في تحصيل السلام وفي الغيرة على التقدم

1٬032

الفصل الحادي عشر

في تحصيل السلام وفي الغيرة على التقدم

رجل يتأمل

1- لولا رغبتنا في الاهتمام بأقوال الآخرين وأفعالهم، وبالأمور التي لا تعنينا، لكان في استطاعتنا أن نتمتع بسلام وافر.

كيف يستطيع البقاء طويلا في السلام، من يتدخل في مهام الآخرين، أو من يطلب فرص الاندفاع إلى الخارج، ولا يختلي في نفسه إلا قليلاً أو نادراً؟

طوبى للسذج! فإنهم يحصلون على سلام وافر.


 

2- لِم بلغ بعض القديسين درجة سامية من الكمال والمشاهدة؟

لأنهم اجتهدوا في إماتة أنفسهم، إماتة كاملة، عن جميع الشهوات الأرضية، فاستطاعوا أن يتحدوا بالله من صميم قلوبهم، ويتفرغوا لذواتهم بحرية.

أما نحن، فشغلنا الشاغل في أهوائنا الذاتية، واهتمامنا المفرط في الأمور الزائلة.

إنه لمن النادر أن نقمع تمامًا، ولو رذيلة واحدة؛ ثم إننا لا نضطرم غيرة على تقدمنا اليومي؛ ولذلك نبقى باردين، لا حرارة فينا.



3- لو كنا أمواتا عن أنفسنا بالتمام، وأقل ارتباكًا في دواخلنا، إذن لاستطعنا أن نتذوق حتى الأشياء الإلهية، ونخبر شيئا من المشاهدة السماوية.

إن العائق الأعظم بل الوحيد، هو أننا غير أحرار من الأهواء والشهوات، ولا نجتهد أن نسلك طريق القديسين الكامل.

فإذا عرضت لنا شدة طفيفة، فشلنا في الحال، وعمدنا إلى التعزيات البشرية.



4- لو اجتهدنا أن نثبت كرجال بأس في القتال، لرأينا، بلا ريب، معونة الرب، تنحدر علينا من السماء.

فإنه مستعد لنصرة المجاهدين، والمتوكلين على نعمته، لأنه هو الذي يوفر لنا أسباب الجهاد، كيما ننتصر. 

إن حصرنا تقدمنا الروحي في الممارسات الخارجية فقط، فتقوانا صائرة سريعًا إلى الزوال.

ولكن، لنضع الفأس على أصل الشجرة، حتى إذا تطهرنا من أهوائنا، نحصل على سلام الروح.



5- لو كنا، في كل سنة، نستأصل رذيلة واحدة، لصرنا سريعا رجالا كاملين.

لكننا نشعر، غالبا، أن الأمر على عكس ذلك: أي أننا، في بدء حياتنا الرهبانية، قد كنا أفضل وأطهر مما نحن عليه الآن، بعد سنين كثيرة قضيناها في تلك العيشة.

لقد كان من الواجب أن تنمو حرارتنا وتقدمنا كل يوم؛ أما الآن، فيحسب أمرا عظيما أن يحافظ أحدنا على شيء من حرارته الأولى.

لو كنا، في البدء نغضب أنفسنا قليلا، إذن لكان بوسعنا، في ما بعد، أن نضع كل شيء بسهولة وفرح.



6- إنه لأمر شاق، الإقلاع عن العادات؛ وأشد مشقة منه، مخالفة الإرادة الشخصية.

فإن لم تذلل الآن الصعوبات الصغيرة الطفيفة، فمتى تنتصر على ما هو أشد منها؟

قاوم ميلك في بدئه، واقلع عن العادة الرديئة، لئلا تستدرجك، رويدًا، إلى صعوبة أشد.

آه! لو كنت تدرك أي سلام تجني لنفسك، وأي فرح تجلب للآخرين، إن أحسنت سيرتك، لكنت، في ما أظن، أكثر اهتماما بشأن تقدمك الروحي.


✞السابق  الفهرس  التالي

مواضيع ذات صلة
أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.