كتاب آلام يسوع المسيح كما رواها لكاتالينا

31٬387

تأملات صاغها الرب يسوع عن أحداث آلامه وأهميتها للفداء

مقدمة

كاتالينا (كاتيا) ريفز، هي تلك الرائية الموسومة بجراح المخلص، من سكان كوتشابامبا في بوليفيا. كاتالينا امة الرب الوضيعة، إمرأة اعتيادية كسائر النساء، موظفة سابقة في أحد المكاتب، ربة منزل، و “أمينة سر الرب”، كما أحبَّ أن يسميها الرب يسوع في احدى ظهوراته لها.

طرأ تغيير كبير على حياة كاتيا، التي كانت منهمكة في شؤون هذه الدنيا، عندما أخذت تمر بتجربة روحية خاصة فائقة الطبيعة. في شهر تشرين الأول (اكتوبر) من عام 1994 حجّت إلى الولايات المتحدة، حيث يُعتقد ان العذراء مريم ظهرت في “كونيرس” بولاية جورجيا. وبينما هي راكعة تصلي أمام المصلوب، جرى لها حادث، ندعها هي نفسها تحدثنا عنه:

«رأيت نوراً حول المسيح، نوراً ساطعاً باهراً. فرأيت نفسي في حاجة ملحة لأقدم حياتي للرب، كيما يتصرف بيّ كما يشاء، ولأشكره على جميع ما حققه من أجلي».

وتستطرد كاتيا في وصفها قائلة: «انبعثت أربعة إشعاعات من يدي ورجلي وجنب المسيح المصلوب واخترقت يدي الاثنتين ورجلي وقلبي كمثل صاعقة، فسقطت أرضاً من شدة الألم الذي انتابني».

بعد هذه الحادثة بيومين، في كوستاريكا، قال لها يسوع: «هنيئاً لك على الهبة التي منحتك إياها في كونيرس، فان اناساً كثيرين رجوني لكي يحصلوا عليها، أي في مشاركتي في آلامي، ولم ينالوها، كوني خصصتها للذين يقدرون على ان يحبوني كما ابغي ان أُحب».

ترجت كاتالينا يسوع بان تبقى الجراحات مستترة مخفية، لكن الرب قال لها: «ليس الآن، ما لم أجد ذلك ضرورياً، ستكون متاحة للجميع مشاهدتها».

السمات المنطبعة في جسد كاتالينا هي شهادة ناطقة بفصاحة وصدق، فالعلم بحد ذاته عاجز عن تفسيرها وتأويلها. وهذه الجروح تظهر ليلة الخميس وطوال نهار الجمعة، مسببة لها آلاماً حادة شديدة. الّا انها سرعان ما تختفي وتتلاشى في اليوم التالي، السبت. وقد تحققت الرئاسة الكنسية من صحة ومصداقية هذه الجروح، مما لا يدع للريب مجالاً.

إن ما حدث لكاتالينا أصبح موضوع تحقيق الدكتور ريكاردو كاستانيون الأخصائي في الأمراض العصبية – النفسية – الجسمانية والخبير في تفاعل الدماغ والسلوك البشري. وقد أمضى سنين طويلة يجول العالم لدراسة حالة العديد من الرؤاة.

لاحظ الدكتور بدقة ظهور واختفاء السمات في جسد كاتالينا، لكنه لم يتوصل إلى تفسير كيفية ظهور هذه الجروح واختفائها. باشر الدكتور في دراسة الرسائل الكثيرة التي تلقتها كاتالينا من الرب يسوع. عندما علم بأن كاتالينا لم تكمل دراستها الثانوية ولم تحصل على أية ثقافة لاهوتية تملّكه الاندهاش من محتوى وحجم الرسائل التي نُشرت في ثمانية مجلدات والتي نالت فيما بعد الموافقة الكنسية على طبعها.

الأب اومار هويسكا، وهو كاهن ضليع في اللغتين الانكليزية والاسبانية، فلقد عبّر عن اعجابه بجمال وشاعرية النص الاسباني الاصلي الذي به أُمليت على كاتالينا تلك الرسائل وكيف أن حقائق لاهوتية كهذه عُبّر عنها في هذه الرسائل بتلك البساطة والواقعية. فالأسلوب سلس، شبه شاعري.

تأملات الرب يسوع

«أبنتي الصَغيرة، لتكن نفسك مُطوقة بأعظم رغباتِي توهجاً، ألا وهي أن تأتي كل النفوس وتَتنقّى في مياه الكفّارةِ، وأن يَتخلّلُهم الشعور بالثقةِ، وليس بالخَوفَ، لأني إله رحمةُ ومستعدُّ دائماً أن ألاقيهم في قلبِي. هكذا، يوماً بعد يوم، سَنُوحّدُ أنفسنا في سِرِّنا، سر الحبِّ. شرارة ضئيلة وبعد ذلك شعلة عظيمة… إلّا أن الحبّ الحقيقي لَمْ يعد يُحبَّْ اليوم! الجنس هو الذي صار محبوباً! لكن قبل ذلك، صلّي يا ابنتَي الصَغيرةَ، صلّي كثيراً من أجل النفوس المُكَرَّسةِ التي فَقدتْ حماسَتها وسعادتَها في الخدمةِ. صلّي أيضاً من أجل الكهنةِ الذين يَتمّمونَ معجزةِ المعجزاتِ على المذبحِ وإيمانِهم ضعيف.

تلاشي فيّ كقطرة ماء في المحيطِ… عندما خَلقتُك، قبّلتُ جبينك ووسمتك بعلامة محبتي. ابحثْي عن النفوس، لأن هناك قليلين من يَحبُّوني؛ ابْحثي عن النفوس وادمغي في ذاكراتِهم مشهد الألمِ الذي استنفذت فيه نفسي. البشر، دون أن يدروا، على وْشَك تلقّى هبات عظيمةَ. عندما تَفعلين ما أَطْلبُه مِنْك، ستكوني وكأنك رويت ذلك العطشِ المُشتعلِ الذي جَفَّف شفاهِي على الصليب.

أنا سَأَجْعلُ نفسي حاضراً فى كُلّ مرة تُناشدين آلامَي بحبّ. سَأُجيزُ لك أن تعَيْشي متّحدِة بي في الألمِ الذي اختبرتُه في الجسمانية عندما عَرفتُ آثامَ كُلّ البشر. كوني شاعرة بذلك، لأني أَدعو مخلوقات قليلة لهذا النوعِ مِنْ الآلام، لكن لا أحد منهم يَفْهم الحب الذي وَضعته عليهم بربطهم بي في الساعةِ الأكثر ألماً فى حياتِي بالجسد على الأرض».

الإعداد على جبل التجربة

«هناك نفوس تدرس آلامي، لكن قليلين جداً من يفكّرون بشأن إعدادي لحياتي العامّة؛ بشأن وحدتي! أن الأربعون يوم التي قضيتها بجانب الجبل كانت أكثر الساعات حزناً من حياتي لأني قضيتها وحيداً بالكامل، أعدّ نفسي لما هو عتيد أن يجيء. لقد عانيت الجوع والعطش والإحباط والمرارة. لقد عرفت بأنّ تضحيتي ستكون عديمة الفائدة لذلك الشعب، لأنهم سينكرونني. لقد فهمت في تلك الخلوة أنّ لا تعاليمي الجديدة ولا تضحياتي ومعجزاتي ستستطيع أن تخلّص الشعب اليهودي الذين سيصبحون قتلة الإله.

مع ذلك، كان لا بدّ أن أقوم بواجبي، بالمهمّة الإلهية. كان لا بدّ أن أترك بذرتي أولاً وأموت بعد ذلك. كم كان ذلك محزناً، أنظروا إليه من وجهة النظر البشرية! لقد كنت إنسانا أيضاً، فأحسّست بالحزن والألم. لقد وجدت نفسي وحيداً! لقد قمعت جسدي بالصوم ونفسي بالصلاة. لقد صلّيت من أجل كلّ الإنسانية التي ستنكرني، التي ستضحّي بي مرات عديدة.

لقد أغريت كأيّ إنسان آخر، وإبليس كان بغاية الشغف لمعرفة من يكون هذا الإنسان الماكث في مثل هذه الوحدة والهجر. لقد فكّرت في كلّ شيء كان لا بدّ أن أفعله لأخلص الإنسان، لأستطيع أن أملك على قلبه، لأجعل دخوله ملكوت أبي ممكناً».

العشاء الأخير

«فلنذهب الآن إلى قصّة آلامي. القصّة التي ستعطي المجد للآبّ والقداسة لنفوس أخرى مختارة. الليلة السابقة لليلة خيانتي كانت ليلة مليئة بالفرح بسبب عشاء الفصح، ليلة افتتاح الوليمة الأبديّة التي لا بد أن يجلس عليها بني البشر ليغذوا نفوسهم بّي. إن كان ولا بد أن أسأل المسيحيين «كيف ترون هذا العشاء» كثيرين سيقولون أنّه موضوع سرورهم، لكن قلة ستقول أنّه موضوع سروري أنا. هناك نفوس تأخذ العشاء الرباني، ليس لأجل الفرح الذي يختبرونه، بل للفرح الذي أشعر أنا به؛ أنهم قلة لأن الباقين يأتون إلىّ فقط لطلب الهبات والحسنات.

إنني أعانق كلّ النفوس التي تأتي إلّي لأني جئت إلى الأرض لأنشر الحبّ الذي أعانقهم فيه. ولكون الحبّ لا يزداد بدون حزن؛ قليلا قليلا أبعد العذوبة، لأترك النفوس في جفاف. وهكذا يصومون عن فرحهم لأجعلهم يفهمون بأنّ تركيزهم يجب أن يكون على رغبة أخرى: رغبتي أنا. لماذا تتحدّثون عن الجفاف كما لو أنّه علامة عن نقصان محبّتي؟ هل نسيتم بأنّ إن لم أمنح السعادة، لكان عليكم أن تتذوّقوا جفافكم وأحزان آخرى؟ تعالوا إليّ أيتها النفوس، لكن أعلموا أنّه أنا فقط من يشاء كلّ شيء ومن يحثكم على البحث عني. لو كنتم فقط تعرفون كم أقدّر الحبّ الغير أناني وكم سيكون مقبول فى السماء! لكانت تفرح النفس التي تقتنيه!

تعلّموا منّي أيتها النفوس العزيزة، تعلّموا أن تحبّوا فقط كي تسروا الشخص الذي يحبّكم. سيكون عندكم عذوبة، وستقتنون أكثر مما تركتم؛ أنكم ستستّمتعون كثيراً بكل ما جعلتكم قادرين عليه. أنه أنا من أعددت المأدبة. أنا هو الطعام! كيف إذن، هلّ أستطيع أن أجعلكم تجلسون على مائدتي وأترككم صائمين؟ لقد وعدتكم بأنّ كل من يأكلني لن يجوع فيما بعد. إنني أخدم نفسي بهذه الأشياء لإظهار محبّتي لكم. أنصتوا لما يقوله كهنتي، لأنهم يستخدمون وليمة الفصح هذه ليوجهونكم نحوي، لكن لا تتوقّفوا على ما هو بشري، وإلا فأنكم ستلغون الهدف الآخر لهذه الوليمة. لا أحد يستطيع أن يقول بأنّ عشائي أصبح غذائهم عندما يختبرون العذوبة فقط. بالنسبة لي، الحبّ ينمو بقدر ما ينكرون أنفسهم.

عديد من الكهنة صاروا كهنة لأنني أردت جعلهم سفرائي، ليس لأنهم يتبعوني حقاً. صلّوا من أجلهم! أنهم يجب أن يقدّموا لأبي الحزن الذي أحسست به في الهيكل عندما قلبت منصات التجار ووبّخت كهنة تلك الأيام لكونهم حوّلوا بيت الرب لمجمع لجامعي المال. عندما سألوني بأي سلطة فعلت ذلك، أحسست بأعظم حزن بتبين أن أسوأ إنكار لمهمّتي جاء من كهنتي. لذلك السبب، صلّوا من أجل الكهنة الذين يتعاملون مع جسدي بإحساس العادة، وبالتالي، بحبّ قليل جداً.

أنكم ستعرفون قريباً بأنّني كان لا بدّ أن أخبركم بهذا لأني أحبّكم ولأني أعد بإلغاء كلّ عقاب دنيوي مستوجب للذين يصلّون من أجل كهنتي. لن يكون هناك مطّهر للذين يحزنون لأجل الكهنة الفاترين، بل سيذهبون بالأحرى إلى الفردوس مباشرةً بعد أنفاسهم الأخيرة. والآن، دعوني أعانقكم ثانيةً كي تتمكّنوا من تلقي الحياة التي جعلتكم، بفرح غير محدود، جزءاً منها. في تلك الليلة، بحبّ غير محدود، غسلت أقدام حواريي لأنها كانت لحظة التتويج التي سأقدّم فيها كنيستي إلى العالم.

لقد أردت أن يعرف شعبي بأنّهم حتى عندما يكونوا فى الموازين لأسفل بأعظم الآثام، فأنهم لم يحرموا من النعم. أنهم مع أكثر النفوس أخلاصاً لى؛ أنهم في قلبي يتلقون النعم التي يحتاجونها. لقد أحسست في تلك اللحظة بالحزن عالماً بأنّ أمثال يهوذا، تلميذي، هناك نفوس كثيرة تتجمّع عند قدماي وتتطهّر عديد من المرات بدمّي، ومع ذلك سيفقدون! لقد أردت في تلك اللحظة أن أعلم الخطاة ليس لأنهم أخطئوا يجب أن يبعدوا أنفسهم عنّي معتقدين بأنه ليس هناك ملاجئ لهم وبأنّهم لن يكونوا محبّوبين بقدر ما كانوا محبوبين قبل أن يخطئوا. يا لها من نفوس مسكينة! إن هذه ليست مشاعر إله سكب كلّ دمّه من أجلكم، تعالوا جميعاً إلي ولا تكونوا خائفين، لأني أحبّكم.

أنني سأطهّركم بدمّي وستكونون في بياض الثلج. أنا سأغمر آثامكم في ماء رحمتي ولا شيء سيكون قادر على انتزاع الحبّ الذي أكنه لكم من قلبي. حبيبتي، أنني لم اختارك طائلاً، استجيبي لاختياري بكرم. كوني مخلصة وثابتة في الإيمان. كوني وديعة ومتواضعة كي يعرف الآخرون عظمة تواضعي».

صلاة يسوع في البستان

«لا أحد يصدّق بأنّني عرّقت حقاً دمّاً تلك الليلة في جتسيماني، وقلة تؤمن بأنّني عانيت في تلك الساعات أكثر من معاناتي فى ساعات الصلب. لقد كانت تلك الساعات أكثر ألماً لأنه كشف لي بوضوح أن آثام كلّ شخص جعلت آثامي وبأنّني يجب أن أجيب عن كلّ أحد. وهكذا أنا، البريء والنقي، أجيب الآبّ كما لو أنّي مذنب حقاً بالتضليل وعن كلّ التلوّثات التى اقترفتموها يا إخوتي. أنكم تهينون الإله الذي خلقكم لتكونوا أدوات عظمة الخلق وليس لتضلوا عن الطبيعة التي أعطاها لكم بغرض أن تأخذوا تدريجيا تلك الطبيعة التى ستقودكم لتنظروا تجلّي ذاتي الإلهيّة النقية، لتنظروني أنا خالقكم.

لذلك، جعلت لصّ وقاتل وزاني وكاذب، لقد جعلت شخص مدنّس وشتّام ومشوّه السّمعة ومتمرّد على الآبّ الذي أحببته دائماً. لقد كان هذا التناقض الكامل بين حبّي للآبّ وبين إرادته سبّب عرقي دماً. لكنّي خضعت حتى النهاية ولأني أحبّ كلّ شخص فقد غطّيت نفسي بالذنوب كي أستطيع أن أفعل إرادة الآب وأنقذكم من الدينونة الأبديّة.

راعوا كم أكثر بكثير من آلام البشر كنت أعانيها فى تلك الليلة، وصدّقوني، ما من أحد كان بإمكانه تخفيّف مثل هذا الألم لأنه، بالعكس، لقد كنت أرى كيف إن كل واحد منكم كرّس نفسه لجعل موتي قاسياً في كلّ لحظة ألم أعطت لي بسبب الجرائم التي كان علي سداد عقوبتها بالكامل. لقد أردت أن تعرفوا مرةً أخرى كيف أنني أحببت كلّ البشر في ساعة الهجر والحزن تلك».

انتقل إلى الصفحات التالية لتكملة قراءة الكتاب (أضغط على الارقام)

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.