كتاب من سيناء إلى الجلجلة – شهادة كاتالينا

7٬517

الكلمة الثانية
الحقً أَقُولُ لك، اليوم َتَكُونُ مَعي في الفردوسِ.

كان يسوع وحيداً في تلك اللحظة ووَجدَ في ديماس كُلّ الحبّ الذي رَغبَ أن يجده في حوارييه. لقد تَجاسرَ ذلك الرجلِ أن يداِفَع عنه بينما الآخرين، أولئك الذين أحبَّهم، هَربَوا بجبن باستثناء يوحنا، لِكي لا يُعرّضَون أنفسهم للخطر ويَسْقطُون مَعه.
لقد بدا أنّه لأكثر مِنْ سنتان، لم تكن خاصته قادرة على أن تؤمن بكلماتِه حقاً. وإلا‏ لكانوا بجانبه الآن.
هذا الرجلِ، ديماس، كَانَ عِنْدَهُ في بضع دقائق إيمان بلاهوتِه, بكونه سمع مِنْ شفاهِه كلماتِ التضرّعِ إلى الأبِّ. لقد اكتشف ديماس الحقَّ والطريقَ إلى الحياةِ …
لقد كَانَ يَرى يسوع يموت بسلامِ أولئك الذين لَيْسَ لهُمْ شيء ليخَافوه، برجاء أولئك الذين يَعْرفونَ أنّه هناك شيء ما يترجونه. ديماس أراد أَنْ يُؤمنّ بذلك الشيءِ لأنه كَانَ أمام الرجاء نفسه.
تحت إعياءِ عظيمِ بسبب الجُهدِ والألمِ، لكن بكُلّ عاطفة لكونه رَأي النور، يَقُولُ الكلماتَ التي ستَأْخذُه إلى القداسةِ: ” يسوع، تذكّرُني عندما تجيء إلى ملكوتِكَ …! “
تلك الكلماتِ تعادل الكلمات التى نَقُولها اليوم عند الاعتراف. ” أغفر لي يا أبّتاه، لأني أخطأتُ “.

الليلة السابقة، بَدأَ السيد المسيح بتَحَمُّل آلامِه لإنْقاذ الخطاة الذين مثل كل واحد مِنْا ومثل ديماس. في هذه الأثناء، لَمْ يكن يخطر ببال “اللصّ البار” ولو للحظة بأنّهَ سيَتْركُ سجنَه مُهانَ، مبصوق عليه، ومرَفوضَ لكونه مجرد رجل شرير آخر، كي يجد نفسه أمام ينبوع الحبِّ الرحيمِ. أنه لم يكَنَ عِنْدَهُ فكرةُ أنه فى المساءِ، سيَجيءُ إلى قصرِ ملكِ الملوكِ ممسكاً بذراعِ ملك السلامِ.
ويسوع رَأى صديقا في ذلك المجرمِ, لأن الصديق هو الذي يَثِقُ بك، هو الذي يَعطيك ثقتَه بدون خوف. الصديق هو الذي يُتحرّكُ كي يشْفق عليك في لحظاتِ ألامك ولا يُضيفُ الملحَ إلى جراحِكَ …
الصديق هو الذي يُريدُ البَقاء بجانبِكَ والذي يمكث مَعك حتى النهايةِ، بدون الإصغاء إلى صيحاتِ الديانين، أولئك الذين يَتّهمُونك، يُهينُونك، يُسبونك ويُريدون رُؤيتك تَمُوتُ بأسوأ طريقةِ مُمكنةِ لأن قلوبَهم مليئة بالقسوةِ.
حَلّتْ نظرةِ يسوع تلك محل العناقَ، الذي أشتاق أن يعطيه لديماس، بنفس الطريقةِ يُعانقُ يسوع اليوم كُلّ الذين يُودّعُون ويُكرّسُون أنفسهم إليه. وفي وسطِ دموعِه وآلامه أبتسم وبصوّتُ ممتلئ بالرقةِ وَعدَه قائلاً

الحق أَقُولُ لك، اليوم تَكُونُ مَعي في الفردوسِ.

مرةً أخرى يمد يسوع ذراعيه المحبّةَ إلى الخاطئ، الخاطئ الذي يَتُوبُ ويُحقّرُ نفسه، يَرفعه، حتى فوق الأبرار.
أنه لم يَكنُ حقاً الأقدسَ بين أولئك الذين ماتوا حتى ذلك اليوم الذي سيَكُون اليوم الأول لدُخُول السماءِ … أنه لَيسَ من الأنبياء ولا من الشهداءُ الذين يُسبّبُون فرح في السماء. أنه لصّ، ربما يكون قاتل, أنه رجل مرَفوضَ من المجتمعِ الذي سَيَكُونُ القدّيس الأول الّذي سَيُجازُ له دخول الحياةِ الأبدية ومِن قِبل المسيح نفسه, أنه القدّيسِ ديماس.
إن المسكنة تَسْبي إلهنا. البؤس يَجْذبُه، الأثيم هو تحديه الأعظمُ. لذلك السببِ خفّضَ نفسه لمُوَاجَهَة حالتِنا الإنسانيةِ لكي في الإتحادِ مَعه، نُحرّرُ أنفسنا من كُلّ الربطات. وهكذا تلاقي الخالق مع المخلوق, من جهة، أيادي فارغة لإنسانِ, من جهة آخري، حبّ غير محدود لإله. خالق ومخلوق اتحدا بأحساسين، بسلوكين: التواضع والرحمة، اللذان يُشيّدانِ معاُ دائما جسرَ النجاة .
طوباك يا ديماس، يا من استحققت نقطة الدمِّ اللخلاصية الأولى للفادي، فقط بقوّةِ إيمانِكِ وبرحمتِه اللانهائيةِ. طوباك يا أَخّي، لأنك لَمْ تسبّبْ ليسوع الإحباط الذي يُسبّبه له كثيرين اليوم، أولئك الذين يَجِبُ أَنْ يُميّزَون صوتَه ويَحبُّونه أكثر.
طوباك أيها اللصّ البار، لكونك كنت قادر على نِسيان آلامِكَ وأشفقت على الآخرين, وهكذا أصبحتَ مستحق لنعمة أن يَمْنحُك الرب بنفسه الغفرانَ، يُغيّرُ خطيئتَكَ إلى نارِ متألقةِ مِنْ الحبِّ الإلهي. ذلك لأنك كُنْتَ شجاع أن تزود رفيقِكَ جيستاس بالتعليم، لِذلك، كُنْتَ تُبشّرُ بالإنجيل مِنْ على صليبِكَ، محْتذيا به، بمن التقيت به توا.

هكذا، كان ديماس يعطي كُلّ ما ميزه في ساعةِ موتِه. قدّمَ كُلّ ما أمتلكه: الإيمان, الإيمان الجديد لكنه إيمان ثابت؛ قدم الرجاء في رحمةِ الرب لنَيْل الحياةِ الأبديّةِ؛ قدم المحبة، بدعوة زميله أن يُشفق على من يُعانيِ.
الآن أَسْألُ نفسي وكُلّ إخوتِي وأخواتِي: وماذا بالنسبة لنا؟ ما الذى نريد مَنْحه لهذا الحبِّ، لمن يَمْنحُ نفسه كي يُخلّصَنا؟
ونحن قد نَبْدو كرماءَ عندما نَمْنحُ بَعْض الطعام أَو اللباسِ أَو أى نوعِ آخرِ مِنْ المعونات الماديةِ لمن فى احتياج إليها. لكن … كَمْ مرّة ندرك أنّ التزامُنا هو أن نمَنْح إخوتِنا شئ ما أكثر مِنْ الخبز أَو اللباس؟
ليس عِنْدي أدنى شَكِّ بِأَنَّ هذه الأشياءِ ضرورية وضروريتها تزداد أكثر في أزمنةِ الاحتياج، فى أزمنة الجوعِ َوالضيقاتِ. لَكنَّنا يَجِبُ أَنْ نَتذكّرَ أنه ” ليس بالخبزِ وحده يحيا الإنسان …”
ولو كنا مدركين بأنّ الغني المادي أَو لكونُ الإنسان لديه ما يأكله ويشربه فإن ذلك لا يُولّدُ السعادةَ الحقيقيةَ له، وبأنّ هناك استياء دائم في أولئك الذين يَعِيشونَ في الشهوةِ وفي الجشعِ وفى رغبات الجسد الملحَّة‏ …
وإن تَعلّمنَا بأنّ الشهرةِ والكرامة لَنْ يَقُودانا إلى السعادةِ الحقيقيةِ لأنها أمجادَ عابرةَ وزائلة ….
ولو استطعنا أَنْ نَشْهدَ على حقيقة أنّ لا صحة جسدية ولا ضحك ولا أنشطة الحياةِ، أَو لكوننا لدينا صداقاتُ دنيويةُ نكون ذو قيمة كي نحيا حياة سعيدة حقيقية …

لماذا بعد ذلك لا نَأْخذُ الرب إلى إخوتِنا؟ لماذا لا نَأخذ إليهم كلامَه والحبّ الذي عَرفنَاه والإيمان الذي يَجْعلُنا شهودَ ؟ أننا لا نُدركُ خطورة‏ تقصيرِنا!
الرب يحب من يَعطي بِفرح. الرب يمدنا باحتياجاتنا. عندما نَعطي إيمانَنا وحبَّنا بسعادة وبفرح، حينئذ نحن كممتلئين مثل أجران قمح هائلة يستطيع أن يأتي الآخرين ويأخذون َالحبوبَ الجيدةَ منا ليعطونها بدورهم لمزيد من المحتاجِين, وهكذا يشبع الجميع من المسيح.
أثناء أحد اللقاءاتِ في الأيام القليلة الماضية، عند الوُصُول إلى هذه النقطةِ، قال لى السيد المسيح : ” أساس رسالتِي كَان ذلك الفرحِ، فرحي، الذى كَانَ ثمرَة الحبِّ والاستسلام إلى أبي وإليكم أيها البشر. كُلّ ما قُلته وفعلته كُان لكي تُعدي بهجتي العميقة الآخرين أيضاً، كي يكون فرح تلاميذي حقيقيَ، وأن يصِلُ لكماله.
ابنتي، هذه كانت المعركةِ القاسيةِ التي كنت أحياها، جسدي كان مجروح ويطْالبُ بحقوقَه، الظلمة كانت تَتسرّبُ حولي, ولكُونَي كنت بعيد عنْ أولئك الذين أَمْنحهم حياتَي، فذلك جْعلُني أَشْعرُ بألم مُميت. هذا لأني أَحْملُ في كياني كُلّ الحبّ الذي أشعر به نحو الخليقة التي تنتظرُ الفداء. الكرب والحُزنُ أزادا الألمَ في جسدي الذي أصبحُ أضعف وأضعف بسبب كُلّ هذا الدمِّ الذي نزف من جلدِي، كنتيجة لأقسى المحن.
طوباك يا من تُوافقُ على أن تُشَارَكني آلامِي ومَحَبَّتي. طوباهم الذين يَقْبلونَ هذا العشاء الرباني طوعاً مع أعمق مشاعرِي، طوباهم من يقبلون هذا الإتحادِ مع أكثر رغباتِي للاستسلام عمقاً، طوباهم من يقبلون أن يعيشوا حالتِي نفسهاِ كمَصْلُوبين، في درسِ منقطع النظيرِ لا ينتهي أَبَداً “

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.