كتاب آلام يسوع المسيح كما رواها لكاتالينا

31٬396

يسوع ينطق بكلماته الأخيرةَ

أبنتي، لقد أصغيت ورأيت آلامي، رافقيني حتى النّهاية وشاركيني ألامي. ها صليبي يرتفع الآن. لقد حانت ساعة افتداء العالم! أنا المشهد الساخر بالنسبة للغوغاء … لكني أيضا من وقرته وأحبته نفوس عديدة. إن كان هذا الصليب حتى الآن أداة تعذيب يلقى المجرمين حتفهم عليه، فأنه سيصبح من الآن فصاعداً ضياء وسلام العالم.

سيجد الخطاة مغفرة وحياة في كتبي المقدسة. دمّي سيغسل ويمحو أوساخ آثامهم. النفوس النقية ستأتي إلى جراحي المقدّسة كي تجدد نفسها وكي تتوهّج في محبّتي. أنهم سيتخذون من جراحي ملجئاً وسيجعلونها مسكنهم إلى الأبد. أبّتاه، أغفر لهم لأنهم لا يعرفون ما يفعلوه، أنهم لم يتعرفوا على من هو حياتهم… لقد تخلصوا من كل ضراوة ظلمهم فيه. لكني أتوسّل إليك أيا أبتاه! أطلق فيهم قوّة مراحمك.

اليوم ستكون معي في الفردوس، لأن إيمانك في رحمة مخلّصك قد محا جرائمك. إن الرحمة تقودك إلى الحياة الأبديّة. يا امرأة، ها هو أبنك! أمّاه، ها هم إخوتي! أحميهم، أحبّيهم … أنهم ليسوا بمفردهم. وأنتم، يا من بذلت حياتي من أجلكم، لديكم الآن الأمّ التي تستطيعوا أن تتشفعوا بها من أجل كلّ احتياجاتكم. لقد وحّدتكم جميعاً بأشد الأربطة عندما منحتكم أمّي.

النفس يحقّ لها الآن أن تقول لإلهها ” إلهى، إلهي، لماذا تركتني؟” في الواقع، بعد أن أتممت لغز الفداء، أصبح الإنسان أبن الرب مرة أخري، أخّاً يسوع ووارثاً الحياة الأبديّة … أبتاه…. أنا عطشان لمجدك… ولقد حانت الساعة، من الآن فصاعداً، تتحقق كلماتي، سيعرف العالم أنّك من أرسلتني، وأنت ستمجّد!

أنا عطشان لمجدك، عطشان للنفوس …. وكي أروي هذا العطش، سكبت دمّي حتى آخر قطرة! لهذا السبب أستطيع أن أقول ” قد أكمل” إن سر الحب العظيم قد تم الآن؛ السر الذى من أجله بذل الإله أبنه من أجل العالم كي يعيد الحياة للإنسان … لقد جئت إلى الأرض يا أبتاه كي أعمل إرادتك، ها هي قد تمت الآن! فى يديك أستودع روحى. بهذه الطريقة تستطيع النفوس التي تفعل إرادتي أن تقول بصدق” ها كلّ شئ قد أكمل …” ربي وإلهي، تلقّى روحي … إني أضعها في يديك الحبيبة.

لقد قدّمت موتي إلى أبي من أجل النفوس المحتضرة، والتى سيكون لها حياةً. في صيحتي الأخيرة التى أطلقتها من على الصليب، عانقت كلّ الإنسانية: الماضية الحاضرة والتى ستأتي. فورة النشاط الحادة التي حررت بها نفسي من الأرض، تلقّاها أبي بحبّ لا نهائي، وتهلّلت كلّ السماء بها لأن إنسانيتي كانت تدخل إلى المجد. في نفس اللحظة التي أسلّمت فيها روحي، استقبلتني حشود من النفوس؛ الذين أرادوني قبل قرون والذين أرادوني منذ بضع شهور أو قبل أيام، لكنهم جميعاً أرادوني بقوة. هذا الفرح وحده كان يكفي عن كلّ الشدائد التى تحمّلتها.

يجب أن تعرفوا أنّ تذكار ذلك اللقاء المفرح، حملني أن أقرّر أن أساعد المحتضرين ومرات عديدة فعلت ذلك جهاراً. إني أهبهم الخلاص إكراماً لأولئك الذين استقبلوني بمودّة في السماء. لذا صلّوا من أجل هؤلاء المحتضرين، لأني أحبّهم كثيراً. بقدر ما تطلقون تلك الصيحة الأخيرة التي قدمتها إلى الأبّ، بقدر ما ستكونوا مسموعين لأنه من خلالها، منحت عديد من النفوس.

لقد كانت لحظة من الفرح عندما أظهرت لي كلّ القوات السماوية التى تجمّعت بشكل حيوي لانتظار موتي. لكن من بين كلّ النفوس التي أحاطتني، إنسان غمر بشكل خاص، غمر كثيراً، حتى أنه تلألأ من الفرح، من الحب … أنه يوسف، الذي فهم أكثر أي شخص آخر، المجد الذى نلته بعد مثل هذه المعارك الصعبة. لقد قاد كلّ النفوس التي كانت تنتظرني؛ لقد منح أن يكون سفيري الأول إلى عالم النسيان. الملائكة، برتبهم، قدّموا لى الإكرام بطريقة بحيث أنّ إنسانيتي، المتألقة، أحيطت من قبل قديسين بلا عدد مجدوني وبجلوني.

أبنائي، لا توجد صلبان مجيدة هنا على الأرض؛ أنها جميعاً مغلّفة بالأسرار والظلمة والغضب. بالأسرار لأنكم لا تفهمونها؛ بالظلمة لأنها تربك الذهن؛ وبالغضب لأنها تضرب بالضبط في المواضع التى لا تريدونها أن تضرب فيها.

لا تنوحوا؛ لا تتوانوا. أقول لكم إنني لم أحمل فقط الصليب الخشبي الذي قادني إلى المجد، بل، قبل كل شيء، حملت ذلك الصليب الخفي لكنه صليب دائم والذي تكون من صلبان آثامكم. نعم، ومن صلبان آلامكم. فكلّ شيء تعانوا منه كان موضوع حزني، لأني لم أتألم فقط لأقدم لكم الفداء، بل تألمت أيضاً من أجل ما يجب أن تعانوا منه اليوم. انظروا إلى الحبّ الذي يوحّدني بكم؛ ستجدون فيه برهان عن إرادتي المقدّسة بتوحيد أنفسكم بي ولاحظوا كيف تصرّفت بين مرارة غير محدودة.

لقد اتخذت من قطعة الخشب رمز، صليب. لقد حملته بحبّ عظيم، من أجل خير الجميع. لقد قاسيت من مأساة حقيقية كي يستطيع كلّ شخص أن يفرح معي. لكن اليوم، كم عدد من يؤمن بمن أحبّكم حقاً ومازال يحبّكم؟ تأمّلوني في صورة المسيح الذي يبكي وينزف. هناك وبهذه الطريقة العالم يقتنيني.

قيامة يسوع

الجمعة العظيمة تلاها الفجر المجيد لأحد القيامة. إن كنت قد قرّرت أن لا أبيد العالم، فذلك يعني بأنّني أريد أن أجدده وأن أحييه. تحتاج الأشجار القديمة أن تفقد أوراقها وأن تقلّم كي تستطيع أن تثمر براعم جديدة. أما الأغصان القديمة والأوراق الجافّة، فتصير للحرق.

أعزلوا العنزات الصغيرة عن الحملان، كي تستطيع أن تجد مراعي خصبة ومعدّة على نحو جيد حيث تستطيع أن تشبع جوعها وتشرب من ينابيع ماء الخلاص النقية… أنه دمّي المفتدي الذي يروي الأراضي القاحلة التي أصبحت صحاري عالم النفوس. وهذا الدمّ سيجري دائماً فى الأرض طالما يوجد إنسان واحد ينبغي ان يخلص.

عروسي الحبيبة، إنني أريد ما لا تريديه أنت، لكنّي أستطيع أن أعمل ما لا تستطيعي أن تناليه. إن مهمّتك هى أن تجعليني محبوب من النفوس، وأن تعلميهم أن يعيشوا معي. أنني لم أمتّ على الصليب، واجتزت آلاف العذابات كي أوطن جهنم بالنفوس، بل بالأحرى، لأوطن السماء بالمختارين.

مناجاة الآب

إنني أرى ابني مرتجفاً في ظّلال جثسيماني نازلاً من السماء وأخذاً هيئة وجوهر خليقتي، التي اعتقدت ومازالت تعتقد أنّها تستطيع أن تتمرّد ضدّ خالقها. لقد صار إنسانا، صار ذلك الإنسان الوحيد والمضطرب، أنه الذبيحة المعيّنة، والذى عليه، بذات دمّه، أن يطهر كلّ الإنسانية التي يمثّلها. أنه يرتجف ومذعوراً بإحساسه برؤية بنفسه وقد تغطّى ويمكن القول مدان، بكتلة لا تصدّق من الآثام التي كان لزاماً عليه أن يأخذها من الضمائر المظلّمة لملايين وملايين من المخلوقات المتسخة.

أيا ابني المسكين، لقد أوصلك الحبّ إلى هذا وها أنت خائف منه الآن. من الذي يجب أن يمجّدك في السماء عندما تعود إليها متألقاً؟ أبإمكان أيّ مخلوق أن يهبك المجد الذى تستحقّه، أبإمكان أيّ مخلوق أن يهبك الحبّ الذى تستحقّه؟ وماذا يكون مجد وحبّ الإنسان، ماذا يكون مجد وحبّ ملايين الناس، بالمقارنة بالحبّ الذى قبلت به أعظم التجارب بشاعة التي يمكن أن توجد على الأرض؟ كلا يا ابني الحبيب، لا أحد سوى أبّيك الذى يستطيع أن يضاهيك فى الحب، لا أحد سواي، الذي بروحي، روح الحبّ، أستطيع أن أمجدك وأحبّك لأجل تضحيتك فى تلك الليلة.

لقد تذوقت يا ابني الحبيب، يا من سررت به كل المسرة، سكرات الموت بمعايشة آلام بغاية المرارة في البستان. لقد بلغت حقاً، في نطاق حالتك الإنسانية، لأصدق ولكلّ الآلام التي يستطيع قلب الإنسان أن يتحملها؛ لقد تألمت من أجل الإهانات التى توجه لي، بل تألمت من أجلها بأنقى وأقوى حب فيك. لقد بلغت الحد الذى من خلاله يجب أن تنال كل البشرية فداءاً كاملاً.

لقد اجتذبت منى العدل الكلى الكمال، والحبّ الكلى الكمال، فى الوقت الذى كانوا يعتبرون فيه نفاية العالم، وأنت قبلت ذلك من خلال قبولك الاختياري والحرّ. أنك الآن، بين الكلّ، إكرامي ومجدي ومسرتي. أنك لم تكن مذنباً إلىّ، ليس أنت. أنك دائماً أبني الحبيب، الذي فيه أسر. أنك لم تكن تلك النفاية لأني رأيتك كما أنت دائماً: نوري وكلمتي، وذلك يعني أنا بنفسي. ابني، يا من ارتجفت وخضعت لأجل إكرامي، لقد استحققت أنّ يعلنك أبيك للعالم، إلى ذلك العالم الأعمى، الذي يهيننا بالرغم من محبتنا له!

آه يا ابني الحبيب، إني أراك وسأراك دوماً في ليلة مرارتك تلك، وأنت دائماً في ذهني! لقد تصالحت إلى المخلوقات وبالمخلوقات بسبب حبّك. أنك لم تستطع أن ترفع وجهك نحوي؛ لقد كان مغطى آنذاك بعيوبهم. الآن، كي أسرك، أجعلهم يرفعون وجوههم نحونا كي يظلّوا أسرى حبّنا بلمحة من نورك. الآن يا ابني الحبيب دوماً، سأفعل ما أخبرتك به آنذاك في ظلال جثسيماني، وهم سيكونوا أشياء عظيمة كي يعطونك الفرح والإكرام.

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.