كتاب من سيناء إلى الجلجلة – شهادة كاتالينا

7٬562

الكلمة السادسة
قَدْ أُكْمِلَ

وضّحَ لي السيد المسيح في يومِ آخرِ أننا لا نرتقي جميعا نحو القداسةِ من نفس الطريقِ، أنه بينما يكون على البَعْض أَنْ يَكْدّوا للقداسة من خلال مذلِتهم، إلا أن آخرون يَجِبُ أَنْ يَكْدّوا لها من خلال فرحهم. مع أن البعض يَجِبُ أَنْ يَكْدّوا للقداسة من خلال فاقتهم للأملِ، وآخرون من خلال مقاومتهم لطباعِهم وآخرون بمقاومة خُيلائِهم، إلا أن آخرون ينبغي أن يكدوا من خلال قوّتِهم كي تَنكسرَ القيودَ التي تَرْبطُهم ببَعْض الرذائل . . . بكلمة أخرى، علي الإنسان أن يسعي للقداسة من خلال مَنْفَذ‏ه الخاص.
قال الرب لى أنه فى كُلَّ مَرَّةٍ نَبْدو متورّطينَ فى طريقِ ما، يَجِبُ أَنْ يكون لدينا تحليلُ يُساعدُنا أن نَرى بوضوح الموضع الذى وَضعتنَا رغباتَنا فيه. أي أشياء تُزعجُنا أكثر، أَو تُبعد سلامَنا، فرحنا. في أي أشياءِ، وفي أي لحظاتِ، نٌَصْدمُ بأعظم التجارب …
لقد تَكلّمَ معي حول التجارب التى أختبرها بعْض الأشخاصَ الذين كُانوا قريبين منه. تَحدّثَ عن تجربة الشك الذى عَانى منه الحواريين عندما اختبروا لحظة الخطرِ عندما كانوا فى القارب. لقد اعتقدوا أنَّهم يَغْرقونَ وغير قادرين على إنْقاذ أنفسهم لأن من يستطيع أَنْ يُنقذَهم، كَانَ نائمَا.
تَكلّمَ معي عن تجربة بطرس لقلةِ إيمانه عندما بَدأَ يغَرَق في الماءِ في اللحظة التى شك فيها بقدرته على المَشي علي الماء ليجيء إلى سيدِه.
تَكلّمَ معي عن تجربة يعقوب ويوحنا، عندما كَانوا يَناقشون، مُتَلَهِّفين لمعْرِفة، من سيَجْلسُ على يمينه، هكذا سْمحُوا لتجارب الحسدِ والخُيلاء والرغبة للسلطةِ أن تجعلهم فريستهم.
لقد تكلم عن التجارب التى عَانى منها الكتّبِة والفريسيين: الحسد والخوف والكراهية التى أحسوا بها ضدّه. المشاعر التي وجّهتْهم لوَضْع الأحجارِ في طريقِه، لكي يَتعثّرُ ويَسْقطُ، لكي يستطيعوا جميعا أَنْ يَنهالوا عليه ويضَربَونه. أخبرَني كيف أنهم كانوا يَطْلبونَ مِنْه إجابة الأسئلةِ لاصْطياَده في خطأ كي يحُكْمون عليه من أجوبته.

تَكلّمَ معي عن تجاربه الخاصةِ أثناء الأربعون يوما التى صامَها في البريّةِ. وكَيف بصلاتِه ورفضِه للشيطانِ كَانَ قادرا على التَغَلُّب عليها.
أني أستطيع أَنْ أُدوّنَ بِضْعَ صفحات تَتعلّقُ بكُلّ ما استمرَّ بإخْباري به عن ذلك, لكن في كُلّ الحالاتِ، الرسالة الأساسية كَانتْ واحدة وهي أنّنا نستطيع التغلّبَ على التجارب فقط من خلال الصلاةِ وبمناشدة أن نفعل إرادة الأبِّ حقاً.

قَدْ أُكْمِلَ

تَكلّمَ يسوع بمثل هذا عندما نَطقَ بكلمتَه السادسةَ.
عندما قُلتُ قد أكمل، لخّصتُ بهذه الكلماتِ كُلّ ما كانت أفكاري تَقُوله إلى الأبِّ. إن تحقيق إرادتكِ قد اكتمل‏، أبتاه … لقد جِئتُ إلى العالمِ من قبل رحمِ العذراء، في جسدِ طفل صغير. صرت إنسانا مثل كُلّ الهالكين الآخرين كي أنقذهم …
إن كُلّ النبوات قد تحُقّقَت فيّ: لقد ولدَت في بيت لحم؛ عِشتُ كالفقراءِ؛ كَانَ عِنْدي إنسان عمّدُني؛ بشّرتُ باسمِكَ. أنك أرسلتَني وأعلنتُك كمَحَبَّ وشفوق كما أنت حقا. عَانيتُ الاضطهاد. لقد أتيتُ كطبيب للجسدِ والنفس، وشفيت كثيرَين كَانوا مرضى. كنت مُخان من قبل صديق مقرّب جداً، وخُنتُ مقابل ثلاثون عملة معدنيةِ عديمة القيمةِ … لقد أتيتُ لأبَرْهَنَ لهم بأنّ من يؤمنُون بك وبيّ لَن يموتوا، وأقمت كثيرَين كَانوا مَوتى.
” قد أكمل ” لقد أتيتُ لأنقذ الخطاة، وها هى واحدة منهم مُقيدةَ إلى صليبِي. أنها بجانب أمَي، وتَبْكي بدافع الحب لَك وبدافع الحُزنِ لي. لقد أحضرت لك لصّ، كي يَفْتحُ أبوابَ الفردوسِ لكُلّ الخطاة الذين يُريدونَ النجاة … قد أُكمل …!
كُلّ النبوءات قد تحُقّقتْ فيّ. أنها تبْلغ أكثر مِنْ عشرون نبوة عن فترةِ آلامِي ومعاناتِي… ها أنا أَتْركُ أمَّي كأمّ لكُلّ البشر، حتى لا يَشعرون أنهم أيتام، وها أنا أَتْركُ التلميذ الكاملَ الذي أعطيتَني إياه لأمّي، في أيدي أولئك الذين سَيَحبّونَني على مدار القرون.
قد أكمل يا أبتاه …! كُلّ شئ قد تم على أكمل وجه, لقد حقّقتُ إرادتكَ! ها هم البشر قد رأوا النور. وعلى الرغم من أنّهم لمَ يميزوه، إلا أنه سَيُنيرُهم على مدى كُلّ تاريخِ الأرضِ. لقد أديت واجبَي نحوك يا أبّتاه؛ بقهر الحية، فَتحتُ الأبواب إلى السماءِ.
تذكّرْي يا بنيتي أيوب عندما يَقُولُ ” يَرْتَعِدُ قَلْبِي وَيَثِبُ فِي مَوْضِعِهِ. فَأَنْصِتْ وَأصْغَ إِلَى زَئِيرِ صَوْتِهِ، وَإِلَى زَمْجَرَةِ فَمِهِ. يَسْتَلُّ بُرُوقَهُ مِنْ تَحْتِ كُلِّ السَّمَاوَاتِ وَيُرْسِلُهَا إِلَى جَمِيعِ أَقَاصِي الأَرْضِ”

لقد أكمل على نحو مثالي. لن يحدث مرة أخرى مطلقاً أن يكون على الإنسان أَنْ يَخْشي إله العدل، الذى صوّرَ بإصرار أنه هكذا بسبب ثقافةِ بعض الناسِ، مِن قِبل أشخاصِ عاشوا أثناء أزمنة التحذيراتِ … لقد أتم الأبن واجبَه أيها الأب, وعلى الرغم من أنَّي يَجِبُ أَنْ أَرجع إليك الآن، إلا أن الكنيسة سَتَكُونُ ولدت مِنْ جنبِي المفتوحِ، وأبواب الجحيمِ لَنْ تَقوي عليها
أنها سَتكُونُ كنيسة مقدّسة، مؤلفة مِنْ أناس قديسين وخطاة. لكن، وسط القذارةِ، نتيجة البؤسِ الإنسانيِ، عديد مِنْ الرجالِ والنِساءِ سَيَحفظون نذورَهم ووعودَهم، وسَيُشرقُون كالنجومِ … أيضاً، لَنْ تَفتقد هذه الكنيسةِ للحُزنِ، للخيانة، للخطيئة … تَعْرفُين بأنّ الكُلّ تلوثُ، والكُلّ يَجِبُ أَنْ يسلكوا من خلال جثسيماني والجلجثة. لكن المخلصين سيبقون، ذلك الجزء من قطيعِ هذه الكنيسةِ، الذى أُطهّرُه من الآنَ فَصَاعِدَاً بكُلّ قطرة من دمِّي، سَيصِلُ إلى جبل تابور لكي يُتجلي.
لقد أكمَلُ يا أبّتاه كُلّ ما كَانَ لابد أَنْ يُتمََّ، وكُلّ ما يجب أنْ يُتمََّ، بما فى ذلك ساعاتِ الظلمةِ التي سَتُخيفُ إنسانَ كثيراً؛ لأنه ضروريُ أن يدخل إنسانَ الظلمِة العالمِ ويشن حربا‏ ضدّنا: ضدك وضدي. لكن ستَظْلُّ مريم يا أبي معاونتكَ الكاملة، وهي سَتَحفظ كلمتَكِ.
لقد عَانيتُ كُلّ شيءَ في جسدِي. لقد تَحمّلتُ كُلّ شيءَ بحرية. ليس كفرضِ من جهتك، بل لأني أردتُ أَنْ أفعْلُ ذلك، من أجل حبِّي لك وللإنسانِ.
قد أكمل، والآن يَجِبُ أَنْ أُرجعَ إليك يا أبتاه. لكن تذكّرُ بأنّني ائتمنتُك على أولئك الذين لي، لكي لا يُفقد واحد منهم …
أَعْرفُ بأنّ أولئك الذين بعد أن أقسموا لى بيمينَ الوفاءِ، سيَذْهبُون خلف ملذّاتَ العالمِ وسَيَفقدون، أولئك الذين، بَعْدَ أَنْ كرّسَوا أيديهم ليقدموني ويعطوني كطعام للرجالِ والنِساءِ، سَيُلوّثُون تلك الأيادي بإحْزان الأبرياءِ وسَيَفقدون، سَيكون عِنْدَهُمْ حينئذ بالتأكيد حبل مَع حجر رحّى مقيّدَ حول رِقابِهم، لإلْقاء أنفسهم في أعماقِ نهر الحممِ.

سَيَُفقد، أولئك الذين، لكونهم غير قادرين على حَمْل الأعباءِ الثقيلةِ، سَيُزيلونَها ويضعونها علي ظهورِ الضعفاءِ، كي يَسْحقَونهم. سَيَفقد، أولئك الذين كونهم عميان بسبب كبريائِهم، لَنْ يَروني بعد في الشعبِ المتواضعِ والبسيطِ. سَيَفقد، أولئك الذين، بَعْدَ أَنْ تَلقّوا المزيد، سَيَكُونوا مسئولين عن المزيد .
لكن أولئك القادرين على البُكاء بالتَأَمُّل على الألمِ الذي يَغْمرُني الآن، أولئك الذين برُؤية امرأة مسنّة ترتدي الأسمال، يَعطونها قبلة على الخدِّ كعلامة الإخوّةِ والمساواةِ، أولئك الذين مع كونهم قادرين على النَوْم على فراش، يَنَامُون على الأرضِ، كي يَكْبحَون جسدهم كعلامة إصلاح من أجل حبِّنا …, أولئك الذين يميزون نظرتَي في أعين المهمّشينِ، يميزون ابتسامتي النقية في ابتسامة الأطفالِ، يميزون صوتي وسط ضوضاءِ وقلق العالمِ، يميزون دموعي في دموع الخطاة التائبينِ …
أولئك الذين يَعْكسونَ يداي في العفو، أولئك الذين سَيسِيرُون على خطاي كمبشّرين، يفتحون نوافذ الأملِ لزرع بذرتِي، غير واثِقُين فى قدراتهم بل في عنايتي الإلهيّة‏ فقط …, أولئك الذين يَجْعلون أنفسهم كأطفالَ صِغارَ، إلى درجة أنّ براءتهم ونقاوتهم تَقُودهم أن يؤمْنوا ويثُقون بالكامل فى حضورِي القويِ …
أولئك الذين ترغب شفاهِهم أن تقدم دائماً ابتسامة, عفو, بركة , لوم لطيف أَو تصحيح أخوي … أولئك الذين لَنْ يَتردّدَون في إعْلان رسائلي, رسائل النجاة, بقوّةِ، بدون أَنْ يُخْشَوا أَنْ يَكُونَوا صامتين، وقادرين على تحمل الضرب، الشرّ، الافتراء، الإهانات بدون أن يدافعوا عن أنفسهم أَو بدون أن يُضمرُوا رغباتَ حقودةَ …, أولئك سَيُنقذُون لأنهم بين أولئك الذين دْعوتهم خاصتي، والذين ائتمنتك عليهم، الذين على الرغم من كونهم في العالمِ إلا أنهم ليسوا مِنْ العالمِ … كي لا يُفقدون …”

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.