كتاب آلام يسوع المسيح كما رواها لكاتالينا

31٬398

أحزان مريم العذراء

تكلّم عديد من الأنبياء عنيّ؛ لقد توقّعوا أنّه كان لابد لي أن أتألم كي أصير مستحقّة أن أكون والدة الإله. لقد توقّعوا على الأرض أن يكون لديهم معرفةً عنّي لكنّ ذلك كان لابد أن يكون بغاية الحرص. في وقت لاحق تحدّث الإنجيليين عنّي، خاصة لوقا، طبيبي الحبيب، طبيب النفوس أكثر من كونه طبيب الأجساد. بعد ذلك بعض بدأت بعض أنواع من الرهبنة التي كانت الإحزان والآلام التى كابدتها قاعدة لها. وهكذا عرف بشكل عام أنّني كابدت سبعة أحزان رئيسية.

أبنائي، لقد كافأت أمّكم وستكافئ الجهود والحبّ الذى تكنونه لي. لكن كما فعل يسوع، أريد أن أتكلم معكم بشكل شامل عن أحزاني. حينئذ، ستتكلّمون مع أخوتكم عنها، وفى النهاية على كلّ شخص أن يقلّدني. إني أمجّد يسوع دوماً بسبب ما عانيته ولا أنشد شيء سوى أنّ يكون ممجّداً فيّ.

أنظروا يا أبنائي الصغار، أنه لمن المحزن أن أتحدّث مع أبنائي عن هذه الأمور، لأن كلّ أمّ تحتفظ بأحزانها لنفسها. وهذا ما قد أملاه على واجبي خلال حياتي على الأرض؛ لذا، فأن رغبتي كأمّ احترمت من قبل الرب. الآن بكوني هنا، حيث الابتسامة أبدية، ولكوني، مثل كلّ الأمهات، قد أخفيت الأحزان التي لاقيتها، يجب أن أتحدّث عنها كي تعرفون، كأبناء لى، كل شيء عن حياتي. إنني أعرف الثمار التي ستحصلون عليها من ذلك وكيف أن تلك الثمار ستسر يسوع، ابني الحبيب. أنني سأتحدّث عنها طالما أنكم تستطيعوا أن تفهموني.

قال يسوعي ” كل من هو أول، فليجعل نفسك الأخير ” وهو فعل ذلك بشكل حقيقي لأنه وهو الأول في بيت الرب، لكنّه نزل حتى الدرجة الأخيرة. الآن، بسبب الحبّ، لن آخذ منه هذا الموضع الأول ولا الأخير اللذان يخصانه. بالأحرى، أجاهد أن أجعلكم تفهمون هذه الحقيقة، وفرحي سيكون أعظم عندما تقتنعون بأن يكون هو الأول ونحن الأخيرين، ليس من خلال طريق المعرفة البسيطة بل من خلال إيمان متجذّر وعميق.

لكونه هو الأول، يجب أن يكون هناك من هو الثاني في سلّم الحبّ والمجد وبالتالي، فى سلم الانسحاق والتواضع. أنكم تفهمون الآن ما يجب أن أكون عليه. أبنائي الصغار، مجّدوا الإله الذي بعد أن خلق مسافة شاسعة بين يسوع وبيني، ما زال يريد أن يضعني التالية له مباشرةً.

أبنائي، ما يبدوا مهماً للعالم ليس بالضرورة أن يكون هكذا أمام الرب. اختياري أن أكون والدة الإله أنطوي بداهة على تضحّيات مٌحزنة وتخلي عن كثير من الأمور، وأول هذا الأمور كان عندما عرفت من خلال غبريال الاختيار الذى تم بمحبة الرب. لقد أردت أن أعيش في حالة معرفة متواضعة ومختبئة في الرب. لقد أردت ذلك أكثر من أي أمر آخر لأن ذلك كان مسرتي أن أعرف نفسي كأخيرة في كلّ أمر. عند معرفة اختيار الرب، أجبت كما تعرفون، لكنّه كان من الصعب الارتقاء إلى الكرامة التى دعيت إليها.

أبنائي الصغار، هل تفهمون حزني الأول الذي أتكلّم عنه؟ تأمّلوا فيه، قدموا لأمّكم أعظم فرح بتقييم ذلك الأتضاع الذى أقيمه أنا أكثر بكثير من بتوليتي. نعم، لقد كنت ومازلت الآمة التي يمكن أن يطلب منها أي شئ، وأنا قبلت فقط لأن خضوعي كان بنفس درجة محبّتي. لقد سررت يا إلهي بأن ترفعني نحوك، وأنا تمتّعت بقبولي لأن طاعتي كانت تسرك. لكنّك تعرف كم كان ذلك محزناً لى، وهذا الحزن أمامك الآن في حاجة للنور من أجل هؤلاء الأطفال الذين تحبّهم والذين أنا أحبّهم. وكما تحقق ليّ أنا العبدة فليتحقق لكم الآن يا أبنائي كلّ ما يريده الرب لكم بدون ارتياب!

القبول أعطى الرب الإجابة التي ستعطي الإنسان وسيلة الحصول على الفداء، وفي هذا القبول تحقّقت تلك العبارة الجديرة بالإعجاب ” ها هى العذراء التي ستحبل وتلد أبنا الذي سيدعى عمانوئيل.” إن قبولي أن أصبح أمّ عمانوئيل، تضمّن هديتي لأبن الإله، لكون أمّه تمنح نفسها له قبل أن تتشكل إنسانية يسوع داخلها. لهذا فإن هديتي كانت نتيجة النعمة، وكانت أيضاً سبباً للنعمة. والأسبقية يجب أن تدرك بأنّ الرب هو السبب الأوّل؛ مع ذلك، يجب أن يؤكّد أنّ قبولي تم بخطة نعمة كسبب مرافق.

أنهم يدعونني شريكة فى الفداء بسبب الأحزان التى قاسيتها؛ لكنّي كنت هكذا حتى قبل ذلك، بسبب هبتي لنفسي إليك من خلال غبريال. آه يا ابني الإلهي! كم من كرامة أردت أن تعطيها لأمّك لتعوضها عن الأحزان العظيمة التى قاستها فسموت بكرامة أمّك! أنكم عميان يا أبنائي الصغار في العالم، لكن عندما ترون، فأنكم ستبصرون أمور عجيبة ستصبح حوافز لأن تفرحوا من أجلى. أنكم سترون أي تناغم بين المجد والتواضع هنا حيث يسوعي هو الشمس التي لا تغيب أبداً. أنكم سترون حكمة التدبير الذى تم من خلال إنكاري لذاتي، من خلال تواضع حياتي الخفية المستترة.

لكن أصغوا إلي الآن. بقدر ما كانت أمومتي تتقدّم، كان لا بدّ أن أتكلّم مع البعض من أحبائي حول الكرامة التى حظيت بها، ولقد فعلت ذلك فى تكتم بقدر ما أستطيع. لقد زهدت فى إعلان غلبة سرّ الرب لأن الرب بنفسه يجب أن يتمجّد فيّ. ومع ذلك، فسرعان ما غمرني الفرح بمعرفة أنّني اعتبرت كامرأة كسائر الأخريات. روحي فرحت لأن آمة الرب، التي أرادت التواضع بقدر استطاعتها، صارت مداسه من قبل العالم. عندما اختفى يوسف، أنا لم أعاني، لقد فرحت حقاً. لا تقولوا بأنّني عانيت حينها، لأن ذلك غير صحيح.

هكذا أرضى الرب رغبتي للتواضع. هكذا كان تعويض الرب لأن أصبح والدة الإله؛ أن أعتبر كامرأة ساقطة. ابنتي، تعلّمي معرفة الحبّ، تعلّمي أن تقدري التواضع المقدّس، ولا تخافي لأن التواضع فضيلة تتلألأ بنور مشرق. عندما عقد الزواج، لم يكن عندي مشاكل. لقد عرفت مجريات الأمور ولم أخشى شيء. حقاً، إن الرب يعطي موضعا مثالياً في أكثر المواقف تناقضا للذين يعطون أنفسهم بالكامل له، كما حدث لي: لقد أكرهت من قبل الالتزام الإنساني بالزواج من رجل، حتى عندما عرفت بأنّني ممكن أن أنتمي فقط للرب.

لقد قاسيت أحزان عديدة على الأرض! إذ ليس من السهل أن أكون أمّ العلى، لكني أؤكّد لكم أننا لا نستطيع أن ندعو ما نقوم به من أجل أنقى الغايات أمراً صعباً عندما يكون ذلك الأمر مسرّ للرب. تذكّروا ذلك! هل سبق أن فكّرتم ما الذى سبّب لى الحزن فى تلك الليلة المقدّسة في بيت لحم؟ أنكم تصرفون انتباهكم فى الإسطبل والمزود والفقر. أنا، من الناحية الأخرى، أقول لكم بأنّني قضيت تلك الليلة في نشوة كاملة مع أبني. وبالرغم من أنّني كان لا بدّ أن أفعل ما تفعله كلّ أمّ مع طفلها الصغير، إلا إني لم أتخلّى عن نشوتي ولا عن نعمتي. ولذا، الشيء الوحيد الذي سبّب لى الحزن فى ليلة الحبّ تلك كانت رؤية مأساة يوسفي المسكين وهو يبحث عن مأوى، عن أي مكان لي. لقد كان مدركاً لما سيحدث ومن الذى سيأتي إلى الأرض، زوجي الحبيب، برؤية أننى ارتبكت، أصبح حزيناً وأحسست بكثير من العطف عليه. بعد ذلك، امتلأنا بالفرح ونسينا كلّ متاعبنا.

لقد هربنا إلى مصر وكلّ ما ممكن أن يقال قد قيل عن ذلك، بالرغم من أنّ البعض يركّزون انتباههم على إعياء السفر أكثر من التركيز على خوف أمّ تعرف أنّها تمتلك أعظم كنز في السماء والأرض. بعد ذلك عشنا في الناصرة، يسوع الصغير كان يكبر ممتلئاً بالحياة، ولقد سبّب لنا في ذلك الوقت أدني وأقل قلق. إن كلّ أمّ تعرف ما تتمناه لصحة طفلها، وكيف أن أى شيء بسيط جداً يعتبر كسحابة مظلمة عظيمة. لقد أصيب ولدي بكلّ أمراض وأوبئة طفولة تلك الأزمنة. ومثل كلّ أمّ، لم أستطع أن أكون محصّنة ضدّ أيّ قلق ينتاب قلب أى أمّ.

لكن ذات يوم أظلّمت سحابة مظلمة جداً نور فرح والدة الإله. تلك السحابة تدعى فقدان يسوع….. لا شاعر ولا كاتب ماهر يستطيع أن يتخيّل مريم عندما عرفت أنّها قد فقدت أبنها الممجّد وليس عندها أخبار عنه لمدة ثلاث أيام….أبنائي الصغار، لا تتعجبوا من كلامي، لقد اختبرت أعظم قلق فى حياتي. أنكم لم تتأملوا بما يكفي فى كلماتي ” بني، أبوك وأنا كنا نبحث عنك لثلاث أيام. لماذا صنعت بنا هذا ؟ ” إلهي، فى الوقت الذى أتكلّم فيه الآن إلى هؤلاء الأطفال المحبوبين، لا أستطيع أن أتوقف عن أن أسبحك. أنت من تختفي كى تجعلنا نشعر بفرحة العثور عليك. أه! كما لو كنت تذوقت أناء ملئ بالعسل ينسكب في نفسك هكذا كان احتضاني لمن هو كل شئ لى.

ها أنتم ترون أني أخبركم أيضاً عن فرحي؛ لكن ليس بلا سبب أربط بين الفرح والحزن. اكتسبوا المنافع من كلّ ما حدث بأفضل طريقة ممكنة. الرب يختفي كي يوجد. البعض يعرفون هذه الحقيقة، الآخرون يفكّرون بحزن رهيب لكون يسوع فقد، يفعلون كلّ شيء كي يجدونه. يجب ألا تظلّوا غير فعّالين ومقهورين حينئذ.

تودّ أمّك أن تخلّصكم من التعامل مع الكثير مما مازال يجب أن يقال. أولاً، هناك أمور لم تعلن؛ ولذا لم تقدّر حق قدرها بعد. ثانياً، بمعرفتها، يجب أن تشاركوني معاناتي وهمومي. علاوة على ذلك، تشاركوني فى كل شيء أراد يسوعى إعلانه، بدون أي معارضة على الإطلاق.
هل تعتقدون أنّني قضيت حياتنا العائلية بسلام في الناصرة؟ لقد كانت هادئة فى فضيلة الانتظام فى محبّة الرب. لكن مع المخلوقات، كان هناك الكثير من المشاكل!

طريقتنا الفريدة فى الحياة لوحظت، ونتيجةً لذلك كنا محل سخرية علانيةً. لقد اعتبرت مفرطة بسبب أنني لم أكن أستطيع أن أحبس دموعي عندما كان يسوع يترك البيت، وكان خروج يسوع متكرر. يوسف كان مرهقاً كما لو أنّه عبداً ليسوع ولى. ماذا بإمكان العالم أن يفهم؟ لقد ألقينا بكل متاعبنا على من يعيش بيننا، الممجّد في كلّ مظاهره.

يا له من إبن محبوب ذلك الصبي الصغير؛ أنه أكثر وسامةً من البحر، أحكم من سليمان وأقوى من شمشون. كلّ الأمهات كنّ يرغبن أن يأخذونه منّي؛ بمثل هذا كانت الفتنة تحيط به. ذو الأفق ضيّقي غطّوني بأحكامهم الصارمة؛ ومع ذلك، فأنهم لم يتورعوا عن انتقاد ذلك الأب الذى لم يكن يكل والذي اعتقدوا أنه خاضع ليس لزوجته المخلصة بل الغيورة. كلّ شخص كان مطلع على وفائي، إلا أنهم جميعاً ظنوا إن ذلك عادة متأصلة وميول أنانية.

هذا الذي لم يعرفه العالم يا أبنائي الصغار. هذا حدث بين عالم لا يستطيع أن يرى ولا أن يفهم وبين أنقى أم. أحتفظ يسوع بهدوئه دون أن يشجعني، لأن والدة الإله كان لا بدّ عليها أن تجوز البوتقة، وهذا قد كان، كامرأة بين سائر النساء اللاتي لا ينبغى أن يعتد بآرائهم.
تعجبوا من حكمة الرب في هذه الأمور واكتشفوا معناها الإلهي، تلك الحكمة التي تربط بين أعظم سموّ وبين أكثر الاختبارات ألماً في علاقة بمثل هذا السموّ، لأن كلّ هاوية تعرّف بهاوية أخرى وكلّ عمق يعرّف بعمقه.

وحانت ساعة الافتراق، ساعة عمل يسوع. وحان معها اليوم المخيف لمغادرة الناصرة. لقد تكلّم يسوع معي بشكل شامل عن مهمّته وعن الثمار التى سيجنيها هو وكل البشر؛ لقد جعلني أحبّها مقدماً. لذا كان الفراق حتمي، حتى ولو لفترة قصيرة … ودعنا وقبّلنا وتقدّم إلى مهمّته كمعلّم للإنسانية. لكن رحيله لم يمرر دون أن يلاحظ من القرية الصغيرة حيث كان يسوع محبوباً للغاية.

كانت هناك إيماءات المودّة، إيماءات البركات، ولأنهم لم يعرفوا الصلاح الذى كان يسوع فى سبيله لعمله، تمثلت لهم مدى الخسارة التى آلمت بهؤلاء الناس ذى الفكر البسيط لكن ذو قلوب كريمة. وأنا، فى غمرة مشاعر عديدة، تري ماذا كانت مشاعري؟ لقد انتابتني ألاف الهواجس، لكنّه لم يرجئ رحيله دقيقة واحدة. لقد كان يسوع يعرف ما ينتظره بعد تبشيره. لقد أخبرني مرات عديدة وبالتفصيل عن خيانة الفريسيين والآخرين. والآن ها هو يرحل وحيداً وبدوني لإتمام مهمته؛ أنه يرحل بدوني أنا من نشأته فى دفء قلبي؛ بدوني أنا من مجدته كما لم يمجده أحد قط !

بعد ذلك تبعته. لقد وجدته عندما كان محاط من قبل كثير من الناس لدرجة إنّني لم يكن بإمكاني أن أراه. وهو أعطى أمّه ردّاً رائعاً كأبن حقيقي للرب نابعاً من حكمته، لكنه ذلك الرد طعن هذا القلب الأمومي. نعم، لقد فهمت رده بالكامل، لكن ذلك الفهم لم يطلقني من حزني. بالعلاقة البشرية، هو خالف الوصية التى تشملني، أن ذلك حقيقي؛ ومع ذلك، فإن تعليقات الآخرين جرحتني. الضربة الأولي تبعها فرح برؤية عظمته، برؤيته مكرّماً ومبجّلاً ومحبوباً من قبل الشعب؛ وسرعان ما ألتئم هذا الجرح بسرعة أيضاً.

لقد سرت الطرق معه، مفتونة بإدراكه، مٌتعزّية بتعاليمه، وأنا لم أتعب من أن أحبّة ولا من أن أمجده. ثمّ بدأ احتكاكه الأول مع السنهدريم. لقد حدثت المعجزة؛ المعجزة التي أثارت ضجة كبيرة في أذهان كهنة اليهود المتكبرين. لقد كرهوه، اضطهدوه، راقبوه وجربوه. وأنا؟ كنت أعرف كلّ شيء ومنذ ذلك الحين، قدّمت محرقة ابني، قدمت خضوعه وموته المروّع والمخزي ليدي الأبّ عن طيب خاطر. لقد عرفت ما سيفعله يهوذا؛ لقد كنت أعرف الشجرة التي سيؤخذ منها صليب ابني.

أنكم لا تستطيعوا تخيّل المأساة العميقة التي عشتها مع يسوعي، من أجل أن يتم الفداء. لقد ذكرت من قبل إنني شريكة فى الفداء. لهذا، فالحزن المألوف لم يكن كافياً. كان لابد أن يكون هناك إتحاد أكثر عمقا بآلامه العظيمة كي يتحرر كل البشر. لذا، كلما ذهبت من مدينة إلى مدينة معه، أصير مطلعة أكثر فأكثر على الصرخات التى تسحق القلب التي كان يسكبها ابني خلال عديد من الليالي التي كان يقضيها في الصلاة والتأمل بلا نوم. لقد أظهر أمامي كلّ ما يجول بخاطره، وحقا فإن جلجثتي وصليبي بدءا منذ ذلك الحين.

عديد من الاعتبارات كانت تضاعف من أحزاني كلّ يوم، لأنني كنت أمّه وأمكم! عديد من الآثام، كلّ الآثام؛ كثيراً من الأحزان، كلّ الأحزان؛ عديد من الأشواك، كلّ الأشواك؛ يسوع لم يكن بمفرده. وهو عرف ذلك وشعر به. لقد رأى أمّه في إتحاد مستمر معه. لقد تأثر من ذلك، لدرجة أكبر، لأن ألامي كانت بالنسبة له أعظم الآلام.

وا أبناه، أيا أبني المعبود، ليت هؤلاء الأبناء والبنات يعرفون ما حدث بينك وبيني آنذاك! … وحانت ساعة المحرقة بعد عذوبة عشاء الفصح. وبعد ذلك، كان لا بدّ أن أنضمّ ثانية إلى الشعب. أنا، من أحببته ومجّدته على نحوٍ فريد، كان لزاماً علّي أن أكون بعيدة عنه. أتفهمون يا أبنائي؟
لقد كنت أعرف أنّ يهوذا بدأ خطي خيانته ولم يكن هناك شيء أستطيع أن أفعله؛ وكنت أعرف أنّ يسوع يعرق دمّاً في البستان ولم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً من أجله. ثمّ ألقوا القبض عليه، أهانوه، وأدانوه بطريقة شرّيرة.

أنا لا أستطيع أن أخبركم بكل شيء. سأقول فقط أنّ قلبي كان في اضطراب وفى قلق مستمر؛ لقد كان قلبى عرش من المرارة المستمرة والقلق، كان موضع خرب، كان متعباً ومغموماً. فهل بعد كل ذلك تفقد كل هذه النفوس؟ وهل بعد كل ذلك تتواجد كل هذه المتاجرة بالمقدسات وهذا التبدل الدنس؟

أيا أبناء أحزاني! إن نلتم اليوم نعمة أن تتألموا من أجلي، باركوا من وهبكم تلك الآلام بتأجّج، وقدموا ذواتكم ذبيحة بلا تردد. أنكم تفكّرون فى عظمتي يا أبنائي الأحباء. من المفيد لكم أن تفكروا في ذلك؛ لكن أنصتوا لي: لا تفكّروا فيّ، بل فيه هو. كم أودّ أن أكون منسية، إن كان ذلك ممكناً! قدموا له حنانكم، إلى يسوعي، إلى يسوعكم، إلى يسوع، حبّيبكم وحبيبي.

لذا يا أبنائي كان حزن قلبي سيف يطعن نفسي وحياتي دوماً. لقد أحسست به، بينما لم يفعل بى يسوع هكذا. لقد عزّاني بقيامته، عندما شفي فرحي الهائل فجأة كلّ الجراح التي كانت تنزف داخلي. لقد ظللت أكرّر ” أبني. لماذا كل هذا الانسحاق؟ إن أمّك بقربك. هل حبّي ليس بكافي؟ كم من مرّة عزّيتك في ضيقاتك؟ والآن، هل ليس بوسع أمّك أن تهبك بعض الراحة؟ أيا أبا يسوعي، أني لا أريد أيّ شئ أكثر من الذي تريده أنت. أنك تعلم ذلك؛ لكن أنظر؛ إن كان ممكن أن تخفف من بلاياه. أن أم أبنك تسألك هذا.

والآن على الجلجثة صرت احتج قائلة ” الهي، أعد النور لتلك الأعين التي أمجّدها! ذلك النور الذي طبعته فيهم منذ اليوم الذى وهبته لي، أيها الأب الإلهى، أنظر رعب ذلك الوجه القدّوس! ألا يمكنك على الأقل أن تمسح هذه الدماء الكثيرة؟ أيا أبا ابني، أيا عريس حبّي، يا من أنت بنفسك الكلمة التي شاءت أن يكون لها ناسوتها منّي! ليت صلوات تلك الأيادي المتضرعة نحو السّماء من الأرض أن تكون توسلاً له ولاستجابتي !

أنظر يا إلهي إلى من أحبّبته، إلى أي حد قد أنسحق! أنها أمّه التي تطلب منك أن تخفف من هذا الحزن الهائل. سأكون بعد وقت قصير بدونه. وهكذا سيتحقق وعدي الذي تعهّدت به من قلبي بالكامل، ذلك النذر الذى نذرته عندما كنت في الهيكل. نعم، سأظلّ وحدي، لكن خفّف من ألامه دون أن تلتفت لآلامي.

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.