رسالة البابا القديس يوحنا الثالث والعشرون حول عبادة الدم الثمين لربنا يسوع
رسالة من البابا القديس يوحنا الثالث والعشرون
في 30 حزيران 1960.
حول نشر عبادة الدم الثمين لربنا يسوع المسيح.
إن تأثير دم الله – الإنسان غير محدود، تماماً مثل الحب غير المحدود الذي أجبره على أن يسكب دمه من أجلنا، أولاً عند ختانه بعد ثمانية أيام من ولادته، وبعدها بغزارة أكبر عند آلامه في البستان، في جلده وتكليله بالأشواك، في صعوده إلى الجلجثة وصلبه، وأخيراً من ذلك الجرح العظيم الواسع في جنبه الذي يرمز إلى الدم الإلهي المندفع بغزارة إلى داخل كل الأسرار المقدسة للكنيسة. مثل هذا الحب الفائق يُخبرنا، من دون طلبات، بأن كل شخص مولود ثانية في سيول ذلك الدم يوقره ويشكره بحب.
إن دم العهد الأبدي الجديد يستحق بشكل خاص هذه العبادة عندما يُرفع خلال ذبيحة القداس. لكن هذه العبادة تُنجز عملها في القربان المُقدس للدم ذاته، المُتحد سرمدياً بالجسد الإفخارستي للمسيح. إذن يُمكن للمؤمن، بالإتحاد الجوهري مع الكاهن المُحتفل، أن يُشكّل وجدانه الخاص به أثناء تناوله القربان المُقدس: «سأخذ كأس الخلاص وأدعو إسم الرب… دم ربنا يسوع المسيح يحفظ نفسي من أجل الحياة الأبدية. آمين».
هكذا كلما جاؤوا بإستحقاق إلى هذه المائدة المقدسة فإنهم يستلمون ثمار الإفتداء والقيامة والحياة الأبدية التي يفوز بها جميع الناس بواسطة الدم الذي أراقهُ المسيح «من خلال الروح القدس». بواسطة تناول جسده ودمه، والمشاركة في القوة الإلهية التي أعطت قوة لعدد لا يُحصى من الشهداء، يستطيع المؤمنون أن يقفوا في وجه المقالع والسهام الناتجة عن المصاير اليومية حتى لو أدى ذلك إلى الشهادة من أجل فضيلة مسيحية وملكوت الله.
ما يبقى لهم سيكون عبارة عن خبرة بذلك الحُب الحارق الذي جعل القديس جون كريسوستوم يصرخ قائلاً: «دعونا إذن نرجع من تلك المائدة مثل أسود تزفر ناراً، وهكذا نُصبح مُخيفين للشيطان، ونبقى يقظين لرأسنا وللحب الذي أظهره لنا… هذا الدم، عندما يؤخذ بإستحقاق، يُبعد الشياطين ويضعهم على بعد عنا، وحتى يدعو لنا الملائكة ورب الملائكة… هذا الدم المنسكب بوفرة غسل كل العالم نظيفاً… هذا هو ثمن العالم: بواسطته إشترى المسيح كنيسته… هذه الفكرة ستُدخلنا بقوة في آلام المسيح. كم، في الحقيقة، سنبقى مرتبطين بالأشياء الحاضرة؟ كم سنبقى نائمين؟ كم من الوقت سيمضي دون أن نُفكر بخلاصنا؟ دعونا نتذكر أية إمتيازات منحها الله لنا، دعونا نُعطي الشكر له، دعونا نُمجده، ليس فقط بالإيمان بل أيضاً بأعمالنا ذاتها».
أنت تعلم جيداً بأن فديتك لم تُدفع بعملة أرضية، فضة أو ذهباً، إنها دُفعت بالدم الثمين للمسيح، لم يكن هناك أبداً حَمَل طاهر جداً، نظيف جداً كهذه الضحية. فقط لو أعاروا أذناً صاغية لرسول الأمم: «لقد دُفع ثمن عظيم لفديتكم، مجدوا الله بجعل أجسادكم مقاماً لحضوره». تُصبح حياتهم المستقيمة بعدها مثالاً مُشرقاً لما ينبغي أن تكون عليه.
إن كنيسة المسيح ستُلبي بشكل أكبر فاعلية مهمتها للإنسان. يريد الله أن يخلص كل الناس، لأنه أراد أن يُفتدوا جميعاً بواسطة دم إبنه الوحيد وإنه يدعوهم جميعاً ليكونوا أعضاءاً في الجسد الروحي الواحد الذي رأسه المسيح. لو كان الناس فقط أكثر أستجابة لتذكرات نعمته هذه، لتعزز رباط المحبة الأخوية بين الأفراد والشعوب والأمم.