كتاب آلام يسوع المسيح كما رواها لكاتالينا

31٬410

يسوع يؤخذ إلى هيرودس

أمر بيلاطس بأن يأخذونني إلى هيرودس….أنه إنسان فاسد مسكين من الذين يبحثون عن اللذة فقط، سامحاً لها أن تسوقه إلى عواطف منحرفة. لقد كان سعيداً برؤيتي آتياً أمام محكمته لأنه أمل أن يسلّي نفسه بكلماتي ومعجزاتي. خذوا بعين الاعتبار يا أبنائي النفور الذي أحسست في حضرة أكثر البشر أثاره للاشمئزاز، الذي كلماته وأسئلته وإيماءاته المتكلّفة غطّتني بالارتباك. أيتها النفوس النقية والعفيفة تعالوا لتحيطوا بعريسكم والدفاع عنه.

توقّع هيرودس أن أجيبه عن أسئلته الساخرة لكنّي لم ألفظ بكلمة؛ لقد صمت تماماً أمامه. عدم الرد كان أعظم برهان استطعت أن أقدمه له عن منزلتي. كلماته البذيئة لم تكن جديرة بأن تتلاقى بكلماتي النقية. في نفس الوقت، كان قلبي متّحدا على نحو غير محدود بأبي السماوي. لقد كنت مستغرقا فى رغبة أن أسفك دمّي حتى أخر قطرة من أجل النفوس. إن فكرة أن كلّ إنسان ممن سيتبعونني فيما بعد سيقتاد بمثالي وبكرمي، أشعلني بالحب، ولذا لم أمتنع عن ذلك الاستجواب البغيض فقط بل أردت أن أعدو نحو عذاب الصليب.

يسوع يؤخذ ثانية أمام بيلاطس

لقد سمحت لهم أن يعاملوني كإنسان مجنون وهم غطّوني بسترة بيضاء كعلامة عن سخريتهم وهزئهم بى. بعد ذلك، وسط الصيحات الهازئة والغاضبة، أقتادونى مرة أخرى لأمثل أمام بيلاطس. لاحظوا كيف أن هذا الرجل المتحيّر والمرتبك للغاية لا يعرف ماذا يفعل معي. ولإسكات هياج الغوغاء، أمر بأنّ يجلدوني.

في أمثاّل بيلاطس، رأيت النفوس التي تفتقر للشجاعة والقوة كي تنفصل بالكامل عن مطالب العالم وعن طبيعتهم الخاصة. وبدلاً من الابتعاد عن قطع الأخطار التي يخبرهم ضميرهم عنها بألا ينقادوا من العالم ولا من طبيعتهم، يوجههم عقلهم الواعي بأنّ لا يتبعوا روح الصلاح. بعد ذلك يستسلمون أمام نزوة، ممتعين أنفسهم برضي عابر، ويستسلمون جزئياً لما تطالبهم به عواطفهم. ولإسكات الشعور بالذّنب، يقولون لأنفسهم ” لقد حرمت نفسي بالفعل من هذا وذاك، وذلك يكفي.”

أنني سأقول فقط لهذه النفس ” أنك تجلديني كما فعل بيلاطس”، لقد أخذت خطوة، غداً ستأخذين خطوة أخرى. هل تخطّطين لإرضاء عواطفك بهذه الطريقة؟ كلا! أنها ستطلب المزيد قريباً. كما لم يكن عندك الشجاعة لمقاومة طبيعتك الخاصة في هذا الأمر الصغير، فيما بعد ستكون شجاعتك أقل بكثير عندما ستكون الواقعة أعظم.

يسوع يُجلد

أنظروا إلىّ يا أحبائي، لقد تركت نفسي أقاد بوداعة الحمل لعذاب الجلد الفظيع. أنهال الجلادين على جسدي المغطى بالضربات والمغمور بالإعياء بقسوة رهيبة بسياط من الحبال مضفورة وبالعصي. لقد عوقبت بكثير من العنف حتى أنه لم يكن هناك جزء منّي لم يكن فريسةً للألم الرهيب. سبّبت الضربات والركلات جراح لا حصر لها… العصي مزّقت قطع من جلدي ولحمي. تفجرت الدمّاء من كلّ أعضائي. مراراً وتكراراً سقطت بسبب الألم الذى تسببه الضربات لأعضاء رجولتي. جسدي كان في حالة يرثى لها لدرجة إني كنت أشبه مسخ أكثر من إنسان. لقد فقد وجهي معالمه؛ لقد كان منتفخاً بالكامل.

التفكير فى أن نفوس عديدة ستكون ملهمة فيما بعد أن تتبع خطاي، قد ذوانى حبّا، عندما كنت في السجن رأيت المقلدين المخلصين يتعلّمون من وداعتي وصبري وصفائي. ليس فقط سيقبلون المعاناة والازدراء، بل سيحبون حتى الذين يضطهدونهم، وإن أقتضى الأمر، سيضحّون بأنفسهم من أجلهم كما ضحّيت أنا بنفسي.

أثناء ساعات العزلة تلك وفي غمرة كثير من الآلام، أصبحت متوهجاً أكثر فأكثر برغبتي بإتمام إرادة أبي على نحو كامل. هكذا قدّمت نفسي للتكفير عن مجده المهان بعمق! هكذا أنتم أيتها النفوس التقية، يا من تجدون أنفسكم في سجن اختياري لأجل الحب، يا من أكثر من مرة ستظهرون في نظر الآخرين كمخلوقات عديمة الفائدة ومن المحتمل مخلوقات ضارّة، لا تخافوا. دعوهم يصرخون ضدّكم، وأثناء ساعات الألم والعزلة، وحدوا قلوبكم بحمية بإلهكم، موضوع حبّكم الوحيد. أصلحّوا مجده الذى يدنّس من قبل عديد من الآثام.

يسوع يحكم عليه بالموت

عند الفجر أمرهم قيافا أن يقتادوني إلى بيلاطس كي يعلن عقوبة الموت. استجوبني بيلاطس، أملاً أن يجد سبب كي يدينني، لكن في نفس الوقت كان ضميره يعذّبه وشعر بخوف عظيم من الظلم الذى كان سيقترفه. أخيراً وجد طريقة ليتجاهلني وأرسلني إلى هيرودس. في بيلاطس مثال صادق عن النفوس التي تشعر بحركة النعمة وفي نفس الوقت عواطفهم، التي تقع تحت سيطرة العلاقات البشرية والمعمية بحبّ الذات، تسمح للنعمة أن تعبر خوفاً من أن تكون محل سخرية.

أنني لم أجب عن أيّ من أسئلة بيلاطس. لكن عندما سألني: “هل أنت ملك اليهود؟ “، أجبته حينئذ بجدّيّة واستقامة ” أنت قد قلت إني أنا ملك، لكن مملكتي ليست من هذا العالم …” بهذه الكلمات أردت أن أعلّم عديد من النفوس كيف عندما تواتيهم الفرصة لتحمّل الألم أو الإذلال بينما يستطيعوا أن يتجنّبونها بسهولة، فأنهم يجب أن يجيبوا بسماحة ” إن مملكتي ليست من هذا العالم …”. بمعني إني لا أبحث عن المديح من البشر. إن مسكني ليس فى هذا العالم، رغم إنّني سأستريح حيثما تكون الراحة حقّيقيةً.

الآن، تشجّعواً لإتمام واجباتي بدون أن تأخذوا في الحسبان رأي العالم. فإن تقيمه غير مهم، بل يجب أن تتّبعوا صوت النعمة الذي يحجب سحر الطبيعة. إن لم تكونوا قادرين أن تغلبوا بمفردكم، أسألوا عن القوّة والنصح، لأنه فى عديد من المناسبات، العواطف والكبرياء المفرط يعميان النفس ويدفعانها للتصرّف بشكل خاطئ. إن الجلادون الذين يدمّرون جسدي ليسوا عشرة ولا عشرون. هناك عديد من الأيادي التي تجرح جسدي؛ متلقية العشاء الرباني المقدس في الأيدي، أنه العمل الدنس لإبليس !

كيف يستطيعوا أن يتأمّلونني في هذا الخضم من الألم والمرارة دون أن تتأثر قلوبهم بالشفقة علىّ؟ لكنّهم ليسوا الجلادين الذين يجب أن يعزّوني، بل أنتم يا أحبائي المختارين، عزّوني كي تهدأ ألامي. تأمّلوا جراحي وانظروا إن كان هناك أي أحد قد تألم بقدر ما تألمت ليظهر محبّته نحوكم.

يسوع يتوّج بالأشّواك

بإرادة أبي عشت أيام من الحزن الحادّ بدون تذمّر بل بقبول ما أراد الآب أن أشعر به. عندما اعتقلت في البستان، كان متّهميني سريعين بكلّ كذب وأنا، بدون أدني مقاومة، سمحت لهم أن يقتادوني إلى حيثما أرادوا. وعندما أرادوا إحاطة رأسي بتاج الشوك، أحنيت رأسي بدون مقاومة، لأني أخذت كلّ شيء من أيدي من أرسلني إلى العالم.

عندما أنهك التعب أذرع أولئك الرجال القساة من قوة تسديد الضرب ضدّ جسدي، وضعوا تاج منسوج من فروع الأشواك على رأسي، واصطفّوا أمامي قائلين ” هكذا أنت ملك وها نحن نحيّيك! ” البعض صفعني؛ آخرين أهانوني؛ آخرون سددوا ضربات جديدة ضدّ رأسي، كلّ ضربة أضافت ألم جديد لجسدي المجروح والمسحوق للغاية. أنني متعب؛ ليس لدى مكان لأستريح فيه. أعيروني قلوبكم وأياديكم لأغطي نفسي بمحبّتكم. أنني بردان ومحموم؛ احتضنوني للحظة قبل أن يواصلوا تدمير هيكل الحبّ هذا.

دفع الجنود والجلادون جسدي بأياديهم القذرة، وآخرون دفعوني برماحهم مشمئزين من دمي وأعادوا فتح جراحي. بدفعة عنيفة أجلسوني على أحجار مًدببة؛ لقد بكيت بصمت بسبب الألم. بطريقة شائنة، سخرا من دموعي. فى النهاية مزّقوا صدغاي، دافعين التاج المنسوج من الفروع الشائكة لأسفل.

خذوا بعين الاعتبار كيف أنني بذلك التاج أردت أن أكفر عن خطية الكبرياء لعديد من النفوس التى ترغب أن تًمدح على نحو زائد، تاركين أنفسهم متأثرين بآراء العالم الكاذبة. وفوق كل شئ، فقد سمحت لهم أن يتوجوا رأسي بالأشواك. لقد تألم رأسي بقسوة بهذه الطريق كي أًكفر من خلال التواضع الإختياري عن الاشمئزاز والكبرياء والمظهرية لعديد من النفوس التى بسبب حالتها ومنزلتها يدينون ذلك بغير استحقاق، رافضين إتّباع الطريق الذى وضع لهم بتدبيري.

ليس هناك طريق مذلّ عندما يكون مخطّط بإرادة الرب … بلا طائل تعتزموا أن تخدعوا أنفسكم، فكّروا فى أتباع إرادة الرب وفي استسلام كامل لكل ما يطلبه منكم. هناك أناس في العالم، عندما تحين لحظة اتخاذ قرار( لاتخاذ شكل جديد من الحياة)، يفكّرون ويختبرون رغبات قلوبهم. لعلهم يجدون، في من يخطّطون أن يقترنون به، على سبيل المثال، الأسس الصلبة للحياة المسيحية والتقية. قد يروا أنّهم سيتبعون واجباتهم العائلية بطريقة ما ضرورية لإشباع رغباتهم فى السعادة. لكن الزهو والكبرياء يأتيان ليعمي نفوسهم فيتركوا أنفسهم منجذبين برغبة أن يكونوا بارزين وظاهرين. حينئذ يفعلون ما بوسعهم للبحث عن شخص ما، قد يكون أغنى أو من الطبقة العليا، لإشباع طموحهم. آه! كم بعناد يعمون أنفسهم، سأقول لهم ” كلا، أنكم لن تجدوا سعادة حقيقية في هذا العالم وأمل أن تجدونها في العالم التالي. احترسوا، فأنكم تضعون أنفسكم في خطر عظيم!”

سأتكلّم أيضاً مع النفوس النى أدعوها إلى طريق الكمال. كم من الأوهام في أولئك الذين يخبرونني بأنّهم مستعدين لعمل إرادتي وبعد ذلك يوخزون رأسي بأشواك تاجي. على التوالي، هناك نفوس أريدها لنفسي. إني أعرفها وأحبّها، أريد أن أضعها حيثما أقيم، في حكمتي اللانهائية، أريد أن أضعهم حيث سيجدون كلّ ما هو ضروري لينالوا القداسة. هناك حيث سأعلن نفسي لهم، وحيث سيعطونني راحة أكثر وحبّ أكثر ونفوس أكثر. لكن، بكثير من الاحتيال! نفوس عديدة معمية بالكبرياء والافتخار من أجل طموح واهي. يملئون رؤوسهم بالأفكار العقيمة والعديمة الفائدة؛ يرفضون أتباع الطريق الذي وضعته بدافع محبّتي.

أيتها النفوس التي اخترتها، أتعتقدون أنّكم تنفّذون إرادتي بمقاومة صوت النعمة الذي يدعوكم ويرشدكم على طول ذلك الطريق الذي يرفضه كبريائكم؟ أبنتي، يا محبّة أحزاني، عزّيني. أصنعي عرش في قلبك الصغير لملكك ومخلّصك وكلّليني بالقبل. مكلّلاً بالأشواك ومغطّي بعباءة أرجوانية، اقتادني الجنود مرة أخري إلى بيلاطس. دون أن يجد فيّ جريمة ليعاقبني لأجلها، سألني بيلاطس بضع أسئلة، سألني لماذا لا أجيبه رغم علمي بأنّه له كلّ السلطة علىّ. حينئذ، كسرت صمتي وقلت له ” ليس لديك تلك السلطة ما لم تنالها من أعلى، لكنّ لابد أن تتحقق الكتب المقدّسة” وأسلمت نفسي لأبي السماوي، لقد صمت ثانيةً.

إطلاق سراح باراباس

كان بيلاطس يبحث عن طريقة لإطلاق سراحي. لقد أنزعج بسبب تحذير زوجته واضطرب بين ضميره والخوف بأنّ يبادر الشعب بالشغب ضدّه. في الحالة المزرية التي وجدت نفسي فيها، قدمني أمام الرعاع مقترحاً أنّ يهبني حريّتي ويدين باراباس مقابلي، أنه لصّ وقاتل مشهور، أجاب الشعب بصوت واحد ” دعه يموت وأطلق سراح باراباس! ”

أحبائي، أنظروا كيف شبّهوني بمجرم، كيف أنزّلوني أكثر من أكثر الرجال انحرافا. أنصتوا لصيحاتهم الغاضبة ضدّي. أنظروا بأى غضب يطلبون موتي. هل رفضت أن أمضي خلال مثل هذه المجابهة الشائنة؟ كلا، بالعكس، لقد تقبلتها لأجل محبّتي للنفوس ولأظهر لهم بأنّ هذا الحبّ لم يأخذني فقط نحو الموت، بل نحو الموت الأكثر خزياً … على أية حال، لا تظنوا أنّ طبيعتي البشرية لم تشعر بالاشمئزاز أو بالألم. بالعكس، لقد أردت الإحساس بكلّ اشمئزاز الطبيعة البشرية، وأكون خاضعا لنفس ظروفها، مانحكم مثال سيعطيكم القوّة في كلّ ظرف الحياة وأعلّمكم أن تتغلّبوا على الاشمئزاز من ما ستتعرضون له عندما يكون ذلك سؤال عن إتمام الإرادة الإلهية.

أرجع للنفوس التي كنت أتحدّث عنها بالأمس … هذه النفوس دعيت لحالة الكمال، فتتباحث مع النعمة وتتراجع عندما تواجه تواضع الطريق الذى أظهره لها، خائفين كيف سيكون حكم العالم عليهم، أو عندما يقيّمون إمكانيتهم، يقتنعون بأنّهم سيكونوا نافعين أكثر فى مكان آخر لخدمتي ولمجدي. سأردّ على تلك النفوس: قولوا لى، هل رفضت أو حتى تردّدت عندما رأيت نفسي أولد في الليل لأبوين فقراء ومتواضعين وفي إسطبل، بعيداً عن بيتي وعن بلدي وفي أقسي فصول السنة برودة؟

بعد ذلك عشت ثلاثون سنة أمارس مهنة متواضعة وبسيطة في ورشة؛ متعرضاً لازدراء ومهانة الناس الذين يطلبون عملاً من يوسف، أبي. أنني لم أمقت مساعدة أمّي في أكثر المهام خدمة في الدار. مع هذا، ألم يكن لدى موهبة أكثر مما يتطلّبه العمل القاسي كنجار؟ أنا، من في عمر الأثني عشر علّمت علماء الشريعة في الهيكل… لكنّها كانت إرادة أبي السماوي، وهكذا، مجّدته. عندما تركت الناصرة وبدأت حياتي العامّة، قد كان ممكن أن أن أجعل نفسي معروف بأني المسيا وأبن الرب، كي يستمع الناس لتعاليمي بتبجيل، لكنّي لم أفعل ذلك لأن رغبتي الوحيدة كانت أن أعمل إرادة أبى …

وعندما حانت أيام آلامي، من خلال قسوة البعض وإهانات الآخرين، من خلال هجر خاصتى وجحود الرعاع، من خلال عذابات جسدى التى لا توصف واشمئزاز نفسي، أنظروا كيف بحبّ عظيم، كنت ما زلت أعلن وأعانق إرادة أبي السماوي. هكذا عندما تتغلّب النفس على الصعوبات والاشمئزاز، فأنها تخضع نفسها بسخاء لإرادة الرب. حينئذ تأتي لحظة تتّحد فيها النفس معه، وتتمتّع بعذوبة يتعذر وصفها. ما ذكرته للنفوس التي تحتقر الحياة المتواضعة والخفية، أكرّره للذين يدعون إلى صلة متواصلة مع العالم بينما هم يفضلون الخلوة الكاملة والعمل المتواضع والخفي.

أحبائي المختارين، إن سعادتكم وكمالكم لا يوجدان في إتباع ما تفضلونة وميولكم الطبيعة، بكونكم معروفين أو مجهولين من المخلوقات، في استعمال أو أخفاء الموهبة التى لديكم، بل بالأحرى في توحيد وتكييف أنفسكم بمن يسألكم عن مجده وعن قداستكم وذلك من خلال الحبّ وبالخضوع الكامل لإرادة الرب، يكفي اليوم يا ابنتي الصغيرة، أحبي وعانقي إرادتي بابتهاج؛ أنك تعلمي أنّها دائماً ما تكون من أجل الحبّ.

تأمّلوا للحظة فى عذاب قلبي الذى لا يمكن وصفه ، برؤيته يوضع خلف باراباس. كم تذكّرت حينئذ حنان أمي عندما كانت تحتضني فى صدرها! وكم كان شديد الوضوح القلق والإجهاد الذي عاناه أبي بالتبّني لإظهار محبّته لى. كم تذكّرت المنافع التى سكبتها مجاناً على هذا الشعب الناكر للجميل؛ معطياً البصر للعميان، شافياً للمرضى، مقيماً المشلولين، مطعماً للجموع ومقيماً للموتى. علىّ الآن أن أرى نفسي خفضت لأكثر الحالات احتقارا! لقد صرت أكثر إنسان مكروهاً من البشر، وها أنا أدان بالموت كلصّ مدان بجريمة شائنة.

يسوع يغفر حتى لأعظم الخطأة

أعلن بيلاطس الحكم. أبنائي الصغار، خذوا بعين الاعتبار كم عانى قلبي … بعد أن أسلمني يهوذا في بستان الزيتون، هام على وجهه وهرب كهارب دون أن يكون قادر على إسكات صرخات ضميره، الذي أتهمه بتدنيس المقدسات. وعندما بلغت آذانه أخبار الحكم بصلبي، أستسلم لليأس وشنق نفسه.

من يقدر أن يفهم ألام قلبي الحادّة عندما رأيت تلك النفس تلقي بنفسها إلى دينونة أبديّة؟ هو الذي قضى ثلاث أعوام في مدرسة حبّي يتعلّم مبادئي ومتلقياً تعاليمي، وأستمع عديد من المرات لشفاهي تغفر لأعظم الخطاة. يهوذا! لماذا لم تأتي وتلقي بنفسك عند قدماي كي أغفر لك؟ إن كنت لم تتجاسر أن تقترب منى خوفاً من الذين يحيطون بي ويعاملونني بغاية السوء، كنت انظر إلي على الأقل وأنت سترى كيف ستنظر إليك عيناي فى الحال.

أحبائي، يا من تورّطتم في أعظم الآثام… إن عشتم بعض الوقت هائمين كهاربين بسبب جرائمكم، إن أعمتكم الآثام التي أذنبتم بها وقسّت قلوبكم، إن كنتم بإتباع بعض أهوائكم سقطتم فى أعظم اضطراب، لا تسمحوا لليأس أن يسيطر عليكم عندما يتخلى عنكم شركاء خطاياكم وتدرك نفوسكم هول ما اقترفتموه. ما دام لدى إنسان لحظة من الحياة، فهو ما زال لديه وقت لينشد رحمتي ويلتمس مغفرتي.

إن كنتم وأنتم صغار تركتكم فضائح حياتكم الماضية في حالة من المهانة أمام البشر، لا تخافوا ! حتى عندما يزدري العالم بكم ويعاملكم كأشخاص أشرار ويهينكم ويتخلّى عنكم، تأكّدوا أن إلهكم لا يريد أن تكون نفوسكم وقوداً لنيران جهنم. أنه يريد أن تتجرأوا وتتكلموا معه، أن توجهوا نظراتكم وتنهدات قلوبكم إليه، وسترون فى الحال يدّه الرحيمة والأبوية تقودكم نحو ينبوع المغفرة والحياة. إن كنتم بدافع الحقد قضيتم جزء عظيم من حياتكم بطريقة فوضوية وفى لا مبالاة، والآن قرب النهاية، يريد اليأس أن يعمي أعينكم، لا تدعوه يضلّلكم. ما زال هناك وقت للمغفرة. أنصتوا بعناية؛ إن لم يكن لديكم سوى ثانية واحدة من الحياة، استغلوها، لأنكم تستطيعوا أن تنالوا الحياة الأبديّة خلال تلك الثانية.

إن أنقضت حياتكم في الجهل والخطأ، إن كنتم مصدر لأعظم أذى للبشر وللمجتمع، وحتى للدين، ولأيّ سبب أدركتم أخطائكم، لا تسمحوا لنفوسكم أن تسقط بثقل الأخطاء ولا بالأذى الذى كنتم أداته. بل بالعكس، أسمحوا لنفوسكم أن تغمرها الأحزان واندفعوا بثقة والتفتوا نحو من ينتظركم دائماً كي يغفر لكم. نفس الشئ يصدق على النفس التي قضت سنوات حياتها الأولى فى التزام مخلص لوصاياي، لكنها سقطت من التأجّج قليلا قليلا إلى حياة فاترة ومريحة …

لا تخفي أيّ شئ مما أقوله لك، لأنه بالكامل لمنفعة كلّ الإنسانية. كرّريه في وضح النّهار؛ عظي به للذين يريدون حقاً أن يسمعوه. النفس التي تتلقّى ذات يوم هزة قوية لتيقظها، ترى فجأة حياتها عديمة القيمة وفارغة وبدون استحقاقات لنوال الحياة الأبدية. يهاجمها الشرير بغيرة جهنمية بألف طريقة، فيغالي فى أخطائها. ويثير فيها الحزن والقنوط، وفى النهاية يوصلها للخوف واليأس. أحبائي، يا من تنتمون إلي، لا تنتبهوا لهذا العدو القاسي. ما أن تشعرون بحركة النعمة في بداية معركتكم، تعالوا إلى قلبي. أشعروا ولاحظوا كيف أنه يسكب قطرات من دمّه على نفوسكم، وتعالوا إلي.

أنكم تعرفون أين أنا، أنا تحت حجاب الإيمان …. أرفعوه وبثقة كاملة أخبروني عن كلّ أحزانكم وتعاستكم وسقاطاتكم … أصغوا لكلامي بثقة ولا تخافوا من الماضي. فإن قلبي قد غطسه في أعماق رحمتي ومحبّتي اللذان بلا حدود. إن حياتكم الماضية ستعطيكم التواضع الذي سيملئكم. وإن أردتم أن تعطوني أفضل برهان عن محبّتكم، ثقوا بي واعتمدوا على مغفرتي. آمنوا بأنّ آثامكم لن تكون أعظم من رحمتي الغير محدودة.

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.