كتاب آلام يسوع المسيح كما رواها لكاتالينا

31٬396

تأسيس سر العشاء الرباني

رغبتي في أن تكون كلّ النفوس طاهرة عندما يتناولوني في وليمة الحبّ، دفعني لأن أغسل أقدام تلاميذي. لقد فعلت ذلك أيضاً لأشرح سر الاعتراف، الذي تستطيع النفوس التي سقطت فى محنة الخطيئة، أن تغسل نفسها وتستعيد نقاوتها المفقودة من خلاله. بغسل أقدامهم، أردت تعليم النفوس، التي لها مهام رسولية، التواضع وأن يعاملوا الخطاة وكلّ الأنفس التي ائتمنوا عليها بحنان. لقد ائتزرت بمنشفة لأعلمهم أنه ليكونوا ناجحين مع النفوس يجب أن يمنطقوا أنفسهم بالإهانة وبنكران الذات.

لقد أردتهم أن يتعلّموا المحبة المتبادلة وكيف يجب أن يطهّروا الأخطاء التى يلاحظونها في قريبهم ويخفونها ويغفرون لهم دائماً بدون أن يكشفوا عن أخطائهم أبداً. الماء الذي سكبته على أقدام تلاميذي كان انعكاس للتوهج الذي أستنفذ قلبي بشهوة إنقاذ البشر. الحبّ الذي أحسست به في تلك اللحظة حيال البشر كان لانهائي ولم أرد أن أتركهم يتامى. كي أحيا معكم حتى اكتمال الوقت ولإظهار حبّي لكم، أردت أن أكون أنفاسكم، حياتكم، سندكم، أردت أن أكون كلّ شيء! حينئذ رأيت كلّ النفوس التى ستتغذّى على مدى الزمن من جسدي ودمّي، ورأيت كلّ التأثيرات الإلهية التى سيحدثها هذا الطعام في كثير من النفوس.

ذلك الدمّ الذي بلا دنس سيلّد النقاوة والبتولية في نفوس عديدة؛ في نفوس آخرى سيشعل نار الحبّ والتأجج. تجمع كثيرين من شهداء الحبّ في تلك الساعة أمام عيناي وفي قلبي! نفوس أخرى عديدة، بعد أن اقترفت عديد من الآثام الخطيرة وضعفت من قبل المشاعر، ستأتي إلي كي تجدد قوّتها بخبز القوة! كم أودّ أن أعلن عن مشاعر قلبي لكلّ النفوس! كم أرغب أنّ يعرفوا الحبّ الذى أحسست به نحوهم في العلية عندما أسّست سر العشاء الرباني المقدس. لا أحد يستطيع أن ينفذ إلى مشاعر قلبي أثناء تلك اللحظات، مشاعر من الحبّ والفرح والحنان، لكن عظيماً كان أيضاً الأسى الذي أجتاح قلبي.

هل أنتم أرض جيدة لإنشاء بناية رائعة؟ نعم ولا. نعم، بسبب المواهب التي منحتها لكم منذ ميلادكم؛ لا، بسبب الاستعمال الذي صنعتموه منها. أتعتقدون أنّ أرضكم ذات نسب مناسبة لإنشاء البناية التي أشيدها؟ أنها رديئة! إذن، على الرغم من كلّ العناصر المعارضة الموجودة فيكم، إلا أن حساباتي لن تفشل لأنها حرفتي أن اختار الرديء للهدف الذى نويته فى نفسي. أنا لا أقع فى أي خطأ لأني أستخدم براعة الفنان والحبّ. إني أشيّد بنشاط بدون إدراككم. رغبتكم لمعرفة ما أفعله تخدمني لأبرهن لكم بأنّكم لا تستطيعوا أن تفعلوا أو تعرفوا أيّ شئ دون أن أرغب أنا ذلك، لقد حان وقت العمل، لا تسألوني أيّ شئ لأن هناك شخص ما يفكّر بشأنكم.

أريد أن أخبر أحبائي عن الأسى والألم الهائل الذي ملأ قلبي فى تلك الليلة. بالرغم من أنّ فرحي كان عظيماً بأن أصبح الغذاء الإلهي للنفوس ورفيق البشر حتى نّهاية الأيام، وبرؤية الكثيرين الذين يقدمون لى الإجلال والحبّ والتعويض، عظيم كان الحزن الذي سبّبه لى تأمّل كلّ تلك النفوس التي كانت تتخلّى عنّي في الهيكل والكثيرين الذي يشكّون في وجودي في العشاء الرباني المقدّس. كم من قلوب ملوّثة ومتسّخة وممزّقة بالخطيئة يجب أن أدخلها! وكيف أن تدنيس جسدي ودمّي سيصبح سبب لإدانة عديد من النفوس! أنكم لا تستطيعوا فهم الطريقة التي تأمّلت بها كلّ تدنيس للمقدسات والإهانات والبغض الهائل الذي سيقترف ضدّي والساعات العديدة التى سأقضيها وحيداً في الهياكل. عديد من الليالي الطويلة! كم من أناس سيرفضون نداءات المحبّة التي ستوجّه لهم.

لأجل محبّتي للنفوس، أظلّ سجيناً في القربان المقدس، كي يكون بإمكانكم أن تذهبوا لتعزية أنفسكم في أحزانكم وضيقاتكم مع أكثر القلوب حناناً، مع أفضل الآباء، مع أكثر الأصدقاء إخلاصاً. لكن ذلك الحبّ المتوهج من أجل خير جنس الإنسان، لن يكافئ بحب يعادله. أنني أحيا بين الخطاة كي أكون خلاصهم وحياتهم، لأكون طبيبهم ودوائهم؛ ومع ذلك، بالمقابل، بالرغم من طبيعتهم المريضة، سيبعدون أنفسهم عنّي. سيهينونني ويحتقرونني. أبنائي، أيها الخطاة المساكين! لا تبعدوا أنفسكم عنّي. إني أنتظركم ليلاً ونهاراً في وعاء القربان. فأنا لن أنتقد جرائمكم؛ لن ألقي بآثامكم في وجوهكم. ما سأفعله هو أنني سأغسلكم بدمّ جراحي. لا تخافوا، تعالوا إلّي. أنكم لا تعرفون كم أحبّكم.

وأنتم أيها الأحباء، لماذا أنتم فاترين وغير مبالين بمحبّتي؟ أعلم أنّكم يجب أن تعتنوا باحتياجات عائلاتكم وبيوتكم، وبالعالم الذي يدعوكم باستمرار. لكن، أليس لديكم لحظة لتأتوا وتعطوني برهان عن محبّتكم وامتنانكم؟ لا تدعوا عديد من المشاغل العديمة الجدوى تجذبكم بعيداً؛ ادخروا لحظة من وقتكم لزيارة أسير الحبّ. إن مرض جسدكم، ألا يمكنكم أن تجدوا بضع دقائق للبحث عن طبيب ليعالجكم؟ تعالوا لمن يستطيع إعطائكم قوّة وصحة النفس. أعطوا صدقة الحبّ لهذا الشحاذ الإلهي، الذي يدعوكم، الذي يريدكم وينتظركم. ستحدث هذه الكلمات تأثير حقيقي وعظيم في النفوس. أنها ستنفذ إليهم في العائلات والمدارس والاجتماعات الدينية، فى المستشفيات والسجون، وستخضع نفوس عديدة لحبّي. ستأتي أعظم آلامي من الكهنة والراهبات.

في اللحظة التى أسّست فيها سر العشاء الرباني المقدّس، رأيت كلّ النفوس المميّزة التي ستتغذّى بجسدي ودمّي والتأثيرات التى ستحدث فيهم. إلى البعض، جسدي سيكون العلاج لضعفهم. لآخرين، سيكون نار ستنجح في تبديد تعاستهم، تشعلهم بالحبّ. آه! إن تلك النفوس التى تجمّعت أمامي ستكون حديقة هائلة سينتج كلّ نبات فيها زهرة مختلفة، لكن الجميع سيبهجونني برائحتهم. جسدي سيكون الشمس التي تعيدهم إلى الحياة. أنا سأجيء إلى البعض لأتعزى، لآخرين لأختبئ، سأرتاح في آخرين. لو كنتم فقط تعرفون يا أحبائي كم هو سهل أن تعزّوا وتخبئوا وتريحوا إلهكم.

هذا الإله الذي يحبّكم بحبّ لانهائي بعد أن أطلق سراحكم من عبودية الخطيئة، قد غرس فيكم نعمة الكهنوت التى لا تضاهى. لقد أعادكم بطريقة غامضة إلى حديقة أفراحه. هذا الإله، مخلصكم، أصبح عريسكم. أنه يغذّيكم بنفسه بجسده الطاهر ويروي عطشكم بدمّه. أنكم ستجدون فيّ الراحة والسعادة. أبنتي الصغيرة! لماذا نفوس كثيرة، بعد أن امتلأت بعديد من البركات والنعم، تكون سبب مثل هذا الحزن في قلبي؟ ألست دائماً نفس الإله؟ هل تغيّرت نحوكم، كلا! أنا لا أتغيّر البتة، وسأحبّكم بشغف وبحنان حتى النّهاية. أعرف أنّكم ممتلئين بالتعاسة، لكن هذا لن يمنع عنكم نظراتي الحنونة وانتظاري لكم بلهفة، ليس فقط لأريّحكم من تعاستكم، بل لأملئكم ببركاتي أيضاً.

إن سألتكم عن محبّتكم، فلا تنكروها مني. من السّهل جداً أن تحبّوا من هو الحبّ نفسه. إن سألت عن شيء عزيز لطبيعتكم، فإني أعطيكم النعمة والقوّة الضروريان لتستطيعوا أن تكونوا موضع راحتي. اسمحوا لي أن أجيء إلى نفوسكم، وإن لم تجدوا فيكم أيّ شيء يستحقني، اخبروني بتواضع وبثقة “إلهي، بإمكانك أن ترى الثمار التى تنتجها الشجرة. تعال وأخبرني ماذا عليّ أن أفعل، كي تثمر من الآن الثمار التي ترغبها.

إن أخبرتني النفس بهذا برغبة حقيقية لإثبات محبّتها، سأجيبها: “أيتها النفس العزيزة، اسمحي لي أن أفلح محبتّك” هل تعرفوا الثمار التي ستحصلون عليها؟ الغلبة على طبيعتكم سيصلح الإساءات؛ سيكفّر عن العيوب. إن لم تضطربوا عندما تصحّحون وتتقبلوا ذلك بسرور، ستحدثون تغيّير فى تلك النفوس المعمية بالكبرياء ولسوف تتضع وتسأل عن المغفرة.

هذا ما سأفعله في نفوسكم إن سمحتم لي بالعمل بحرية. الحديقة لن تزهر فى الحال، لكنّكم ستمنحونني طمأنينة كبيرة لقلبي. كلّ هذا مرّ أمامي عندما أسّست سر العشاء الرباني المقدس وكنت مشتعل برغبة أن أغذي النفوس. أنني لم أكن سأظلّ على الأرض لأحيا مع كائنات مثالية، بل بالأحرى لأحمل الضعفاء ولأغذّي الأطفال، لأجعلهم يكبرون، لأنشّط نفوسهم ليستريحوا من تعاستهم، ورغباتهم الطيبة ستعزّيني. لكن ضمن مختاريني هناك نفوس تسبّب لي الحزن. هل سيثابرون جميعاً؟ هذه هي صيحة الألم التي فلتت من قلبي؛ هذا هو الأنين الذي أريد أن تسمعه النفوس.

إنّ الحبّ الأزلي يبحث عن النفوس التي قد تقول أشياء جديدة حول الحقائق القديمة المعروفة. الحبّ اللانهائي يريد أن يخلق في صدر الإنسانية قضاء الرحمة المحضة وليس قضاء العدالة. لهذا تتضاعف الرسائل في جميع أنحاء العالم. من يفهم هذا يتعجب من عملها، يستغلّها، ويساعد الآخرين لينتفعوا منها أيضاً. من لا يفهم، يظل عبد الروح الذي يموت ويدان.

إلى هؤلاء أوجّه كلام دينونتي، لأنهم يعرقلون عملي الإلهي ويصبحون شركاء الشيطان. عندما يدينون، فأنهم يغطّون ويضطهدون الذي يأتي ليس من مخلوق بل من الخالق، إن ذكائهم يحدث ضغوطاً على عقولهم الطفولية. إني أظهر معرفتي لمن دعوتهم صغاري، من ناحية أخرى، أخفيها عن المتكبرين. أيتها النفس، اسمحي لي أن أسكب نفسي فيك. صيري صمام قلبي لأن هناك دائماً شخص ما يقمع حبّي.

يسوع يَعمَلُ إرادة الأبَ

في آلامي أريدكم أن تأخذوا فى الاعتبار وقبل كل شيء، المرارة التي سببتها معرفتي للآثام التي تظلّم ذهن الإنسان وتقوده إلى الانحراف. فى أغلب الأحيان تكون هذه الآثام مقبولة كثمرة ميول طبيعية تدعون أنها لا يمكن مقاومتها بإرادة الإنسان. اليوم، كثيرين يعيشون في خطايا خطيرة، يلومون الآخرين أو القضاء والقدر، بدون أن يحاولوا التخلّص منها. لقد رأيت هذا في جثسيماني وعرفت الشرّ العظيم الذى ستستغرق فيه نفسي. لقد رأيت كثيرين جداً فقدوا بمثل هذا وكم عانيت من أجلهم!

هكذا بمثالي، بغسل أقدامهم وبأن أصبح غذائهم، علّمت تلاميذي أن يساندوا كلّ منهم الآخر. الساعة التى لأجلها جعل إبن الإله إنسان ومخلص لجنس البشر كانت تقترب؛ الساعة التى سيريق فيها دمّه ويبذل حياته من أجل العالم. في تلك اللحظة أردت لكي أكون في صلاة وأن أهب نفسي لإرادة أبي، آنذاك كانت إرادتي كإنسان تغلب المقاومة الطبيعية للألم العظيم المعد لي من قبل أبينا، الذي كان مجروحاً أكثر من نفسي. حينئذ، أسلمت نفسي بين تلك النفوس المفقودة لأصلّح ما قد فسد. إن قدرتي تستطيع أن تفعل كلّ شئ، لكنى أردت العجز لأضيفه لعجز الآخرين، وهذا العجز، قدمته بنفسي بحبّ لانهائي.

آلامي . . يا لها من هاوية لا تنتهي من المرارة أحاطت بنفسي! كم يخطئ من يظن أنّه يفهمها، رغم أنه يفكّر فقط فى آلام جسدي الرهيبة.
أبنتي، لقد ادّخرت لك مشاهد أخرى من المآسي العميقة التي عشتها وأريد أن أشاركك فيها لأنك واحدة من الذين أعطاهم الأبّ لى في البستان.
أحبائي، تعلّموا من مثالكم بأنّ الشيء الضروري الوحيد، حتى لو تمردت طبيعتك عليك، هو أن تخضع نفسك بتواضع واستسلام لإتمام إرادة الرب.

لقد أردت أيضاً أن أعلّم النفوس أن الأعمال المهمة يجب أن تعدّ وتنشّط من خلال الصلاة. في الصلاة، تكون النفس محصّنة ضد أكثر الأمور صعوبةً والرب يتّصل بالنفس ويمنحها المشورة ويلهمها حتى لو لم تكن (النفس) مدركة لذلك. لقد تراجعت إلى البستان مع ثلاث من تلاميذي، لأعلّمهم أن طاقات النفس الثلاث يجب أن ترافقهم وتساعدهم في الصلاة. تذكّروا، من الذاكرة، المعونات الإلهية، كمال الرب: رأفته، قدرته، رحمته، والحبّ الذي يكنه لكم. بعد ذلك، أنظروا بفهم كيف تكافئوه عن الأعاجيب التي فعلها لكم …. من خلال الصلاة، في خلوتكم وصمتكم، أسمحوا لإرادتكم أن تتحرك كي تفعل المزيد والأفضل للرب، وأن تكونوا مكرّسين لخلاص النفوس، سواء بعملكم الرسولي أو بحياتكم المتواضعة والمخفية.

اطرحوا ذواتكم بتواضع كمخلوقات في حضرة خالقهم، ومجّدوا مقاصده لكم، مهما كانت، أودعوا إرادتكم للإرادة الإلهية. بهذه الطريقة قدّمت نفسي لإتمام عمل فداء العالم. آه! يا لها من لحظة عندما أحسست بكلّ ذلك العذاب يأتي علىّ، العذاب الذي كان علىّ أن أعانيه في آلامي: الافتراء، الإهانات، الجلد، الركل، تاج الشوك، العطش، الصليب … كلّ ذلك عبر أمام عيناي في نفس الوقت الذي اخترق ألم حادّ قلبي؛ المخالفات، الآثام، والرجس الذى سيقترف بمرور الوقت. وأنا لم أراها فقط، بل أحسست وقد انغرسوا فىّ بكلّ تلك البشاعة، وبهذه الطريقة قدّمت نفسي إلى أبي السماوي كي أناشدة الرحمة.

ابنتي الصغيرة، لقد قدّمت نفسي كسوسنة كي أهدئ غضبه واسترضى حنقه. مع ذلك، بكثير من الجرائم وبكثير من الآثام، اختبرت طبيعتي البشرية معاناة مميتة لحدّ العرّق دماً. هل ممكن لهذا الألم وهذا الدمّ أن يصبحا بلا فائدة لكثير من النفوس؟ … إن حبّي كان أصل آلامي. إن لم أرده، من كان يستطيع أن يمسّني؟ لقد أردته ولإتمام هذا، استخدمت أقسي من فى البشر. قبل المعاناة، عرفت في نفسي كلّ المعاناة واستطعت أن أقيّمها بالكامل. لكن بالرغم من ذلك، عندما أردت أن أعاني، كان عندي الإحساس البشري بكلّ الآلام. لقد أخذتها كلّها، بالإضافة إلى المعرفة والتقييم الكامل لها.

عند التكلم عن آلامي، لا أستطيع الدخول فى كثير من التفاصيل. لقد فعلت ذلك مرات أخري ولم تستطيعوا فهمها بسبب طبيعتكم البشرية، أنكم لا تستطيعوا فهم المدى الهائل للآلام التي قاسيتها. نعم، إني أنيركم، لكنّي أظلّ داخل حدّود لا تستطيعون أن تتخطوها. لقد أعلنت كلّ آلامي لأمّي فقط، لهذا فأنها قاستها أكثر من أي شخص. لكن العالم سيعرف اليوم أكثر مما سمحت له حتى الآن، لأن أبي يريد ذلك بهذه الطريقة. لهذا السبب، يزدهر بصيص من الحبّ في كنيستي بسبب كلّ الظروف المتغيرة التي أخذتني من البستان إلى الجلجثة. إني أظهر آلامي لأحبائي الذين كانوا معي في البستان أكثر من أي شخص آخر. فأنهم قادرين على ذكر الشّيء الذي يناسب الفكر الحديث. وإن استطاعوا، فأنهم يجب أن يفعلوا ذلك. لهذا يجب أن تدوّني كلّ ما أخبرك به يا صغيرتي، من أجلك ولأجل كثيرين آخرين ولأجل راحة النفوس ولأجل مجد الثالوث القدّوس الذي يريد أنّ تكون معاناتي في جثسيماني معروفةً.

إن نفسى حزينة حتى الموت. في حين أن الحزن لا يمكن أن يكون سبباً طبيعياً للموت، لقد أردت اختبار حزن الروح، الذي يتضمّن الغياب الكامل لتأثير اللاهوت والحضور المفجع لأسباب آلامي. في روحي، الذى كان يتعذّب حتى الموت، كانت حاضرة كلّ الأسباب التي دفعتني لجلب الحبّ إلى الأرض. أولهاً كانت الإهانات التى وجهت ضدّ معاناتي الإلهية كإنسان، مع إدراك كامل بإلوهيتي. أنكم لا تستطيعوا بلوغ أيّ شئ يماثل مثل هذا النوع من المعاناة لأن الإنسان الذي يأثم يفهم بنوري الجزء الذي يتوافق معه وفى عديد من المرات يفهمه بشكل ناقص، أنه لا يفقه مدى ما تعنيه الخطية أمامي. لذلك السبب، الرب وحده من يستطيع أن يعرف بوضوح فداحة الإساءة التى توجه إليه.

بالرغم من هذا، يجب على البشر أن يكونوا قادرين على تقديم معرفة كاملة وحزن حقيقي وتوبة للاهوت، وأنا أستطيع أن أدع الإنسانية تفعل ذلك حينما ترغب. أننى أفعل هذا في الحقيقة بتقديم معرفتي التي تعمل داخلي كإنسان، كإنسان يحمل وزر الإساءة ضدّ الإله. هذه كانت رغبتي: أنه من خلالي، الخاطئ التائب سيكون عنده طريقة ليتقدم لإلهه باعتراف بالإساءة التى أقترفها، وأنّا، بإلوهيتي، أستطيع أيضاً أن أتلقّى الفهم الكامل لما أقترف ضدّي. يكفي هذا اليوم، أنك لا تعرفين كم تعزّيني عندما تهبي نفسك لي بكلّ خضوع، إنني لا أستطيع أن أتكلّم كل يوم مع النفوس … دعيني أخبرك بأسراري لتنقليها لهم! دعيني أستخدم أيامك ولياليك!

لقد كنت حزيناً حتى الموت لأنني استطعت أن أرى التراكم الهائل للخطايا التى تقترف في كل موضع. وإن كان لأجل خطية واحدة اختبرت موتاً لا شبيه له، فماذا ممكن أن أختبر لأجل مزيج من كلّ الخطايا؟ “حزينة هي نفسي حتى الموت …” حزناً أحدث فيّ تخلى عن كلّ قوّة؛ حزن صار  له مركز فيّ، أنا الربوبية، تتجمّع تجاهه كل تيارات الذنوب ورائحة نتانة كل النفوس التى تعفنت بكلّ أنواع الرذائل. لذلك السبب، كنت الهدف والسهم آن واحد، كإله كنت الهدف، وكإنسان كنت السهم. وما أن غمرت بكلّ الخطايا، ظهرت أمام أبي كالأثيم الوحيد. حزن أعظم من هذا لا يمكن أن يوجد، وأنا أردت أن أناله بالكامل، من أجل محبّتي للأبّ، ومن أجل رحمتي بكم جميعاً.

إن كان الإنسان لا ينتبه لهذه الأمور، فأنه يتأمّل بلا جدوى فى معانى هذه الكلمات التي تتضمّن كلّ جوهري كإله وكإنسان. أنظروا إلىّ في سجن الروح الهائل هذا. ألا أستحقّ الحبّ لكوني جاهدت وتألمت كثيراً؟ ألا أستحقّ أن تعدني الخليقة من خاصتهم، عالمين بأنّني بذلت نفسي بالكامل بلا تحفّظ؟ اشربوا جميعاً من ينبوع صلاحي الذى لا ينضب. اشربوا! فإني أقدّم لكم أحزاني في البستان؛ قدموا لى أحزانكم، كلّ أحزانكم. إني أريد أن أصنع من أحزانكم باقة من البنفسج، يتجّه عطرها دوماً نحو لاهوتي.

“أبّتاه، إن أمكن، أبعد هذا الكأس عني، لكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك” لقد قلت هذا بعلو المرارة، عندما أصبح ثقل الحمل الذي وضع علىّ قد صار دموياً حتى إن نفسي أحسّت بنفسها في ظلمة لا يمكن تصديقها. لقد قلت ذلك للأبّ لأني، بأخذ كلّ الملامة، قدّمت نفسي أمامه كالأثيم الوحيد الذى أفرغت ضده كلّ عدالته الإلهية. وأحسست بالحرمان من إلوهيتي، فقط إنسانيتي ظهرت أمامي. خذ منّي أيها الآب هذا الكأس المرير التى تقدمها لي والتى قبلتها عندما أتيت إلى هذا العالم لأجل محبّتك. لقد بلغت لنقطة لا أميّز فيها حتى نفسي.

أيها الأبّ، يا من يحبّني، لقد جعلت الآثم ميراثي، وهذا يجعل وجودي أمامك لا يطاق. لكون جحود البشر قد صار معروفاً لي، فكيف سأتحمّل أن أرى نفسي وحيداً؟ إلهي، أرحمني من تلك العزلة العظيمة التي وجدت نفسي فيها. أحتى أنت تريد أن تتخلّي عنّي؟ أيّ معونة سأجد إذن في مثل هذا السحق العظيم؟ لماذا تضربني أنت أيضاً بهذه الطريقة؟ نعم، أنك تحرمني منك. إني أحسّ وكأني أسقط فى مثل هذا الهاوية التي لا أميّز فيها حتى يدّك في مثل هذا الوضع المأساوي. إن الدمّ الذي يتسرّب من جسدي يعطيك شهادة عن انسحاقي تحت يدّك القويّة.

لهذا الحدّ صرخت؛ سقطت. لكن بعد ذلك واصلت؛ ” أنك محق أيها الأب القدوس أن تفعل بي ما تريده. إن حياتي ليست ملكي، أنها بالكلية لك. أنا لا أريد أن تكون إرادتي، بل بالأحرى إرادتك أنت، لقد قبلت الموت على الصليب، إني أقبل أيضاً الموت الظاهري عن إلوهيتي. أنه العدل. كلّ هذا يجب أن أهبه لك، وقبل كلّ شيء، يجب أن أقدّم لك محرقة ربوبيتى التي توحدني بك. نعم أيها الأبّ، بالدمّ الذي تراه، أؤكّد هبتي وقبولي: لتكن إرادتك وليس إرادتي …

يسوع يبحث عن تلاميذه النيام

بالرغم من كلّ شيء، برغم الثقل الهائل والإعياء الفظيع، بالإضافة إلى العرق الدمّوي، لقد كنت قد ضربت بطريقة بحيث أنّني عندما ذهبت للبحث عن تلاميذي، أحسست بالإنهاك على نحو مريع. بطرس، يوحنا، يعقوب! أين أنتم؟ أنّني لا أراكم، استيقظوا، أنظروا وجهي، أنظروا كيف يرتعد جسدي في هذه المحنة التي أقاسيها! لماذا أنتم نيام؟ استيقظوا وصلّوا معي؛ لقد عرّقت دمّاً من أجلكم! بطرس، يا تلميذي المختار، ألا تهتمّ بآلامي؟ … يعقوب، لقد أعطيتك أفضلية أكثر، انظر إلي وتذكّرني! وأنت يا يوحنا، لماذا تدع نفسك تستغرق فى النوم مع الآخرين؟ أنك تستطيع أن تتحمّل أكثر منهم … لا تناموا، تيقظوا وصلوا معي!

هذا ما حصلت عليه: التمست العزاء فوجدت مأساةً مرّةً. حتى هم ليسوا معي. إلى من سواهم سأذهب؟ … إن أبي أعطاني حقاً ما طلبته كي تقع كلّ دينونة البشر علىّ. أبتاه، ساعدني! أنك تستطيع أن تفعل كلّ شئ؛ ساعدني! لقد صلّيت مرة آخرى كإنسان قد أنهار كلّ رجاءه ويلتمس الفهم والعزاء من الأعالي. لكن ماذا يستطيع أن يفعل أبي إن كنت أنا من اخترت بحرية أن أسدد عن كلّ شيء؟ إن اختياري لم يتغيّر. ومع ذلك، بلغت مقاومة الطبيعية لإنسانيتي درجتها القصوى.

مرة أخرى سقطت على الأرض على وجهي بسبب الخزي من كلّ آثامكم؛ مر أخرى طلبت من أبي إبعاد تلك الكأس. لكنّه أجاب بأنّه إن لم أشربها، فسيكون كما لو أنّي لم أجئ إلى هذا العالم، ومن جهتي فيكفى عزاء لنفسي أن عديد من المخلوقات ستتحمّل جزء من آلامي في البستان.
لقد أجبت ” أبّتاه، لتكن لا إرادتي، بل إرادتك أنت. إن هذا الملاك أكّد لي حبّك، وهذه البهجة القصيرة التي أرسلتها لي، قد فعلت عملا جيداً حتى مع مقاومتي الطبيعية. هبني خليقتي، تلك التي افتديتها. أنك بنفسك تأخذهم لأنه من أجلك أنا قبلت. أريد أن أراك راضياً. إني أقدّم لك كل آلامي وثبات إرادتي، التي لا تتعارض حقاً مع إرادتك، لأننا لنا دوماً إرادة واحدة… أبّتاه، أني منسحق لكن هكذا سيكون حبّنا معروف. لتكن لا أرادتي بل أرادتك أنت!”

عدت مرة أخري لأيقظ تلاميذي، لكن أشعة العدل الإلهي تركتني في أخدود دائم … لقد أصبحوا ممتلئين بالخوف عندما رأوني كإنسان مجنون، ومن تألم أكثر كان يوحنا. أنا صمت … هم صدموا … بطرس فقط الذى كان عنده الشجاعة ليتكلم. مسكين أنت يا بطرس ، إن عرفت فقط أن جزء من قلقي كان بسببك. لقد أخذت رفاقي الثلاثة كي أستريح فيهم وفي محبّتهم، كي يساعدوني بمشاركتي أحزاني ويصلّوا معي … كيف أصف ما أحسست به عندما رأيتهم نيام؟

كم يعاني قلبي حتى اليوم، أريد أن أجد الراحة في أحبائي، أذهب إليهم فأجدهم نيام. أكثر من مرة، عندما أريد إيقاظهم وإخراجهم من ذواتهم، عندما أريد أن أبعدهم عن مشغوليتهم. يجيبونني، إن لم يكن بالكلمات يكون بالتصرفات ” ليس الآن، أني متعب جداً؛ عندي الكثير لأفعله؛ إن هذا ضار لصحتي؛ إني بحاجة لوقت قليل؛ إني أريد بعض السلام.”

ألحّ وبلطف أخبر تلك النفس ” لا تخافي إن تركت راحتك من أجلى، فأنا سأجازيك. تعالي وصلّي معي، فقط ساعة واحدة! أنظري، هذه هى اللحظة التى أنا بحاجة لك فيها! ستجيبين” هلا توقّفت؟ هل أنت مطالب ببرنامج؟” كم من مرّة أسمع نفس هذه الإجابة! يا لك من نفس مسكينة، أنك لست قادرة أن تسهري ساعة واحدة معي. قريباً سأجيء، وأنت لن تسمعيني، لأنك ستكوني نائمة. سأريد أن أمنحك النعمة، لكن لكونك نائمة، فلن تكوني قادرة على تلقيها. ومن سيكون متأكّد أنّه سيكون عنده القوة فيما بعد ليستيقظ؟ …

من الممكن أن تكونوا محرومين من الغذاء، ونفوسكم ستكون ضعيفة وقد لا تستطيعوا الخروج من تلك اللامبالاة. نفوس كثيرة باغتها الموت في وسط نومها العميق، فأين وكيف استيقظوا؟ أحبائي، أريد أن أعلّمكم أيضاً كم هو عديم الفائدة وعقيم أن تبحثوا عن الراحة في المخلوقات. أنهم غالباً ما يكونوا نائمين، فبدلاً من أن أجد الراحة التي أبحث عنها فيهم، شعرت بالمرارة لأنهم لا يستجيبون لما احتاجه منهم ولا لمحبّتي. عندما صلّيت لأبي وطلبت المعونة، كانت نفسي الحزينة والمخذولة تعاني حزن الموت. لقد بدوت مقهوراً بثقل أسوأ جحود. الدمّ الذي تدفق من كلّ مسام جسدي والذى في وقت قصير سيتفجر من كلّ جراحي، سيكون بلا فائدة لعدد عظيم من النفوس التي ستفقد. كثيرين سيهينونني وكثيرين لن يعرفوني! لاحقاً سأريق دمّي من أجل الجميع واستحقاقاتي ستقدّم لكل واحد منهم. دمّا إلهي! استحقاقات لا نهائية! ورغم ذلك، بلا فائدة لكثيرين، لنفوس عديدة.

لكن في ذلك الوقت كنت فى سبيلي لمواجهة أمور أخرى، وإرادتي صممت على أتمام آلامي. أيها البشر، إن تألمت، فبالتأكيد لن يكون ذلك بلا ثمر ولا بلا سبب. إن الثمار التي نلتها كانت المجد والحبّ. أن الأمر يرجع إليكم الآن، أن تبرهنوا لى، بمعونتي، أنّكم تقدّرون عملي. أنني لن أكل أبداً! تعالوا إليّ! تعالوا إلى من يرتجف حباً بكم والوحيد الذي يعرف كيف يعطيكم الحبّ الحقيقي الذي يسود فى السماء والذي يغيّركم الآن على الأرض.

النفوس التي تتذوّق عطشي، تشرب من كأسي المرّ والمجيد، لأني أقول لكم أنّ الأب يريد ادّخار بعض من قطرات هذا الكأس لكم. فكّروا بشأن هذه القطرات القليلة التى أخذت منّي وبعد ذلك، إن آمنتم، اخبروني بأنّكم لا تريدونها. أنني لم أضع حدوداً ولا يجب أن تضعوا أنتم حدوداً. لقد سحقت بلا رحمة. لأجل الحبّ، يجب أن تسمحوا لي بسحق تقييمكم لذواتكم. أنا من يعمل فيكم، بالضبط كما عمل أبى فيّ عندما كنت في البستان.

أنا من يعطيكم آلام كي تكونوا ذات يوم سعداء. كونوا مطيعين لفترة؛ كونوا مطيعين بإقتدائكم بى لأن هذا سيساعدكم كثيراً وسيرضينني بقدر عظيم. لا تفقدوا أيّ شئ، بل بالأحرى اكتسبوا الحبّ. كيف أسمح لأحبائي أن يعانوا من خسائر حقيقية بينما هم يحاولوا إظهار الحبّ لى؟
إني أنتظركم. إني أنتظر دائماً ولن أكل. تعالوا إليّ؛ تعالوا كما أنتم، أنه لا يهمّ طالما أنكم ستأتون. سترون حينئذ بأنّني سأزيّن جباهكم بالجواهر، بقطرات الدمّ تلك التي سكبتها في جثسيماني، إن تلك القطرات هي قطراتكم أنتم، إن كنتم تريدونها. تعالوا أيتها النفوس، تعالوا إلى يسوع الذي يدعوكم.

لقد قلت ” أبتاه “؛ أنني لم أقل ” إلهي “. هذا ما أريد أن أعلمه لكم؛ عندما تعاني قلوبكم أكثر، يجب أن تقولوا “أبتاه ” وتسألوه التعزية. أظهروا له آلامكم ومخاوفكم، وبأنّين ذكّروه بأنّكم أبنائه. أخبروه أنّ نفوسكم لم تعد تستطيع أن تتحمّل! اسألوه بثقة الأطفال وانتظروا، لأن أبّوكم سيساعدكم؛ انه سيعطيكم القوّة الضرورية للتغلب على متاعبكم لأنكم وثقتم به …

هذه هى الكأس التي قبلتها وشربتها لآخر قطرة. كلّ ما أريد أن أعلمه لكم يا أبنائي الأحباء أن لا تظنوا أبداً مرة أخري أنّ الآلام عديمة الفائدة. إن لم تروا نتائج تتحقّق دائماً، أخضعوا لقضائكم واسمحوا للإرادة الإلهية أن تتحقّق فيكم. أنني لم أتراجع. بل بالعكس، بالرغم من علمي بأنهم لا بدّ أن يعتقلوني فى البستان، إلا إني ظللت هناك. أنني لم أرد الهرب من أعدائي… ابنتي، اسمحي لدمّي اللّيلة أن يروي ويقوي جذور صغرك.

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.