الملحد المصاب
الاخوان جاكار كاهنان يجوبان الارض كي يقدّما الخدمات لمن قسا عليهم الدهر، فيصنعا اجهزة تساعد المعاقين جسدياً على السير والحركة. يعملان هذه الاجهزة بارخص كلفة وبمتناول عامة الناس.
روى احدهما، الاب الطبيب ريمون جاكار ما يلي: “في شهر حزيران من عام 1954 جرى لي حادث اصبح مرتفع مضيء في حياتي. ففي احد ايام ذلك الشهر كنت ماراً بلورد، والتقيت جاك.
كان ممدّداً على محفّة وسط طائفة من الجنود الاخرين المعاقين نظيره، وقد وافوا في موكب حج عسكري.
كنت قد عرفت جاك قبيل ذلك في مشفى ديجون العسكري، وكان عائداً من الهند الصينية مصاباً بانفجار لغم كان قد حطّم حوضه، وشطر عظم فخذه الى قطعتين، ومزّق اعصابه، فتطاير في الهواء وفخذه مدلاة خلفه. وعندما استعاد رشده، وتبيّن ما حلّ به، انتزع من قائده وعداً ان يخبر زوجته انه مات بلا ألم، وملتمساً ان تحدث له حفرة يُدفن فيها.
بعد بضعة اشهر جيء به الى مشفى ديجون حيّاً لكن مقعداً طيلة ما تبقى له من حياة.
كنت انا حينئذ اؤدي خدمتي العسكرية بصفتي ممرضاً. وكان جاك يدعوني مازحاً “الكاهن المتدرّب”، مع انه كان يُظهر لامبالاته بالإيمان الذي فقده، كانت تجمعنا علاقة تفاهم وودّ. ولست ادري صلاة اي مجهول قادت الى لورد ذلك المعاق الذي يأبى اي حديث عن الدين.
إتّسم لقاؤنا بالفرح، وسرعان ما خرجنا في نزهة عبر المدينة، مع اثنين من زملائه، مستلقين مثله على محفّات ذات عجلات.
لم يكن راغباً الا في التجوال. كنت انا اجرّ محفّته التي كان يسميها “العربة التي يجرها حمار”. ولكن يبدو ان بعض الحمير تحظى بالوحي. فقد اقترحت عليه زيارة غير مألوفة قائلاً:
“ان هنا رائعة ما زلت تجهلها. هنا مغارة صخورها اشدّ نعومة من وجنتيّ زوجتك، فهل لديك رغبة في مشاهدتها”؟
فأجاب :”نعم ، ولكن لا في هذا المكان”. مشيراً الى فناء الكاتدرائية . فطمأنته :”لا تقلق، سنقصد ضفاف نهر الغاف”.
لم يعترض، فمضينا على مهل.
فيما كان يجسّ الصخر الصقيل، ارتقت ابصاره الى بضعة امتار فوقها، وشاهد العذراء عن كثب فعقدت الدهشة لسانه، وقمنا بجولة حول الهيكل المنتصب في صدر المغارة، متأملين النبع الصغير العجائبي.
توقفت عربته امام احواض الاستحمام. فلم يمانع في استحمام منعش، اذ كان الطقس حاراً. وصلّينا مع جمهرة من الحجاج المحتشين عند احواض الاستحمام، من اجل الجنود، وخاصة من اجل جاك ورفاقه الذين ضحوا بحياتهم من اجل الوطن.
ثم عهد ممرضان بتغطيس جاك، واوعزا اليه قبل ذلك، ان يتلو صلاة كان نصّها معلّقاً على الجدار المقابل. ولكنه من غير تردّد ادّعى جهله للقراءة.
فتلا الممرضان الصلاة عنه، وغطّسا الملحد الذي ادّعى الأميّة، والذي امعن في مضايقتهما قائلاً:
“انني اعرف ممرضة تحسن الغسل خير منكما”.
بدا الماء لجاك دافئاً، وشعر بالراحة ، فدنوت منه، وسقيته من الماء الذي كان غاطساً فيه. وساعده الممرضان على الخروج من الماء، وعلى صعود الدرج الاول.
عندما انتهى الى الدرج الثاني هتف:
“ابعدا ايديكما عني، فانا اقوى على السير بمفردي”.
واتكأ على ساقه التي شُفيت، متسائلاً ما كان يحدث له . ثم ارتمى على عنقي منتحباً ومردداً:
” ولكن يا ريمون ، علام يحدث هذا لي، انا الملحد، في حين يتوافد كثيرون من المرضى المؤمنين ، التماساً للشفاء”؟
وما كان مني الا ان قلت له:”دع مريم تفعل، فهي أمنا”!
كانت تلك لجاك اعجوبة ظاهرة، وكانت لي اعجوبة داخلية: فحضور امي مريم، في قلبي البنوي، سيدمغ حياتي كلها!
اجل! شُفي جاك في ذلك اليوم. بُعث انسان من اعاقته، وانطلق يمشي. انسان سأرى امثالاً له كُثر في المستقبل.
انني موقن ان ما من اعاقة اسوأ من عدم الايمان بالله وبعطفه.
اجل! ان الله حرّ. وهو حرّ بأن يُحِبّ .. فما هو ألّا حب”
††† ﺍلمجد ليسوع ومريم †††