطوباوية إلا نادراً، ولا أيضاً عن إكرامِها، خوفَ، كما يقولون إساءةِ استعمالِه أو إهانتِك بذلك، وإذا ما رأوا احداً أو سمعوه يكرمُها برقةٍ وقوة واقناع، ويؤكّد على تكريمها كواسطة أكيدة، وكطريقٍ أمين، وكامل، وكسّرٍ عجيب للاتحاد بك ومحبتك بنوع أكمل، يصرخون ضده، مقدمين له ألفَ سببٍ مغلوط ليُقنعوه بعدم الكلام عنها، لأنه سوءُ استعمالٍ كبير حسبهم، ويحرصون على إبعاده عن التكلم عنها، والاقتصار عليك وحدك، رغم ادعائِهم الأفلج بمحبتها.
نسمعُ هؤلاءِ أحياناً يتكلمون عن التكريم لأمك، ولكن ليس لمدحه وتوطيده بين الناس، بل لهدمه، كسوء استعمال، يزعمون. وإذ ليس لهم محبةٌ لك ولا عبادةٌ، طالما لا يكرمون أُمك، ينظرون إلى سبحة الوردية والثوب المقدس، كممارساتٍ نسائية لائقة بالسُذَّج والجهّال، ويمكنُ الخلاصُ بدونها. وإذا أتاهم أحدٌ يكرمها بتلاوة سبحتها أو بإكرامٍ آخر لها، سرعان ما يغيّرون عقله وقلبه، ويشيرون عليه بأن يتلو المزامير السبعة بدَلَ الورديةِ، وعوض إكرامها يقدّمون التعبدَ لك.
آه يا يسوع الحلو، هل إنَّ روحَك هو في هؤلاء؟ هل إنهمُ يفرحونك بهذا العمل؟ هل يروقون لك، لأنهم لا يبذلون وُسَعهم في جعل أُمِك فرحةً، خوفَ إهانتك؟ هل يُعيقُ تكريمُ أمِك، العبادةَ لك؟ هل تنسبُ أُمك لذاتها الاكرامَ المقدم لها؟ هل هي غريبة عنك ولا رابطة لها بك؟ هل بتفريحِها تُجرَحُ أنتَ وتُهان؟ وهل في تخصيص الذاتِ لها ومحبتِها ينفصلُ المرءُ عنك ويبتعدُ عن محبتك؟
لو كان الأمرُ هكذا حقاً يا معلمي الحبيب، لما ابتعدَ أغلب العلماء عن إكرام امك، قصاصاً لكبريائهم، ولما صاروا غيرَ مبالين. الا احفظني يا رب واحرسني من شعورهم هذا ومن ممارستهم، وهَبني معرفةَ الجميل والاكرامَ والتقديرَ والمحبة التي لك نحو أمِك الطوباوية، لأحبَك وأمجدَك على قدر ما أقتدي بك واتبعَك عن كثَب.
وكأني لم أقل حتى الآن شيئاً في إكرام أُمِك المباركة، الا امنحني النعمةَ لأمدحَها بنوع لائق، رغم أعدائي الكثيرين الذين هم اعداؤك أيضاً، فأقول لهم بصوت عالٍ مع القديسين: «لا يظنُ أحدٌ أن الله يرحم ذاك الذي يهينُ أمَه القديسة».
ولكي أحصل من جودتك على تكريمٍ حقيقي للأم القديسة، لأنشرَه في الأرض كلِها، دعني أحبُك بحرارة، وأقبل هذه الصلاة الملتهبة التي أصليها لك مع القديس اوغسطينوس، وأصدقائك الحقيقيين فأقول: «أنت هو المسيح، أبي القدوس، الهي الرحوم، ملكي العظيم، راعيّ الصالح، معلمي الوحيد، مساعدي الأمين، حبيبي الأجمل، خبزي الحي، كاهني الابدي، مرشدي نحو الوطن، نوري الحقيقي، حلاوتي المقدسة، طريقي المستقيم، حكمتي المنيرة، بساطتي الطاهرة، طمأنينتي الهادئة، حراستي الكاملة إرثي الثمين وخلاصي الدائم».
«يا يسوع المسيح، أيها الربُ الحبيب، ما بالي رغبتُ واشتقتُ في حياتي الى آخرَ سواك؟ أين كنت عندما لم أكن أفكّر فيك؟ إتّقدي يا أشواقي، أقلَّهُ منذ الآن، وصُبي في الرب يسوع. إجري، فانك لمتأخرةٌ، أسرعي لتبلُغي الهدف، فتّشي عن الذي تشتاقين إليه. ليكن مبسَلا من لا يحبك يا يسوع، وليمتلئ حرارةً من لا يتلهف إليك. ليحبَك يا يسوع الحلو وليتلذذَ بك وينذهلَ امامك كلُ شعورٍ طيبٍ لائقٍ بمديحك.
آه يا إلهَ قلبي وإرثي، أيها الرب يسوع، ليشده عقلي واحيا انت فيّ، وليضطرم جمرُ محبتك الملتهب في روحي، ويتقد بسعير كامل. وليضئ دوماً في هيكل قلبي ويلتهب في أعصابي، ويحترق في حنايا نفسي إلى يوم الممات عندما احضُر أمامك في محبتك، آمين».