مقدمة وفهرس أسفار كتاب الاقتداء بالمسيح

2٬138

الاقتداء بالمسيح

تصدير

لقد كثر في عصرنا إقبال الإكليريكيّين والمؤمنين أنفسهم على العمل الرسوليّ، لبنيان جسد المسيح السرّيّ أي كنيسة الله. واندفع كثيرون منهم في هذا التيار بافراطٍ باتَ يُخشى معهُ على حياتهم الروحيّة الداخليّة وعلى فاعليّة رسالتهم عينها. ولا تزال الكنيسة نفسها ومعلّمو الحياة الروحيّة يحذّرون من خطر سمَّوه “هرطقة العمل”، ويدعون كلّ من يزاول العمل الرسوليّ إلى صيانة حياته الداخليّة أوّلاً، باتّخاذ الوسائل التقليديّة في الكنيسة لممارسة “حياة مستترة مع المسيح في الله”. وليس لهذا الغرض وسيلة أفعل في النفس من مطالعة الكتب الروحيّة التي تدعو إلى الحياة الداخليّة، وأشهرها كتاب “الاقتداء بالمسيح” الذي لا يحتاج إلى تعريف.

فلذلك ما حدا أحد المرسلين البولسيّين إلى إخراج ترجمة جديدة لهذا الكتاب النفيس في قالب أنيق أقرب ما يكون إلى النصّ اللاتينيّ الأصليّ وأنفذ ما يبلغ إلى صميم النفس التقيّة العابدة. وإذا هو كتيّب جميل الطبع لطيف الحجم يدخل في كلّ جيب، ويطالَع في كلّ آن، ويتغلغل في كلّ نفس، لأنّه جُعل بظرفه وأسلوبه وضآلة ثمنه في متناول الجميع.

فليجزل الله أَجر ناشريه، ويُنلهم غاية مبتغاهم، لمجده تعالى وتقديس النفوس العاملة وفائدة المؤمنين وبنيان كنيسة الله. ذلك أحرُّ دُعائي وأسمى مبتغاي.

صاحب السيادة
المطران بطرس كامل مدوَّر


مقدمة

حَسبُ هذا الكتاب من الشرف ونباهة الصيت أنَّ المسيح في عنوانه، فكيف به وهو دعوة للاقتداء بيسوع، أي اقتفاء الأثر الأرفع الذي حلمت بصاحبه الدنيا، واشْرَأبَّت إلى طلعته العصور، فشرَّفها بميلاده في مغارة، وودَّعها – في الظاهر – كما سيعود إليها على جناح سحابة! وبين المهد والصعود دارت الأرض حول الشمس ثلاثاً وثلاثين مرَّة، وكانت هذه الحقبة أجمل بُرْهة في عمر الأرض، لو صحّ إدخالها في حساب الزمن، وأَحْرِ بها أن تدخل في نظام الأبديّة: ذلك أنَّ ثوانيها حافلة بالخلود، وأنَّ مالئها هو الجامع بين الأزل والأبد، وهو الذي أنار ما بعده، وأَلقى الضياءَ على ما سلف، فبعث التاريخ من جديد كما تخلق الشمس الألوان للعين عندما تنسخ الظلال، فتنكشف الآفاق عن دنياوات لم تكن في البال، لا بالفعل ولا بالقوّة.

ولقد طالما انشبعت آراء الباحثين في هوّية مؤلّف هذا الكتاب؛ وما يضير الألماسة النفيسة أن تلقيها في صندوق الحسنات يمين لم تشعر يُسراها بما فعلت؟ وعندي أنَّ هذا الإغفال المقصود هو أوَّل البراهين على اقتداء المؤلّف بالمسيح، بالمقتدى به وُلد في مذود، والكاتب المقتدي طلب العزلة والتخفّي في دير قصيّ منفرد. فكان هذا الكتاب، “الذي لم تسطَّر أجملَ منه يدٌ بشريّة”، ثمرة التواضع والحياة الباطنيّة، إذ استنار واضعه بنور المسيح فأَوحى إليه ما أوحى.

ومن دواعي العجب علم المؤلّف بالنفس البشريّة، وبما يعتيرها من خَوَر، ويضطرب فيها من لجج فيها الدُّرُّ والصدف، والحيتان والمَرْجان، والعافية والسرطان. ولا ترى صاحبنا يقف عند عرض الدّاء فيروعك بما يصف من هوله، ويشيع الوهن في أعصابك واليأس في قلبك، بل يدعوك إلى الرجاء لا إلى قنوط شوبنهور، وإلى التسلّح بقوّة من غير طراز قوّة نيتشه، بعد أن يفتح بصرك على الأغوار الصاخبة، على طريقة سيغموند فرويد وأضرابه.

يريك الهاوية لتنصرف عنها إلى القمّة بوثبة كوثبة الطائر الذي يساعده التواء الغصن على الوثبة، لتبسط جناحيك لا في الزوبعة التي تردّ القوادم في الخوافي، بل في الأثير السماويّ، في جوّ المسيح. يغطُّ المؤلّف ريشته مرّه بالإيمان ومرّة بالمحبّة، فيصرف الأسماع عن ضوضاء الأرض، والأبصار عن أباطيلها، عادلاً عن طريقة سليمان إلى طريقة القائل: “تعالَوا إليَّ يا جميع المتعبين”.

هذا الكتاب دعوة إلى السلام في ظلّ الصليب، لا إلى اللذّات العابرة يحسّها الغواة كما يجد الأجرب لذّة في حكّ البثور، ولا يزيده الحكُّ إلّا هياجاً على هياج وسوءاً على سوء؛ ولا إلى الخيرات الزمنيّة التي انتظرها اليهود من يسوع، فكان يومه المحجّل عندهم يوم أشبعهم سمكاً وخبزاً؛ بل إلى الخيرات الروحيّة التي تهزأُ بالفناء، وتصل الأرض بالسماء. صاحبنا يدعو إلى الاقتداء بيسوع العمليّ، الذي عاش وجودَه فكانت حياته فعلاً موصولاً، فحقَّ له القول: “أَنا الطريق والحقُّ والحياة”.

ولطالما كان هذا الكتاب واحةً منقذة للّذين أضلّهم الشيطان فتاهوا من قفرٍ إلى قفر وساخت أقدامهم في الرمضاء حتّى الركب، لا يكادون ينقعون غُلّة حتّى تسلمهم الشهوات إلى أختها، فأَتاح لهم هذا السفر ريّاً سماويّاً وهداهم ينبوعاً زلالاً، من يشربه لا يظمأ إلى الأبد لأنّه ماء الحياة، يُنهل من كأس ربّ الحياة. بيد أنَّ العطاش الذين ارتووا لم يُقبلوا عليه متكبّرين متوشّحين غَطرَسة الفلاسفة: فتلكَ عَنجهيّةٌ تُفضي إلى شكّ دافيد هيوم وجفاف عمّنوئيل كنط، بل إِنّهم تناولوه بتواضع العقل، الذي يفتح الباب للنسيم العلويّ، فيدخل منعشاً ويرفع النفس إلى الأَجواء العلى؛ فمَثل القلب الوديع مَثل الأرض المطمئنّة يغمرها الماء فتخصب. أَمّا الرَّعان المتشامخة فنصيبها الشمس المحرقة لا يلبث نبتها أن يجفّ ويستحيل هشيماً. وخير لمن سيّج على قلبه بغرور العلم الناقص، وغشّى بصيرته بالادّعاء الفارغ، أّلّا يتناول هذا السفر الغالي، إذ يقع البُرُّ الجيّد على الصخر الجَلمد: “يا بُنيَّ، أعطني قلبك”، قال الحكيم.

ومن أهمّ نقاط الاقتداء الدعوة إلى الحياة الروحيّة الباطنيّة التي تسمو على الطقسيّات سموّ اللباب على القشور – وإن كانت القشور تعين على حفظ اللباب فتقيه لفح الهجير، وتحوّطه بحرز لا بدّ منه – وإلى هذا الجوهر أَشار المسيح بقوله: “إنَّ ملكوت الله في داخلكم”. فالحياة الداخليّة اتّصال مباشَر بالله، وهي الطريق التي سلكها أوغوسطين وبسكال وكيركغورد وتيريز دافيلا ويوحنّا الصليبيّ وسواهم من كواكب التاريخ، وكان هنري برغسون منها قاب قوسين أو أدنى كما يظهر من كتابه (مصدرا الدين والأخلاق). ولقد لمح ذلك اليهوديّ النيّر الفؤاد أَنَّ العقل الكنطيّ، وحده، قاصر بدون الحدْس أو الوثبة الكبرى التي عرفها الوُجوديّون الجديرون بهذا اللقب، وإنْ هي إلّا ارتماء الابن الشاطر في حضن أبيه تائباً متواضعاً مُطّرحاً كبرياءَه وجهله في زرائب الخنازير، بعد أّن تشهّى مآكلها وظلّ جائعاً.

ولا ريب أَنّ للمطالعات الروحيّة – بصرف النظر عن الكسب الأخلاقيّ – وقعاً في النفس يملك عليها مشاعرها، ويبعث فيها من الغبطة ما تقصّر عن مثله روائع النوابغ، لأنَّ روحاً علويّاً يشيع فيها فتقرأُ وراءَ السطور أكثر ممّا تقرأ في السطور نفسها. وأَذكر أنّي طالعت كتاب (حياة نفس) للقدّيسة تريزيا الطفل يسوع منذ خمس عشرة سنة فأَنساني كثيراً ممّا قرأْت لقمم الأدب في أوربّا: ذلك أَنَّ المحبّة تغمره من الدفّة إلى الدفّة، وأَنَّ لغة القداسة ليست لغةً هجائيّة تتآلف حروفها فتولّد معنىً معروفاً في اصطلاح البشر: إن هي إلّا نفحة سحريّة تَنزَّلُ على الأفئدة من عالم غير هذا العالم.

والكتاب الذي بين يديك أيّها القارئ تنزَّلَ من عالمٍ آخر، فإذا أَسعدك الحظُّ باطّلاعه، فمن الفطنة أَن تحافظ على طهره في ذاكرتك، فلا تعمد بعده إلى الكتب الخليعة التي تكتظُّ بها المكتبات كما تحفل القمامات بالأقذار. ومن العجب أنَّ حروف المطابع لا تذوب خجلاً إذ تصكُّ على الورق محالفة بين مؤلّفيها والشيطان، لأنَّ أُولئك المرتزقة يشدّون بالناس إلى تحت، وأَيّة عبقريّة ترى في دعواتهم الإنْسان إلى الحيوانيّة، ذلك الإنْسان الذي أحصى الله شعر رأسه، فلا تسقط واحدة منه إلّا بإذنه، الإنْسان الذي افتداه بدمه الثمين يسوع مدار هذا الكتاب.

ويقيناً أنّ هذه الترجمة جاءَت قمّة الترجمات السالفة، فكانت حسنة مضافة إلى حسنات حريصا التي يحسن في تقريظها الإجمال، حِفاظاً على التواضع وهو إحدى الجواهر في فضائل هذا الكتاب.

الأستاذ بولس سلامه


 أسفار الكتاب

السفر

العنوان

السفر الأولنصائح مفيدة للحياة الروحيّة
السفر الثانينصائح تقود إلى الحياة الداخليّة
السفر الثالثفي التعزية الداخليّة
السفر الرابعفي سرّ القربان الأقدس

 

للقراءة بالترتيب، استعمل هذه الازرار

✞السابق  الفهرس  التالي

مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.